أنشئ حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية بهدف توحيد الدول الديمقراطية، بعبارة أخرى، دول غرب أوروبا وشمال أمريكا، ضد الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1952 تم قبول تركيا كعضو في الحلف، وذلك بعد أن اتخذت تركيا خطوة نحو الديمقراطية آنذاك.
ولكن اليوم، لم يعد هناك اتحاد سوفييتي، ولا تركيا ديمقراطية، ومن الممكن أن تكون الأضرار أكثر من المكاسب في ظل استمرار الناتو وفق الشروط والأحكام الحالية.
روسيا حالياً أصغر وأضعف من الاتحاد السوفييتي السابق، لذلك يمكن أن تتوقف التدابير التي كانت تتخذها الدول الشرقية لحماية حدودها، ولو نظرنا من المنظور الروسي، فإن ذلك الحلف الكبير الذي أنشئ لمواجهتهم أصبح موضع سخط، ويجب أن يوجه الغرب هذا السؤال لروسيا: ترى ما هو الثمن الذي ستدفعه في مواجهة الناتو؟.
لا شك في أن عضوية تركيا في حلف الناتو هي سخرية بوثيقة هذه المنظمة، ويضيف عبئاً كبيراً على عاتق أعضاء الناتو، لأنه في برنامج حلف الناتو توجد النقاط التالية: أ"عضاء هذه الوثيقة مصرون على حماية الحرية، الإرث المشترك، وحضارة البلدان التي تأسست على أرضية من الديمقراطية، حرية الأفراد، وسلطة القانون".
حتى وإن كانت المراحل العسكرية في أعوام "1960-1971-1980" في تركيا قد أوقفت سير العملية الديمقراطية لفترة قصيرة، إلا أن العسكر كانوا يفون بوعودهم ويسلمون السلطة للجهات المدنية المنتخبة، إلا أن أردوغان، وبعكسهم، لم يتخلى عن السلطة يوماً، والهجمات التي شُنت على المؤسسات والمنظمات الديمقراطية والمتعلقة بحرية الأفراد هدفت إلى إخراسها ورفضها ومنع جراحها من أن تلتئم، وهي بحاجة لعشرات السنين لكي تتحسن.
بدأت مرحلةٌ قبل محاولة الانقلاب العسكري في يوم 15 تموز، إلا أن محاولة الانقلاب وضعت الحجة في يد الحكومة لتبدأ عمليةً أوسع، وتحت مظلة قوانين "حالة الطوارئ" فصلت حوالي 200 ألف موظف من عملهم بالحد الأدنى من الوثائق، كما تم إبعاد حوالي 2000 أكاديمي من عملهم، وفي هذا السياق علينا أن نسلط الضوء على مدراء الجامعات الذين تم تعيينهم بشكل مباشر من قبل أردوغان.
عدد كبير من الأكاديميين تم فصلهم لمجرد توقيعهم على دعم انطلاق عملية السلام، كما أقدمت حكومة أردوغان على إغلاق حوالي 170 وسلية إعلام، أما وسائل الإعلام الباقية فقد تم اعتقال كُتابها وصحفييها، من بينها صحيفة "جمهورييت" المعروفة.
لقد وصل واقع الحال إلى درجة أنه يتم اعتقال الناس لـ30 يوماً بتهم صغيرة، كما تقوم الحكومة بتسجيل المحادثات التي تجري بين المتهمين ومحاميهم، وتقدم التسجيلات للمحكمة.
وتقول منظمة "هيومان رايتس ووتش"، إن التعذيب ظهر مجدداً في السجون التركية، كما يقبع 27 من رؤساء البلديات، غالبيتهم من المناطق الكوردية، في السجون، وفي حال أقدم القاضي على تصرف بسيط ولم يعجب الحكومة، يتم فصله من العمل أو اعتقاله، وقد تم تغيير القانون بطريقة يمكن للسلطة معها أن تتصرف وكأنها القاضي الأعلى.
القضية واضحة وبيّنة، فالحرية والديمقراطية، وحرية الأفراد وسلطة القانون، التي تتضمنها وثيقة حلف الناتو، لم تعد موجودة في تركيا، وإلى جانب ذلك، فإن السياسة الخارجية لتركيا تعتبر تهديداً للناتو، وحين أسقطت تركيا الطائرة الروسية أوشك الناتو على الدخول في حرب لا يرغب بها كما أن تركيا هددت عدداً من الدول التي تدعم أعضاء الناتو الآخرين بالحرب، ابتداءً من العراق وحزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي، ووصولاً إلى اليونان التي هي الأخرى عضو في الناتو.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تركيا تدعم عدداً من المجموعات الإسلامية المسلحة، كالجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يدق ناقوس الخطر في بروكسل وواشنطن.
وأعرب عضو مجلس النواب الأمريكي، ومسؤول لجنة بحوث التهديدات الجديدة، دانا روراباغر، عن قلقه بخصوص ممارسات تركيا، وقال إنه قبل 10 أعوام من الآن، كانت تركيا عضواً في الناتو ضد الإسلاميين المتطرفين، وأحد أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن اليوم هناك شك يحوم حولها، وأردوغان يستهدف مواطنيه المؤيدين للغرب، كما أصبحت متوجهاته الإسلامية أكثر صلابة، ولذات الأسباب، فإن علينا أن نرفض هذا الوضع بجدّية.
لا يوجد قانون لحلف الناتو يتضمن إبعاد أحد أعضائه، وعلى هذا النحو، فإن كسر القوانين لا يصب في مصلحة أي عضو، والطريقة المثلى هي أن يتم حلّ الناتو، وتأسيس منظمة جديدة، وقد يكون صناع القرار في أمريكا ضد هذا القرار، ويقولوا: إن "واشنطن ليست مستعدة لأن تخسر تركيا"، ولكنهم نسيوا أن أمريكا دمرت تركيا من خلال أردوغان وأنصاره، ولم يبقى سوى أن تتخلى أمريكا رسمياً عن تركيا.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً