بداية لابد من القول إن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هي اشبه بناد دولي لرؤساء وملوك الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة والبالغة 193 دولة، وعادة ما يدرج في الخطاب السياسي لكلمة أي مسؤول عن تلك الدولة بمجموعة نقاط وأهداف تتعلق أولاً بالجانب المحلي لنشاطات الدولة والحكومة من توجهاتها، سياساتها، وإنجازاتها.
اما الجانب الثاني من الكلمة والتي تتعلق بعلاقات الحكومة الإقليمية مع دول الجوار أين كان عددها وتوجهاتها وما هي ملامح سياسات الخارجية المعتمدة، ومن ثم التطرق للمسائل ذات النطاق الدولي مثل المناخ والطاقة إلخ، وعادة ما يكون الخطاب السياسي هو أشبه بمشروع برؤية تكاملية بين ما هو محلي وإقليمي ودولي، ومن ثم عليه أن يشخص ما هي المشاكل التي تتعلق مثلاً بالأمن الغذائي والمائي والقومي والمجتمعي، ومن ثم يضع الحلول أو الوسائل أو الرسائل ثم تتوج بمجموعة توصيات أو رغبات، ومنها مثلاً تأسيس تجمع إقليمي أو لطلب الدعم الدولي إلخ، لكن الأهم هي اللقاءات التي يجريها المسؤولين خارج إطار الجمعية العامة.
بالتركيز على خطاب رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فأنه لم تدرج في خطابه قضايا مهمة مثل موقف العراق وحكومته من تواجد القوات الأميركية، بمعنى هل يريدها قوات استشارية أم عسكرية؟ لكن في اجتماعه مع رجال الأعمال الأميركان تطرق إلى ذلك بشكل مباشر، إذن علينا حينما ننظر للخطاب السياسي أن نقول هناك خطاب سياسي رسمي تم طرحه في إطار الجمعية العامة، ولكن أيضا هناك بعض الأفكار تم تمريرها في اجتماعات هامشية جانبية، لكنه برأيي المتواضع كانت هي الأقوى صراحة من خطاب الجمعية الأممية.
مضمون خطاب السيد السوداني في الجمعية الاممية أراد أن يرسل رسالة ستراتيجية مفادها أن الاستقرار قد تحقق في العراق والمطلوب الآن هي مرحلة الاستثمار الاقتصادي، بمعنى المزاوجة والملازمة بين السياسة والاقتصاد، وبغض النظر إن كان هذا الاستقرار هو من نتاج أدوات محلية عراقية أو نتاج أدوات محلية إقليمية ودولية بعد تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية وتأثير ذلك على العراق واستقراره، وكلنا نعلم أن صاحب الريادة في التوسط والوساطة هي الصين، لكن المهم هناك وجهة نظر تقول إن هناك استقراراً كما وصفها السوداني بأن حكومته تمثل طيفاً واسعاً من كل المكونات، بغض النظر إن كان هذا واقعي، لكن هو أراد أن يرسل رسائل طمأنينة بأن الدولة العراقية وحكومتها أصبحت بيئة جاذبة للاستثمار، وحينما نتحدث عن استثمار بالدرجة الأساس يحتاج الاستثمارات الأجنبية على اعتبار أنها سياسة الانفتاح والاندماج التي يمارسها العراق حقيقة.
أما الرسائل السياسية في خطاب السوداني فهي تشتمل على رمزية عالية يعني، لا أقول غير واضحة، لكنها تحتمل التأويل، فمثلاً في نص خطابه قال إنه يحترم مبادئ القانون الدولي والقرارات الأممية والسؤال هنا ماذا عن القرار (833) هو قرار أممي بشأن ترسيم الحدود مع الكويت الذي يتعرض لانتقاد ومحاولات للانسلاخ منه بعد قرار المحكمة الاتحادية الخاص بإلغاء اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، لاسيما أن الوفد الكويتي قد طرح الموضوع بشكل أكثر صراحة ووضوح.
ثانياً كان يفضل مثلما نتحدث عن التنظيمات الإرهابية عابرة الحدود يربطها في موضوع حرق القرآن أن يفسر لنا توجهات الحكومة العراقية تجاه الاحزاب الايرانية الكوردستانية المعارضة حيث تم اجراء تفاهم إيراني عراقي ولكن ماذا عن حزب العمال الكوردستاني PKK الذي هو أساس المشكلة مع تركيا، أما بخصوص تشكيل تكتل دولي لدول المنطقة يضم العراق وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، لمواجهة آثار التغيرات المناخية فيه خلل وكان يفترض إضافة تركيا اليه لأن معظم مياهنا تأتي من تركيا.
اما العلاقات العراقية الأوروبية والارتقاء إلى مرحلة الاستثمار والشركات الكبرى خصوصاً في قطاع الطاقة ورغبة العراق إلى الارتقاء في تحالف مستقبلي فهذا من المبكر الحكم على ذلك، يعني ما تم طرحها في الخطاب هي مجموعة رغبات وأمنيات، ولكن الدول تتحدث مع دول أوروبية، مع شركات أوروبية أميركية غربية، لديها مؤسسات استطلاع للرأي العام، لديها مجسات بطبيعة الجانب الأمني، الجانب الاستثماري، مقدار الربح، أين؟ ما كان الاستثمارات، لذلك، على الاستجابة الحقيقية لن تكون يعني على عجالة إن لم يكن هناك عنصر اطمئنان حقيقي في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني لربما لن يعني تتسارع الشركات الغربية للدول للعراق، ولكن أقول يبدو أن هناك داعم دولي، متمثل بالولايات المتحدة الأميركية تحاول أن تدعم حركة الاستثمارات العربية والغربية لأنها ستكون هي عنصر موازن وعنصر يبحث عن الاستقرار وخلق المصلحة ومن ثم إدامة الاستقرار.
اما عن مشاركة السوداني بالجمعية الأممية وزيارة واشنطن وإن لم يحدد موعد لها بصراحة يعني لا نستطيع أن نستعجل كون بوابة واشنطن لا ترتبط بخطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنه لم يذكر مثلاً حقيقة موقفه من القوات الأمنية الاميركية، لذلك أقول هناك مجموعة وسائل وآليات لا بد أن تحل، ومنها طبيعة العلاقة بين إقليم كوردستان وبغداد والتنظيم المالي والمصرفي وموضوع غسيل الأموال والفساد وتهريب الدولار، فرأيي هذه من الممكن أن تكون بوابة لزيارة السوداني لواشنطن.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً