على العكس من بعض الدول الأوربية والآسيوية لم تصل أي امرأة حتى تاريخه إلى رئاسة أميركا، وعلى الرغم من بساطة هذه الظاهرة السياسية التي تجاوزتها أوربا والعديد من الدول في العالم، فثمة آراء تستبعد التأثير المباشر للعامل الجندري في غياب المرأة عن رئاسة أميركا، لكنها تشير بطريقة ما إلى ثقافة ذكورية مجتمعية امريكية طاغية في حقل السياسة، وإن لم يتم بعد ترجيح العامل الجندري لتفسير هذا التراجع الصريح عن العديد من المجتمعات حتى خارج النواة الأورأميركية.
ترجح أغلب التحليلات عوامل ومسببات أخرى أدت في انتخابات عام 2016 الى خسارة هيلاري كلينتون أمام دونالد ترمب. حيث تجاهلت هيلاري والحزب الديمقراطي المشاعر المناهضة للمؤسسة الرسمية لدى الناخبين، بما معناه لم تتبنى خطاب النقمة على السلطات بشكل عام، لأنها كانت جزءا منها كوزيرة للخارجية. بينما استثمر ترمب هذه النقمة الشعبية ضد السلطات الفدرالية لصالحه، مقدماً نفسه كمعارض قادم من صفوف الجماهير المهمشة.
لقد وصلت المسألة الجندرية في الخطاب الأميركي إلى ذروته مع هزيمة كامالا هاريس في انتخابات 2024، حيث كشفت في أحد أوجهها عن خيبة أمل عميقة لدى الحركات النسوية، وغضب لدى النساء السود بشكل خاص، لدرجة أنهن يرَيْنَ أن أميركا قد كشفت عن وجهها الحقيقي، وأظهر الرأي العام عدم استعداده لقبول امرأة سوداء في أعلى المناصب. وبهذا الصدد قالت "واكينيا كلانتون" مؤسِّسة مجموعة "النساء السود من أجل كامالا": لقد كشفت أميركا لنا عن حقيقة نفسها. وخيبة الأمل هذه خيمت على أوساط واسعة من الحزب الديمقراطي الذي تشكل النساء السود عموده الفقري. لدرجة أن هزيمة هاريس تعدّ بمثابة ضربة مزدوجة للحزب الديمقراطي و للنساء السود معاً.
من جانب آخر، يحيل عدد من المحللين فشل هاريس إلى الحروب التي واكبت الانتخابات، بحيث دفعت هيلاري كلينتون ضريبة الحرب السورية وكامالا هاريس أيضاً فشلت بسبب حرب غزة. إضافة إلى أن هاريس لم تنجح في بناء قاعدة لها في صفوف الحزب الديمقراطي نفسه منذ العام 2020، وتجاهلت الديمقراطيين الليبراليين والتيار الديمقراطي داخل الحزب وخارجه. وثمة آراء أخرى تحيل فشلها إلى ضعف فترة الإعداد. فقد كتبت جريدة واشطن بوست يوم 22/8 مقالاً تحت عنوان: إعادة صناعة أو إحياء كامالا هاريس. وبذلك أفصحت عن حقيقة أن القادة السياسيين يتم صنعهم مثل أي سلعة في البلدان الغربية. فالعنوان كان مؤشراً على أنهم قد تأخروا في إعادة إنتاجها كرئيسة لأن انسحاب جو بايدن من الانتخابات قد فاجأ الصانع (الديمقراطي) للمرشحة هاريس، وضاق بهم الوقت. في حين كان الجمهوريون ومن معهم قد بلوروا سمات ترمب الجديدة وأعدوه بصيغة أفضل.
وبالتالي، يعود أحد أسباب خسارة هاريس أمام ترمب إلى عدم إعدادها كرئيسة لضيق الوقت، كونها كانت شخصية بسيطة بالمقارنة مع العديد من الشخصيات السياسية الأميركية. وقد كتب مايكل هيرش، في فورين بوليسي يوم 6 نوفمبر الماضي: سيتم كتابة العديد من الكتب، وستُبنى سمعة الخبراء، وستنطلق النشاطات الأكاديمية مع دراسة بيانات استطلاعات الرأي لتفسير هذه الانتخابات غير المسبوقة والمحيرة لسنوات قادمة، مرجحاً أن هاريس قد فشلت بسبب ضعف قدراتها الخطابية، وكونها أمضت وقتاً طويلاً في محاولة إثبات أن ترمب غير لائق للرئاسة. في حين خصصت قليلاً من الوقت لتقديم رسالة متماسكة حول سبب كونها أفضل منه. وعلى الرغم من تغلبها على ترمب في مناظرتهما الوحيدة في العاشر من سبتمبر/أيلول وجمع أكثر من مليار دولار من التبرعات في ثلاثة أشهر فقط ــ وهو رقم قياسي جديد ــ فإن هاريس كثيراً ما تعثرت وتلعثمت عندما طُلِب منها تقديم ملخص مقنع لأجندتها بشأن قضايا حرجة مثل الاقتصاد والهجرة، وعلاقة التكنولوجيا بالبيئة.
وهذه قضايا تندرج في صلب المطالب وأهداف الناخب الأميركي، مما دفع بالمعلقة في صحيفة وول ستريت جورنال بيجي نونان إلى وصف هاريس بأنها "شخصية ساذجة". ولكن خسارتها لا تعني بالضرورة أن خصمها ترمب عبقري. فعودته مرتبطة عضوياً بتنفيذ أجندة وسياسات متكاملة ستنفذ على الأرجح في الداخل والخارج.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً