لغز حرق الغاز العراقي وسر توقف الشركات العالمية الكبرى عن استثماره

23-07-2023
مجاشع التميمي
الكلمات الدالة الغاز العراق ايران توتال شل
A+ A-
 
من الضروري اجراء مراجعات دائمة لأزمات العراق، وخاصة واقع الخدمات فيه وبالتحديد قضية الكهرباء واستثمار الغاز، هنا اريد الحديث عن الغاز فقط واستثماراته وخطورة هذا الملف. 
 
الخبير النفطي حمزة الجواهري الذي شغل منصب مستشار بوزارة النفط العراقية لسنوات طويلة يقول إن العراق يحرق يومياً (1600) مقمق (1600 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز) لذا فأن الجواهري يقول ان الاتفاق الاخير مع شركة توتال الفرنسية Total Energies SE هو لمعالجة كمية متواضعة من معالجة الغاز، وهي صغيرة جدا ولا تعالج المشكلة، لأن الشركة ستعالج (300 مقمق) وهي صغيرة بالمقارنة مع حرق (1600 مقمق يحرق يومياً) وهذه النسبة لا تعني شيئا لأن الاتفاق مع توتال هو لمعالجة (300 مقمق فقط) وبعد خمسة سنوات تتم معالجة (300 اضافية) حيث وصف الجواهرة هذا الاتفاق بأنه أشبه بالتلاعب بعقول العراقيين.
 
لكن الأهم هنا أنه في حال معالجة (600 مقمق) من قبل شركة توتال الفرنسية بعد سنوات، فسوف لن يبقى منها الا بحدود 480 مقمق كغاز جاف يستخدم كوقود للمحطات الكهربائية والباقي يصنع كغاز مسال ومكثفات، وهذا الرقم يعادل ربع الكمية المستوردة من إيران، وهي كمية قليلة جداً، والملاحظ في هذا العقد انه مكلف جداً حيث تبلغ قيمته 27 مليار دولار وهذا رقم أسطوري اذا ما تم مقارنة ذلك مع اعلان قطر عن مشروع لإنشاء محطتين للطاقة الشمسية بطاقة (800 ميغا واط) على أن تشرعا في إنتاج الكهرباء في نهاية 2024، وستنفذ المشروع شركة "سامسونغ" الكورية الجنوبية باستثمار بلغ (496 مليون دولار) لكن في عقد توتل هو انشاء محطة شمسية بطاقة (1000 ميغا واط) بكلفة ثلاثة مليار دولار (خمسة أضعاف الرقم).
 
لذا يعتقد الدكتور نبيل المرسومي الخبير الاقتصادي أن عقد توتال غابت عنه الرؤية الاقتصادية، فمثلا حقل ارطاوي منتج للنفط الخام وينتج 85 الف برميل، أي انه سيرفع إلى 210 الف وهو رقم متواضع بالمقارنة مع تكلفة العقد (27 مليار دولار) لهذا تم تحليل هذا المشروع فنياً فقط، لأنه مكلف جداً والعراق سيتبع التزامات في السنوات المقبلة، خاصة وأن حقل ارطاوي عندما يزيد ستذهب ايراداته لتسديد حصة العراق ضمن مشروع توتال وسيكون ذلك على حساب حصة العراق الانتاجية.
 
اذن الغاز سيبقى يحرق سنوات دون وضع حلول له، مع العلم أن قضية الغاز منتبه لها في جميع جولات التراخيص باستثناء جولة التراخيص الاولى، حيث تم الاتفاق في الجولات على معالجة الغاز وتسليمه للعراق ومنها العقد مع شركتين عملاقتين هما شيل  Shell Oil Company وميتسوبيشي Mitsubishi Corporation وهما مشاركتان في شركة غاز البصرة التي تمتلك الحصة الأكبر 51% ومازال أمامها تحدي معالجة 1000 مقمق يجب أن تعالجها، كون حصتها هي معالجة 2000 مقمق وهي قامت بمعالجة 1000 مقمق فقط، وبقي الـ 1000 الباقي رهن الابتزاز للشعب العراقي من خلال ما وصفه الجواهري بالدولة العميقة.
 
اذن شركة (شيل) لم تستطع معالجة حصتها من الغاز في العراق رغم أنها واحدة من أهم الشركات المتخصصة في الغاز بالعالم، علما أن معالجة الغاز هي من أسهل العمليات في الصناعات النفطية.
 
اذن هناك دولة عميقة تمنع معالجة الغاز في العراق وللأسف لا أحد يعرف من هي هذه الدولة العميقة، وما هي أهدافها، ولماذا تعيق معالجة الغاز في العراق؟ وهي في جوهرها قضية سياسية.
 
الكارثة التي حرم الشعب منها في معالجة الغاز وتوفيره للمحطات الكهربائية هو ما قدمته شركة تويو اليابانية للأعمال الهندسية Toyo Engineering Canada Ltd حيث قدمت مقترحاً للحكومة العراقية أن تتم معالجة كل الغاز في الحاضر والمستقبل من خلال منظومة غاز متكاملة تمتد من شمالي العراق إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، حيث تقوم بمعالجة الغاز كافة وتوزعه على محطات انتاج الطاقة، ورغم أنها مكلفة الا انها تسد احتياجات العراق من الغاز لمدة تصل 30 سنة وهي لن تكلف العراق شيئاً، لانها ضمن القرض الياباني الذي قدم بدون فائدة تقريباً ويسدد بعد سبع سنوات، وبالفعل تم دراسة التصميم الاساس للمشروع ووصلت الكرفانات الخاصة بشركة تويو، لكن جاء قرار حكومي بالتوقف والغاء المشروع عام 2013 ولغاية الآن هذا المشروع لا أحد يعرف أسباب اتخاذه من قبل الحكومة.
 
المخزون العراقي من الغاز هو 132 تريليون متر مكعب، والعراق يحرق نصف انتاجه ويعوض الحرق بالاستيراد من إيران، حيث أن العراق يخسر سنوياً ملياراً و200 مليون دولار جراء حرق الغاز.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

جليل إبراهيم المندلاوي

العراق بين الحياد والتصعيد.. تداعيات حرب اليمن

مع تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة نتيجة للعمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، يطرح تساؤل جوهري هام حول احتمالية امتداد هذه التداعيات إلى العراق الذي يشكل نقطة التقاء للعديد من المصالح الإقليمية والدولية، والذي يواجه تحديات متزايدة في ظل التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كما يثار السؤال عن مدى قدرته على الحفاظ على استقراره في ظل العلاقات المعقدة بين الفصائل المسلحة في العراق وإيران، والتي يمكن أن تتسبب في زعزعة الأمن الداخلي للبلاد، ومن الممكن أيضا أن تؤدي التفاعلات الإقليمية المعقدة في الشرق الأوسط إلى انخراطه في هذا الصراع، مما قد يعرضه لتهديدات مباشرة من القوى الكبرى.