تحولات الصراع في سوريا.. التداعيات الإقليمية وانعكاساتها على العراق

30-11-2024
سهاد طالباني
الكلمات الدالة العراق سوريا
A+ A-
شكلت التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا مفاجأة كبيرة للجميع، وذلك بسبب الزخم الكبير الذي تميزت به العملية العسكرية التي قامت بها المجموعات المسلحة المعارضة للنظام السوري والتي أدت إلى سيطرة كبيرة على الأرض مع تراجع للقوات السورية النظامية، وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة منذ سنوات، والمحير أنه حدث بسرعة كبيرة أثارت العديد من علامات الاستفهام حول التطور في تكتيكات المجموعات المسلحة المعارضة أو التراجع في قدرات الجيش السوري وحلفائه.
 
لا يمكن أيضاً تجاهل توقيت هذه العمليات، خاصة بعد ما جرى في غزة ومن ثم لبنان، حيث يرى مراقبون أن مجموعات المعارضة المسلحة تريد انتهاز فرصة انشغال حزب الله اللبناني ومحور المقاومة في معاركهم مع إسرائيل، لإعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في سوريا والمنطقة.
 
العراق بدوره ليس بمعزل عما يحدث في سوريا، حيث لم يكن كذلك في الماضي، ولن يكون بمعزل حالياً أو مستقبلاً. حيث تمثل الحدود العراقية-السورية نقطة محورية في مشهد الصراعات الإقليمية، ومركزًا للتداخل بين الأمن القومي العراقي والتطورات الجيوسياسية في المنطقة.
 
وفي محاولة فهم تأثير ما يحدث في سوريا على العراق، فإن هناك مجموعة من النقاط الرئيسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار، هذه النقاط متداخلة ومتشابكة بطبيعتها، ولا يمكن النظر إليها كمسارات منفصلة، فهي جزء من مشهد معقد من الأساس، وتشكلت على مدى مراحل تاريخية أكثر تعقيداً.
 
النقطة الأولى تتمثل في أمن الحدود العراقية، وهو أمر بالغ الأهمية، فكما نعلم جميعاً فإن دخول تنظيم "داعش" الإرهابي إلى الأراضي العراقية كان حصيلة مجموعة من العوامل، ومن ضمنها انهيار الوضع الأمني في سوريا، وضعف الأمن الحدودي بين البلدين. ولذلك فمن الواضح أن العراق يسعى، من خلال تعزيزاته الأمنية المكثفة، إلى منع تكرار سيناريوهات كارثية شهدها في الماضي، ولكن هذا الجهد يواجه تحديات عميقة تتجاوز التحصينات الأمنية والعسكرية.
 
إن النظر إلى الأمن الحدودي كعامل معزول قد لا يكون كافياً لفهم ديناميات التهديدات الحالية. فالمنطقة الحدودية، رغم ما يقال عن تحصينها، تبقى "خاصرة رخوة" في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الجانب السوري. تقدم الفصائل المسلحة هناك يمثل تغيراً نوعياً في موازين القوى، مما يفتح المجال لتساؤلات حول مدى جاهزية العراق للتعامل مع هذا الواقع الجديد. ورغم الحديث عن التنسيق مع التحالف الدولي، يبقى السؤال الأساسي هو: هل يستطيع العراق تبني استراتيجيات عسكرية وسياسية مرنة تتماشى مع هذه المتغيرات؟ إن الاعتماد المفرط على الأسلاك الشائكة والكاميرات الحرارية قد يعطي شعوراً مؤقتاً بالأمان، لكنه لا يعالج جذور التهديدات التي تتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار البعد الإقليمي للصراع.
 
انخراط فصائل عراقية في الأزمة الحالية، هي نقطة أخرى لا يمكن إغفال خطورتها، فالفصائل التي تنضوي تحت محور المقاومة، والتي تعتبر نفسها حليفاً طبيعياً لباقي عناصر محور المقاومة بما فيها النظام السوري وحزب الله، قد تقوم بالتدخل العسكري لدعم حلفائها، خاصة في ظل تهديدات فصائل مسلحة عراقية بالتحرك ضد جماعات المعارضة السورية، وما قد يؤدي إلى انزلاق العراق إلى معارك إقليمية مباشرة هذه المرة، بعد أن انخرطت فصائل المقاومة العراقية في حرب غزة عن بعد.
 
عامل آخر لا بد من إدخاله في المعادلة، والحديث هنا عن عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وبالتالي عودة سياسته المتشددة تجاه كافة عناصر محور المقاومة بما فيها الفصائل العراقية، وبما يعنيه ذلك من احتمال عودة توجيه الضربات العسكرية المباشرة لهذه الفصائل وحتى للحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية وليس فقط داخل الأراضي السورية.
 
تفاعل هذه النقاط والعوامل مع بعضها البعض قد يؤدي إلى تعقيد المشهد الداخلي العراقي، خاصة مع وجود انقسامات وخلافات بين القوى السياسية العراقية حول العلاقة مع دول وقوى محور المقاومة، وكذلك مع العلاقة مع القوى الكوردية في سوريا، والموجودة أصلاً في قلب الحدث. هذا التعقيد قد لا يقف عند حدوده السياسية، ولكنه قد يمتد إلى مواجهات على الأرض بين القوى العراقية.
 
إن الوضع الحالي يتطلب من العراق مراجعة شاملة لاستراتيجياته الأمنية والسياسية، مع التركيز على بناء تحالفات إقليمية حقيقية تهدف إلى استقرار المنطقة. فالأمن لا يتحقق فقط بالتحصينات، بل يتطلب رؤية متكاملة تستند إلى الدبلوماسية الفاعلة والحلول المستدامة للصراعات التي تمزق المنطقة.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طلال محمد

أهمية مشاركة الكورد في إدارة سوريا الجديدة

في ظل ما مرت به سوريا من حرب مدمرة منذ عام 2011، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قائمة على العدالة، المواطنة، والتعددية. وفي هذا السياق، تبرز قضية مشاركة الكورد في إدارة البلاد كأحد أبرز التحديات والفرص على حد سواء. فالكورد، بوصفهم ثاني أكبر قومية في سوريا، ليسوا مجرد مكوّن ديمغرافي، بل شريك أصيل في التاريخ والجغرافية والسياسة، ولا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مشاركتهم الفاعلة في بنائه.