طالب عبد العزيز لرووداو: هدم منارة السراجي كان حاجة والمحافظة لم تف بوعدها لإزالتها بطريقة هندسية

15-07-2023
معد فياض
الكلمات الدالة البصرة جامع السراجي الآثار
A+ A-
معد فياض
 
كان الطريق الذي يربط العشار، مركز محافظة البصرة بقضاء (أبو الخصيب) يمر متعرجاً وسط غابات كثيفة من النخيل. ويصف كاتب القصة والروائي البصري، محمد خضير في كتابه "بصرياثا" هذا الطريق بـ "طريق الحكايات"، يكتب عنه قائلا: "في كتابي (بصرياثا) هناك فصل كامل عن طريق ابو الخصيب (طريق الحكايات) تحدثت فيه عن الدرب المتعرج الذي يربط بين مركز مدينة البصرة، العشار، وقضاء (ابو الخصيب) والذي يجتاز بساتين النخيل". وأول علامة حضارية في هذا الطريق كان جامع السراج ومنارته الشهيرة ذات الزخرفة الفسيفسائية باللون التركوازي.
 
اختفى هذه المعلم فجر يوم الجمعة (14 تموز 2023)، بعد ان بقي شاخصاً لأكثر من 300 سنة، وضاعت هوية الطريق بل هوية حضارية مهمة من ايقونات البصرة.
 
الشاعر(الخصيباوي)، نسبة الى قضاء (ابو الخصيب) الذي ولد وعاش فيه، طالب عبد العزيز، يصف فقدان منارة جامع السراجي، قائلا لرووداو اليوم السبت (16 تموز 2023): "مثلما تفقد شيئاً ثميناً للغاية في حياتك، فقدنا منارة السراجي. لم تبق اشياء ومعالم مؤثرة في البصرة، فقدنا النخلة، ملاذنا وايقونتنا، والنهر الذي جفت مياهه، والتراب الذي يحمل آثار خطوات اجدادنا وآبائنا وتحول الى زفت اسود".
 
يضيف قائلاً: "كنت اغني رؤيتي بمشاهدة وتأمل منارة السراجي كل يوم وانا اجتاز الطريق الى بيتنا.. ومازلت أرى في السماء الكثير من فسيفساء وزخرف منارة السراجي، وكانني أتفرسُ بعيني هذه مجلس شيوخ واعيان بيت الملا طه وبيت الحاج صالح العرب (الاول من السنة والثاني من الشيعة) ومن انضم الى مجلسهم، وصارت المنارة تظللهم، وهم ينفقون تحت حائط المسجد أضحيات وأمسيات أعمارهم، منذ ثلاثة قرون ونيف." 
 
 ويردف متاسفاً "سأفتقد بمروري شبه اليومي لوحة الجمال تلك، قطعة التركواز المجتزأة، التي اجتثت من السماء، وسيقوم الفضاء بشاغره الأبدي، ولن تقوى أيُّ منارة، ومن أيِّ الحجر والمعدن صبّت وجيء بها على ردم الهوة التي تركتها منارة السراجي، حاضرة الامس الذي لم يعد".
 
ويتحدث الشاعر طالب عبد العزيز عن منطقة السراجي، التي لها نهر السراجي الشهير، قائلا: "باب السراجي هو واحد من ابواب البصرة الخمسة (باب بغداد، باب المجموعة، باب الرباط، وباب الزبير) وأنَّ دروازة السراجي كانت تقع داخل قلعة البصرة" وأنَّه، وحتى وقت قريب كانت هناك قلعتان عثمانيتان، عند مدخل نهر السراجي، وأنَّ عشرات الدونمات الزراعية كانت موقوفة على مسجد السراجي، وعلى مبعدة امتار من الجسر كانت هناك دائرة الجمارك في الدولة العثمانية، وأنَّ  الشيخ عبد القادر باش أعيان في خططه يقول: وجاء في شرح مقامات الحريري للسمعاني، المصدر مقامات الحريري مخطوط (65 أ) في المكتبة العباسية، إنَّ سَرُوج هي قرية من قرى البصرة تعرف الان بالسَّراجي، ولقبت بذلك لوجود العلماء والزهاد الذين هم سُرُجُها. فالشيخ عبد العزيز المرجاني والشيخ نصر السمّان سراجا القرية المذكورة. وكان ابو زيد السروجي، الشخصية المحورية في مقامات الحريري من احفاد السمّان، أحد سراجات المسجد الذي تم هدمه."
 

الشاعر طالب عبد العزيز

 
وحول تهديم مسجد ومنارة السراجي قال: "كثيرا ما تُشركُ الحكوماتُ في العالم في مشاريعها العمرانية النخبَ الادبية والفنية، وتستشير الاساتذة الجغرافيين والمؤرخين، لئلا تقع في اخطاء، قد يغفلها المهندس المدني. هناك جدلية قائمة على أساس الحفاظ على الهوية المحلية، الأمر الذي لا نجده في أعمال البلديات في البصرة وغيرها من مدن العراق اليوم، ولعل ما قامت به الشركة التي نفذت توسعة طريق ابي الخصيب بقبة الشيخ محمد ابي الجوزي الشاهد على ما نذهب اليه، بعد أن أزالت قبّة الضريح الطينية، والمبنية قبل ما يزيد عن 250 سنة، واستبدلتها بقبّة بيضاء من الفايبركلاس مشوّهة، صنعها شخص لا يعي معنى التاريخ، ولا أهمية التراث أو معنى الحفاظ عليه."
 
ويتحدث الشاعر طالب عبد العزيز عن الحلول التي كان يمكن لها ان تنقذ منارة السراجي، قائلا: "يتحدث البعض عن شقِّ نفق تحت المسجد وتسهيل المرور دون المساس به، فنقول باستحالة وجود امكانية مثل هذه، ويرى آخرون بامكانية نقل المنارة بطريقة ميكانيكية الى مكان آخر، ونقول لسنا في اوربا أو في تركيا، وقال غير واحد بأن يصار الى الابقاء على المنارة وجعلها (فلكة) كالذي صارت اليه منارة مسجد الكواز في البصرة قبل اكثر من أربعين سنة، وهو برأينا الحل الامثل، لكنَّ ذلك يتطلب ازالة البيوت المحاذية للمسجد، وتعويض أصحابها. ترى لماذا لم تعمل الحكومة عليه، هي التي تملك القرار والمال؟ نعم، هناك عمارة من ثلاثة طوابق شيدت من سنوات لصق المسجد، وهناك بيت آخر ومضيف وهي أملاك شخصية كان يتطلب التفاوض مع اصحابها بهذا الشأن."
 
ويقر عبد العزيز قائلاً: "لا مِراء ولا زلفى لأحد إذا قلنا بأنَّ هدم المنارة وتوسعة الشارع رغبة وحاجة عند كل مستعمل للطريق، من السنة والشيعة، فالمنارة كانت تعترضه، وتتسبب بتعطيل الناس عن الوصول الى أعمالهم، ومن المعيب جداً، ومن التجني أيضاً أنْ يُفهم فعلُ ازالة المنارة فهماً طائفياً، هذا امرٌ لا وجود له في ذهن ايِّ بصريِّ، لا عند المحافظ ولا أيِّ مواطن بسيط، فالبصريون اجتازوا المحنة هذه، ولا ضرورة في البحث عن اسباب ازالتها، لكنْ نقول كان على الحكومة مواجهة اصحاب البيوت المحاذية للمسجد، لاقناعهم بتعويض مالي وتهديم هذه البيوت لتبقى المنارة في الاقل وسط ساحة (فلكة) بدلاً من تهديم المسجد التاريخي بمنارته الأثرية، والمأخذ على المحافظة انها لم تف بوعدها حين قالت بأنَّ المنارة ستزال بطريقة هندسية وسيتم ترقيم طابوقها واحدة واحدة، ومن ثم سيصار الى إعادة بنائها ثانية بأجمل ما يكون، ولو حدث هذا لخفف كثيراً من وطأة فعل الازالة."
 
من جهته استنكر وزير الثقافة العراقي أحمد فكاك البدراني قرار محافظ البصرة أسعد العيداني هدم مسجد السراجي ومئذنته التي يبلغ عمرها نحو 300 سنة، بدعوى أنها أصبحت تعوق حركة المرور.
 
وقال البدراني في بيان نشره على الـ فيسبوك: "إنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد هدم المسجد الذي تم رغم تقديم الهيئة العامة للآثار والتراث عدة مقترحات للحفاظ عليه وتجزئته ونقله إلى مكان آخر."
 
وشدّد البدراني على أن "الحكومة العراقية ترفض وتمنع المساس بأي بناء يحمل سمةً تراثية أو أثرية، سواء كانت دينية أو مدنية، إذ إنها لا تُعد ملكاً لديوان أوقاف أو وزارة أو هيئة أو محافظة، وإنما هي ملك للتاريخ الحضاري والتراثي للعراق".
 
وكان محافظ البصرة، أسعد العيداني، قد اعلن اليوم السبت، أن حكومته ستعيد بناء منارة جامع السراجي مرة أخرى بموادها التاريخية وذلك بعد صدور ردود أفعال غاضبة رسمية وشعبية من هدمها. وقال العيداني في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الوقف السني في المحافظة: "انتظرنا سنة ونصف السنة لهدم جامع السراجي وإعادة بنائه بطريقة تليق بمكانته التاريخية، مبيناً أن الآثار تأخرت علينا بتفكيك المنارة رغم مطالبتنا المستمرة بتفكيكه ولم يردنا أي جواب من مفتشية آثار البصرة..
 
ولفت لإبلاغ الوقف السني بعملية الهدم قبل أسبوع من هدم المنارة، مؤكدا أنه سيتم بناء الجامع بجامع آخر يليق بالبصرة و أهلها و بأفضل الطرازات المعمارية."
 
كما أشار العيدانيّ إلى أن أنقاض المنارة القديمة موجودة ولم يتم اتلافها ولدينا شركة متخصصة بإعادة بناءها بموادها التاريخية."
 

محافظ البصرة اسعد العيداني في زيارة لجامع السراجي قبل تهديمه

 
وجامع السراجي، وهو من مساجد العراق التاريخية القديمة في مدينة البصرة ويتميز بعمارته الأثرية والتراثية، ولقد بني في عام 1727، ويقال إن الذي شيده وأعاد إعماره هو عبد الوهاب باشا بن أحمد القرطاس في عام 1902، تبلغ مساحة الجامع حوالي 1900 متر مربع، ولقد كان بناؤه من مادة اللبن والطين، ويقع بمحلة السراجي في قضاء أبي الخصيب. جدد بناؤه من قبل مجموعة من المتبرعين في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وكان آخر تجديد لهُ في عام 2002، وجرى ذلك على نفقة المحسنة (أم حميد التويجري)، حيث كانت تقام في الجامع صلاة الجمعة وصلاة العيدين والصلوات الخمسة.
 
كانت في جامع السراجي منارة أثرية فخمة البناء لها حوض واحد، مبنية بالآجر القديم ونقشت بعض أجزائها العلوية بالكاشي الملون الكربلائي.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

العمل في مدينة نمرود الأثرية

جمع 35 ألف قطعة.. جهود عراقية أميركية لإحياء مدينة آشورية دمرها داعش

على بعد نحو 30 كيلومتراً جنوب مدينة الموصل، تقع نمرود، المدينة الآشورية العريقة التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والتي كانت في عصرها الذهبي عاصمة للإمبراطورية الآشورية ومركزاً حضارياً بارزاً في المنطقة.