يان إلهان كيزلهان*
من في كوردستان لم يسمع عن انتفاضة الشيخ سعيد، وجمهورية كوردستان في مهاباد، والأنفال وحلبجة، وسنجار، وروج آفا (كوردستان سوريا)، أو غيرها من المآسي؟ هذه ليست مجرد أحداث تاريخية، بل جراح حية تشكل الوعي الجمعي. كيف يمكن لمجتمع أن يتحمل قروناً من العنف؟ ما هو تأثير ذلك على السياسة والاقتصاد والثقافة والعلاقات بين الناس؟.
من في كوردستان لم يسمع عن انتفاضة الشيخ سعيد، وجمهورية كوردستان في مهاباد، والأنفال وحلبجة، وسنجار، وروج آفا (كوردستان سوريا)، أو غيرها من المآسي؟ هذه ليست مجرد أحداث تاريخية، بل جراح حية تشكل الوعي الجمعي. كيف يمكن لمجتمع أن يتحمل قروناً من العنف؟ ما هو تأثير ذلك على السياسة والاقتصاد والثقافة والعلاقات بين الناس؟.
العنف ليس مجرد ظاهرة مادية تنتهي بالموت والحداد. فندوبه العميقة تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. يجب على الناجين التعامل مع تداعياته عبر الأجيال - مما يشكل لغتهم وتفكيرهم وهياكلهم الاجتماعية. العنف المنهجي لا يترك جراحاً في الأجساد فحسب، بل في العقول أيضاً. وتتطلب معالجة هذه الصدمات فهماً معمقاً لأصولها والمسارات المحتملة للشفاء.
العبء الخفي للعنف
تطور المجتمعات التي تعاني من العنف المتكرر استراتيجيات محددة للبقاء. فقدان الثقة بين الأفراد، وانعدام الأمن العميق تجاه الجناة، والانفصال العاطفي هي نتائج شائعة. عقلية الضحية - الشعور بالعجز والندب الدائم - ليست فطرية بل سلوك مكتسب يتوارثه جيل بعد جيل. لماذا نمجد من يضطهدنا بدلاً من تقوية أنفسنا؟ لماذا يتم إنكار معاناتنا في حين يتم الإعجاب بـ"العدو"؟ هذه آليات مجتمع مصدوم يكافح من أجل البقاء.
لا تنشأ الصدمة الجماعية من فراغ. فهي متجذرة بعمق في السياقات السياسية والاقتصادية والثقافية. وتتراوح آثارها من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق إلى العزلة الاجتماعية وفقدان الهوية الثقافية. في تركيا، أكثر من نصف السكان الكورد لا يتحدثون الكوردية أو يتحدثونها بشكل محدود. وينكر أكثر من 30% هويتهم تماماً - مأساة تؤكد الآثار بعيدة المدى للقمع المنهجي. ماذا يحدث لمجتمع عندما يبدأ في الإعجاب بمضطهديه؟.
مثال صارخ على ذلك صدمة الكورد الإزيديين، الذين عانوا من عنف شديد في عام 2014. تمتد معاناتهم إلى ما هو أبعد من الهجمات العسكرية. الهجرة القسرية، والدمار الاقتصادي، والمحو الثقافي لا تقل تدميراً. الجروح النفسية تظل غير منطوقة، لكنها تتردد عبر الأجيال. وإذا لم تحدث تغييرات عميقة، يظل من غير المؤكد ما إذا كان المجتمع الإزيدي سيبقى بعد أربعة أو خمسة أجيال. هذا هو مصير العديد من الأقليات التي تكافح، دون دعم طويل الأمد من الأغلبية، للحفاظ على وجودها. على الأقل، هم بحاجة إلى التفهم واحترام خسارتهم وحزنهم.
الصدمة لا تتلاشى ببساطة. إنها تغرس نفسها عميقاً في وعي المجتمع، مشكلة الأفكار والمشاعر والسلوكيات. كثير من المتأثرين لا يدركون حتى مدى تأثير الماضي العميق على حاضرهم. وهذا يؤدي إلى ديناميكية يظل فيها الضحايا والجناة متشابكين عاطفياً، أحياناً من خلال الخوف، وأحياناً من خلال التماهي اللاواعي.
تحمل مجتمعات بأكملها هذا العبء. وغالباً ما يتبع ذلك عدم استقرار سياسي، وانقسام اجتماعي، وشعور مستمر بانعدام الأمن. المجتمعات التي تحملت الحروب والتطهير العرقي تميل إلى تكرار هذه الأنماط في أوقات الأزمات.
مسارات الشفاء - التعليم وتقرير المصير
كيف يمكن كسر هذه الدائرة؟ الوعي، والتأمل الذاتي، وتعزيز الهوية عوامل حاسمة. يمكن للعلاج النفسي والدعم النفسي - الاجتماعي أن يساعد الأفراد، لكن شفاء مجتمع بأكمله يتطلب إجراءات أعمق. يلعب التعليم، والإعلام، والقادة السياسيون والدينيون دوراً محورياً. يجب على المجتمع أن يتعلم احترام نفسه وتطوير الثقة في قوته الذاتية.
لا يمكن أن يحدث الشفاء طويل المدى إلا من خلال التعليم والتغيير المجتمعي. فهم تاريخ المرء، والاعتراف بالظلم السابق، وبناء هياكل تعزز العدالة والمساواة أمور ضرورية. فقط عندما يكون المجتمع مستعداً لمواجهة ماضيه يمكنه التحرر من صدماته. وإلا، ستستمر ظلال العنف في تشكيل مستقبل الأجيال القادمة.
من الممكن تبني هوية المرء، وتكريم التاريخ، وتعزيز التغيير داخل وحول النفس. الصدمة والسلبية ليست قدراً محتوماً.
*الدكتور يان إلهان كيزلهان هو عالم نفس، ومؤلف وناشر، وخبير في علم نفس الصدمات، والصدمات، والإرهاب والحرب، والطب النفسي عبر الثقافات، والعلاج النفسي والهجرة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً