"عندما يكتب القلم بدمه وتكون الحقيقة هي المهر المدفوع من حياة صاحبه، يولد شهيد الكلمة وبطل ميادين الحرب ويخلده التاريخ في السجل".
في صباح حزين، غادرتنا شيفا گردي، الصحفية الشجاعة، ابنة كوردستان، صوت الحقيقة الذي كان صداه يتردد عبر ألسنة اللهب. لم تكن مجرد صحفية، بل كانت نورًا في ظلام الحرب، ومرآة لما كان يحدث في ساحة المعركة، تنقل الحقيقة وتوثق الأحداث بعيون وقلب لا يعرف الخوف.
وُلدت شيفا زكري إبراهيم، المعروفة باسم شيفا گردي، في 1 تموز 1986 أثناء هجرة عائلتها إلى إيران، وكأنما قُدِّر لها أن تشهد المحن منذ ولادتها.
تخرجت من المعهد الفني قسم الحاسوب عام 2006، ودرست الإعلام وأكملت دراستها في كلية الآداب بجامعة صلاح الدين عام 2013. منذ اللحظة التي دخلت فيها عالم الصحافة، لم يكن عملها مجرد مهنة، بل كان عملاً نبيلاً أخذته على عاتقها. كانت أحد أبرز وجوه شبكة رووداو الإعلامية، وأحد النجوم الذين أضاءوا شاشاتها منذ انطلاقتها، ومديرة نشطة لعبت دورًا أساسيًا في العمل الإعلامي الكوردي الرائد.
في بداية عملية تحرير الموصل، لم تختبئ شيفا گردي خلف مكتب، بل وقفت في الصفوف الأمامية ممسكةً بالميكروفون، بينما كان الپيشمرگة يحملون السلاح في وجه داعش العفنة، ونقلت للعالم من قلب الأحداث مأساة الموصل ومعاناة أهلها.
كانت صوت المقاومة والصمود، وعين الناظر في خضم المعركة، والروح الميدانية التي لم تتراجع رغم الخطر.
في ذلك اليوم المشؤوم، يوم السبت 25 فبراير/شباط 2017، وبينما كانت تعدّ الحلقة 128 من البرنامج، حدث ما لم يكن في الحسبان. انفجر لغم أرضي زرعه الدواعش الظلاميون، وسقطت شيفا گردي شهيدة للحقيقة، ومعها ميكروفونها وكاميرتها التي لطالما سجلت آلام الناجين ومأساة الضحايا ولحظة الانتصار في معركة مصيرية.
لن يغيب من ترك بصمته في قلوب الناس، ولن يغيب من صدح بصرخة الحق، ولن يغيب من بلل الأرض بمداد الحق.
ستبقى شيفا گردي أيقونة للصحافة الحرة، وستبقى كلماتها وصورها وتضحياتها نبراسًا للأجيال القادمة، تحكي قصة امرأة كرست حياتها للبحث عن الحقيقة وكتبتها بدمائها.
السلام عليكِ يا "شيفا" في أعالي الخلود، وسلام على روحكِ التي حلّقت فوق الميدان، مثبتةً شرف المهنة وعظمة التضحية.
لن ننساكِ. سيذكر التاريخ أنكِ كنتِ هناك حين لم يكن أحد، وأنكِ كنتِ صوتًا حين خفتت الأصوات.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً