شجاعة الحوار

21-09-2023
شاكر الجبوري
A+ A-

جرب العراقيون التصعيد وعنجهية القوة ولم يحصدوا منها سوى الجوع والفراق في متاهات غياهب السجون والمنافي، ما أفقدهم ورع القيادة في مراعاة حقوق الرعية، وفقدان بوصلة الثقة بنظام القطب السياسي الواحد.
 
جميع شرائح المجتمع العراقي اكتوت بظلم السلطة التي أودعت حقوق الناس في خزائن عقدها النفسية المتراكمة، لم يتصور العراقيون يوما أن مصيرهم سيخضع لمفهوم الشراكة في الحقوق، حتى وإن تأجلت الواجبات، وليس صحيحا سوداوية ما يرسمونه من خطوط طول وعرض لجميع مسارات ما بعد 2003 .
 
لم نتوقع يوما أن يقف الناس بمواجهة العسكر بلا سلاح ناري، ولم يحلم العراقيون بسفر مفتوح أو تجنيد غير الزامي وجدران بيوت بلا آذان السلطة، لكنهم في المقابل ظلوا يحنون الى عيش آمن حقيقي مستوحى من معايشة واقعية لا أحلام مؤدلجة.
 
وعندما يتحدث الواقع عن عشرات الاجتماعات التي يعقدها رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني لتفعيل الحوار ومد جسور الثقة مع جميع الشركاء السياسيين في العراق واقليم كوردستان فذلك يؤشر فهما جديدا للمشتركات العابرة للحزبية والقومية والمذهبية، في ضوء خبرة اكتسبها سياسيو الكورد ببقائهم في ربوع كوردستان، والتعامل مع سيول السياسة باتجاهاتها المتقاطعة جغرافيا وزمانيا، بينما العرب تقاسمتهم سلطة الخارج وقناعة القبول بالأمر الواقع.
 
ولأن سياسة الأمر الواقع ليس مفهوما متداولا في سلطة العقلاء، يهتم العراقيون كثيرا بخيوط الحوار الممتدة بين بغداد وكوردستان، حتى لو انحرفت في مكان دون غيره، فواقعية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني المستمدة من فهم متراكم للأولويات والمتغيرات خارج ضغط الاسلام السياسي، وجدت آذانا كوردية تستغرق السمع مبكرا، لتسكت معه ألسنة التصعيد ومعاول الهدم بجنسياتها المختلفة.
 
الخروج من متاهة كركوك ليست مهمة يسيرة، فالمخطط كان مؤلما في غاياته، لذلك احتوى هدوء السوداني الصدمة مبكرا، ليترك للشركاء الكورد حق اكمال مهمة التهدئة، التي جسدها موقف الرئيس مسعود بارزاني الرافض لتوظيف الخلاف السياسي لاشعال حرب قومية في كركوك، والتأكيد على أن المحافظة على التعايش السلمي أهم من كل المكاتب.
 
 الدولة العراقية في مخاض جديد، وحق المشاركة في رسم ملامح المولود المنتظر ليست حكرا على جهة سياسية أو جماعة قومية، ليس عيبا أن يتوحد الكورد في الدفاع عن حقوق الهوية،  مثلما سيبقى مكان العرب والتركمان والايزديين ناقصا بدون ممثلي الكنيسة. انها معطيات زمن تتكامل مع بعضها. لا بديل فيها عن الحوار والثقة المتبادلة، فلم يتعود العراقيون اللطف باليمنى والغدر باليسرى، ما أكسبهم هوية نادرة في المنطقة والعالم، عنوانه هذا التعايش المكتسب بين جميع الأديان الخالية من شيطنة الانسان.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

يلماز سعيد

هل يصمد اتفاق عبدي والشرع بعد الإعلان الدستوري؟

شهدت الساحة السورية تطوراً سياسياً لافتاً تمثل في الاتفاق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ورئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع، في ظل متغيرات ميدانية وسياسية معقدة أثرت على مواقف القوى الإقليمية والدولية.