لم يعد لكلمة النصر معنى، فتدمير المدن ليس مهماً طالما بقى صاحب القرار في أمان بعيداً عن شعب مقهور بارادة غيره. جيل كامل من الفلسطينيين باتوا في عداد المجهول، قطاع تدمر من شماله الى جنوبه مع ثمانين الف قتيل وجريح، ومع ذلك هناك أصوات تتحدث عن نصر يلوح في الأفق، بالتمام والكمال مع ما يسمونه الاختبار الصلب للصبر الايراني رغم خسائر القادة في سوريا ولبنان.
لم يعد النصر حرباً عسكرية تأتي ثمارها في الميدان، بل تحول الى ضجيج اعلامي يزيد متاعب البسطاء من الناس الذين مازالوا يعتقدون انهم في جدول اعمال حكامهم أو مسؤوليهم بغض النظر عن التسميات ومقاربتها مع الواقع، يقبلون عن طيب خاطر بأن التخطيط للمعركة هو للدفاع عن حقوق أغتصبها زعيمهم قبل عدوهم، وأنهم ليسوا من أولويات أصحاب الصوت العالي وتلقي الأوامر في الكواليس الخلفية، ورغم كل ذلك يصفقون لنصر قد لا يأتي. ما أقساها محرقة التضليل.
لم تعد هناك فكرة واضحة عن مفهوم القيادة في المنطقة، فالذي يبني بلاده يسمونه عميلاً أو خائناً والذي يتسابق مع الزمن لتدميرها يتحول الى بطل قومي على ورق هالك، والأمثلة كثيرة، بينما لازال مفهوم المعارضة والموالاة يحتاج الى تفسيرات واقعية، فمن يُعارض الحكومة ليس بالضرورة عدواً للدولة والعيش المشترك، ليبقى المتلونون الخطر المؤجل على دعاة السلام.
لا اعرف أين أنزوى القانون الدولي لحقوق الانسان، وكيف اصبح القرار الوطني محرماً بشريعة الغاب السياسي، ولماذا كل من يخالف أطماع التوسع جباناً ومن يحمي أهله خائفاً، قاموس جديد من سياسة اللاوعي في المنطقة، التي تخطئ مسيراتها وصواريخها الأهداف الحقيقية في مواجهة تضليل شعوب منطقة لا تقوى على حمل همومها بالضحايا البدلاء.
من حق ايران البقاء على السواتر الخلفية لمنع القتال داخل أراضيها، وهو أعلى درجات الانتماء للوطن، بالضد تماماً من الذين يتسابقون لحرق بلدانهم ارضاء لهذا وذاك من أجل البقاء في كرسي القرار المهزوم، لكن في المقابل كيف تغامر ايران بحرق استقرار أصدقاء بخطوط اشتباك غير مفهومة، وهل صحيح أنها وقعت ضحية تضليل في أربيل مثلاً.
الحديث عن الانجرار الى حرب اقليمية بات من الماضي لأن العراق أصبح في مدياتها القريبة من خلال القصف المتبادل بالصواريخ والمسيرات التي تتشابك هويات مشغليها خارج الحدود، والذين سيتسابقون لاصطياد أهداف مختلفة الوزن والنوعية، لكنها ستزعزع استقرار العراق بعد حين.
ليس أمام الحكومة العراقية غير اقناع الجميع بالقتال بعيداً عن أرض العراق وحياة شعبه، فلا حدائق خلفية تستوعب المشاريع البديلة، ولا يجوز لفارق القوة مصادرة حقوق الناس في بلدانهم، العراق لن يكون بديلاً عن غزة أو بيروت، مثلما هو ليس ضيعة تركية أو ايرانية، ما يستوجب عناصر فهم جديدة لمعنى السيادة و العلاقات المتوازنة وعدم مصادرة الجمل بما حمل.
لا يجوز تحويل أربيل الى مركز للصراع الاقليمي وينبغي على طهران سماع وجهات نظر الأصدقاء العراقيين بهذا الملف الحساس، فخلافات السياسة الداخلية لا تعني السماح بحرق هوية الأخوة العراقية، لذلك جاءت تصريحات المسؤولين العراقيين الى جانب أربيل أكثر من أي وقت مضى. لن يكون دم العراقيين ماء حتى لو استنسخوا جميع فصائله خارج الحدود، مثلما لا يمكن فصل قصف أربيل عن انتهاك سيادة العراق.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً