تسييس الموازنة والإنسحاب من طرف واحد

28-05-2023
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة اقليم كوردستان الموازنة العامة الاطار التنسيقي
A+ A-
تتزامن كتابتي لهذا المقال مع ثلاثة أمور، أولاً قراءتي لمفاوضات ما بعد الحرب العالمية الأولى لتأسيس العراق الحديث ورسم جغرافيته من طرف الإنكليز، مع ذكرى معاهدة لوزان المشؤومة من وجهة نظر الكورد، والثالث هو تداولات اللجنة المالية لمجلس النواب وشطب آراء ومواقف رئيس الوزراء محمد السوداني بالقلم الأحمر، والأمور الثلاثة غير منفصلة عن بعضها، فمعاهدة لوزان هي التي أوصلتنا الى اللجنة المالية للبرلمان العراقي. 
 
أعضاء كورد في اللجنة المالية للمجلس قالوا إننا صدمنا بالتغييرات التي قدمها الأعضاء الشيعة في اللجنة المالية عن المواد المتعلقة بإقليم كوردستان، والحق أن المادتين 13 و14 الخاصتين باقليم كوردستان لم يكونا ضمن المتداول إجراء تعديلات فيهما، بل كانت مواد متعلقة على الأكثر بالمحافظات الجنوبية، لكن ما حدث في جلسة برلمان الإقليم يوم الإثنين والمشاجرة أو الخلاف الحادّ بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، يشكل إنعكاساً مباشراً لتلك التغيرات التي حصلت في بغداد، أي لو لم تكن تلك الجلسة لما كانت الأمور تذهب بهذا الاتجاه بهذا الشكل الفج الذي فجر قنبلة داخل الساحة السياسية العراقية، فقد (والله أعلم بالنوايا) بنت بعض القوى المنضوية داخل الاطار التنسيقي الشيعي على الإنقسام الكوردي موقفها ورأت فيه فرصة الانقضاض على سلطة إقليم كوردستان نكاية بالحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحطيم سلطته عبر خنق إقليم كوردستان وسحب كافة الصلاحيات المستقلة منه تقريباً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والمالي، ومسِّ مكانة وهيبة رئاسة حكومة إقليم كوردستان، هذه القوى هي دائماً بالمرصاد باحثة عن ثغرة تنفذ خلالها بغية "تقزيم" الإطار القانوني السياسي لإقليم كوردستان.
 
هناك إتفاقية بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كوردستان، هذه الإتفاقية جاءت من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي يمثل الإطار التنسيقي في الدولة العراقية وقِعَت في 4 نيسان 2023، والرجل صاغ بنود الموزانة العامة للدولة والمواد المتعلقة بما ينسجم مع ذلك الاتفاق الذي أنهى الخلاف بين الطرفين، خلاف دام لسنوات وأتعب الجميع، لكن الذي حصل أن ممثلي الاطار التنسيقي في اللجنة المالية لم يلتزموا بذلك الاتفاق، ومن هم تحت عنوان المستقلين يبوحون برغبة فشل الاتفاق النفطي، بكلمة أخرى، إن الذي إنسحب من الاتفاقية ولم يتلزم بها هو الطرف العراقي المركزي ورمى نوابٌ توقيعَ وزير النفط العراقي وموقف رئاسة الحكومة. 
 
إن التغيرات التي أجراها نواب من اللجنة المالية هي ليست تعديلات بل أكثر من ذلك، فهي شبيهة بنصوص سياسية تلَغِمُ الوضع العراقي عموماً، وتشم منها ريح الوقيعة بين بغداد وأربيل. كأن هناك من لا يرضيه الهدوء والإنسجام، لأن الإنسجام والإتفاق يسحبان البساط من الباحثين عن مصالح خاصة عبر المساومات على ملفات حساسة والإبقاء عليها لأطول فترة ممكنة. وهناك من يضادّ إقليم كوردستان من أجل كسب أصوات أو تصفيقات من الشارع تحت تأثير الإعلام القديم.
 
إن بعض التغييرات من مثل (قدرة محافظة محددة على الخروج من عباءة إقليم كوردستان والتعامل المباشر مع بغداد - وضع وزير المالية بمكان رئيس الوزراء - قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة بعد مضي إسبوعين على خلاف في وجهات النظر بين الطرفين) هذه ليست من أجل إدارة أموال الدولة العراقية وإنما هي من أجل تحجيم الإطار الدستوري لإقليم كوردستان، وفي حال مُرِرت هذه الفقرات السياسية، فلا شك بأن خطوات مقبلة تأتي على هذه الشاكلة، والغريب أن الشيعة هم الذين يقفون ضدّ الكورد، وإن النواب الشيعة هم المجاهرون بالإنزعاج من وجود كيان كوردي ناجح (أو هكذا يبدو) ما يضع خطوطاً كثيرة تحت ما سمي تاريخياً بالتحالف الشيعي الكوردي، أو إن غياب الكبار عن الساحة هو الكامن وراء هذه المواقف المعادية للجانب الكوردي.
 
إن ما حصل لا يساعد على الإطلاق على الوئام المنشود بين الشعوب العراقية، ولا بين مكوناته السياسية، وهو بعيد أبعد ما يكون من روح المحبة والمودة، ما حصل وأمثالها يحرّك العقل للتفكير والسؤال: هل الذي نلحظه هو نابع من روح قومية سلبية، أي إنه صراع قومي بين قوميتين مع الدعاء من الله بأن لا يأتي من باب الصراع المذهبي الخفي.
 
هنا في هذا الظرف الحساس الذي يهيء الجو ويساعد الصغار على إفشال الكبار، على إدارة الدولة أو لو كنا دقيقين الإطار التنسيقي الذي هو المعني لان نوابه هم من سيَّس بنود الموازنة، فينبغي لقادته أن يكونوا على قدر ما هم تصدروا له في الحقل السياسي، أن يشهد الحكم الشيعي للعراق منذ 2006 دورة على الإقل واحدة هادئة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عباس عبد شاهين الفيلي

تحديث سجل الناخبين ضمان لمشاركة فاعلة للكورد الفيليين بالانتخابات

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.