برامج الأحزاب السياسية واهدافها الضبابية

20-01-2024
سيف السعدي
الكلمات الدالة الأحزاب السياسية الأحزاب العراقية
A+ A-
 
نسمع دائماً بالبرامج الحزبية التي تبرز بشكل كبير قبيل الانتخابات سواء أكانت مجالس المحافظات أم النيابية، وترفع شعارات حسب البرنامج الحزبي واهدافه، ولكنها سرعان ما تختفي بعد انتهاء الانتخابات، وتتحول إلى "دكاكين" للاسترزاق بعيداً عن كل شعاراتها، وتطرح برامجها واهدافها فقط للفوز بالمقاعد دون النظر لما بعد الفوز، لذلك نجد في العراق عددا كبيرا من الاحزاب السياسية ولا يوجد دولة بالعالم لديها احزاب بهذا العدد، دون منهجية حزبية منظمة مع ضياع تطبيق البرامج، واهداف يتم وضعها حبرا على ورق دون تحقيقها، لذلك هناك احزاب تتلاشى واخرى تضعف بمرور الوقت، ونسمع مسميات جديدة من اجل الالتفاف على الجمهور ونظرته اتجاه هذا الحزب أو ذاك. 
 
قانون الاحزاب السياسية رقم (٣٦) لسنة (٢٠١٥) في المادة (٨/ثانيا) نص على "يكون لكل حزب برنامجه الخاص لغرض تحقيق اهدافه"، والكل في ظل التعددية الحزبية والسياسية فضلاً عن البرامج يتم ضياع الاهداف وبالتالي لا يتحقق منها شيء، وهنا يفترض تكون مراقبة ومراجعة لبرامج الاحزاب السياسية بعد انتهاء كل دورة انتخابية هل طبقت برنامجها وحققت اهدافها التي كانت ترفعها شعاراً قبيل الانتخابات؟، ام انها شعارات "ديماغوجية"، وهذا يفترض يقع ضمن مسؤولية (دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية)، لكن للاسف في المادة (١٧/ثانياً/ج) من القانون رقم (٣٦) لسنة ٢٠١٥ نصت على "متابعة أعمال ونشاطات الاحزاب السياسية وتقييم مدى مطابقتها وامتثالها لأحكام القانون" وهنا يبرز تساؤل رئيس ألا يعتبر عدم تطبيق البرنامج الحزبي وتحقيق اهدافه التي حددها مخالفة؟ ولاسيما ان قانون الاحزاب السياسية لم ينص بشكل صريح على ذلك، والضرورة تدعو بعد انتهاء كل دورة انتخابية أن يكون هناك تقييم من قبل دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية لأهداف كل حزب ومعرفة ما إذا تحققت أو لا، ففي هذه الحالة من الممكن أن تترتب غرامات مالية على كل حزب لم يلتزم ببرنامجه وتطبيق وتحقيق اهدافه، على اعتبار ان المادة (٤٢) من نفس القانون نصت على "تتسلم الاحزاب السياسية إعانة مالية سنوية من ميزانية الدولة، ويتم تحويلها إلى حساب كل حزب من قبل وزارة المالية"، ومن يقوم بتوزيع هذه الإعانة هي دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية حسب نص المادة (٤٤) ايضاً من نفس القانون، ولكن للأسف لا يتم تقييم برامج الاحزاب وأهدافها بعد انتهاء الدورات الانتخابية، وهذه واحدة من المشاكل التي فتحت الباب امام شخصيات لتأسيس حزب بدافع الربح المادي، أو الصفقات السياسية التجارية مثلما نصت المادة (٣٩/اولاً) من الدستور "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الأنضمام إليها، مكفول، وينظم ذلك بقانون".
 
اغلب الأحزاب السياسية في العراق هي  شكلية وليست احزاب بُنيوية حقيقية، هناك احزاب ممسوكة وآخرى متماسكة، مع غياب البرامج الإصدارات، مع غياب الايديولوجيات، حيث أن المادة (٢٢/اولاً) نصت على "للحزب صحيفة سياسية ومجلة سياسية أو أكثر"، وهذه الحالة غائبة تماماً وان كانت هناك دوريات وإصدارات ولكنها غير فعالة، وهذا يؤشر على ان هدف هذه الأحزاب ببنى على اساس المرشحين من اجل كسب الأصوات فقط دون رؤية مستقبلية، وهذا يوضح طبيعة هذه الأحزاب وهو هدفها الاستحواذ على السلطة ليس من أجل بناء الدولة ومؤسساتها وإنما الاستحواذ من أجل السيطرة والهيمنة وتحويلها إلى إقطاعيات تتحكم فيها فواعل سياسية على حساب مؤسسات الدولة، وهذا يوضح لنا طريقة أفكار قادة الأحزاب السياسية وطريقة تفكيرهم بتأسيس الأحزاب من دون أفق أو تخطيط لليوم التالي، لذلك هي بقت في دائرة النزعة الانتقامية بطرق غير شرعية اتجاه الأحزاب المنافسة ولم تستطع الانتقال من الفقه الراديكالي إلى فقه الدولة، لأن طبيعة أغلب الأحزاب السياسية الحالية هي ذات صبغة "البلوتوقراطية"، لأن المال يلعب دورا كبيرا في تغيير معادلة الحكم وترتيب الفواعل السياسية لتحقيق اهداف وان كانت غير شرعية، لذلك في العراق يختفي مفهوم الدولة ويظهر ويطغى مفهوم السلطة التي تديرها الأحزاب وليس المؤسسات، وقوة الأحزاب تبرز للهيمنة على السلطة.
 
هناك أحزاب تصنف نفسها من الأحزاب القوية، والقوة هي مركبة من عدة عناصر، يتفاخر بالمؤتمرات الضخمة، والترويج، وصرف المبالغ المالية، ولكن يتناسى عنصرا أساسيا هو الرصيد الشعبي وليس "المؤدلج أو الزبائني، او العقائدي"، لأن الأدوات غير الشرعية لا تنسجم مع النهج الديمقراطي، والديمقراطية لا يمكن ان تكون نظاماً للحكم ما لم تكون نظاماً للمجتمع، لأنها ليست نظاماً سياسياً فقط، وإنما نظاماً اجتماعياً، وإذا لم يتعود الناس على الديمقراطية في حياتهم الاجتماعية فإنهم لن ينالوا خيراً في حياتهم السياسية، وهذا يأتي من وجود احزاب سياسية ذات بُنية ومنهجية صحيحة، وفي الواقع لدينا في العراق الكثير من الأحزاب السياسية مخالفة لقانون الأحزاب السياسية رقم (٣٦) لسنة (٢٠١٥) ولاسيما المادة (٣٢/ج) والتي نصت على "القيام بنشاط عسكري أو شبه عسكري"، وتأسيسها وعملها يتخذ شكل التنظيمات العسكرية، أو شبه العسكرية، والارتباط بشكل مباشر أو غير مباشر بقوة مسلحة، ولا احد يستطيع محاسبتها لأن الحاكمية ليس للقانون أو الدستور وإنما الحاكمية للسلاح، والوسائل غير الشرعية.
 
اغلب الاحزاب السياسية بعد ٢٠٠٣ لا تمتلك نظاماً داخلياً وحتى التي تمتلك هو صوري وليس حقيقي، فقط لغرض إكمال الاجراءات الروتينية مثلما ورد في احكام المادة (٢٦/أ) من قانون الاحزاب السياسية رقم (٣٦)، وهذا يدل على ان هذه الاحزاب هي ممسوكة "الأحزاب المشخصنة" التي ترتكز قوتها ووجودها على اساس شخص واحد، وإذا غاب هذا الشخص نجد الحزب يتلاشى ويختفي ويتقهقر، لذلك لو تم تطبيق قانون الأحزاب السياسية بشكل مهني لا يبقى حزب بالعراق إلا حزب واحد أو حزبين كون اغلبها مخالف لهذا القانون.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

جليل إبراهيم المندلاوي

العيد بين الهلال والسياسة

في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مراراً وتكراراً أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان "لغز" عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: "حرب الأهلة الكبرى".