بعد موجة الانتقادات والسخط والاستنكارات التي تسببت بها الهجمة الارهابية الاخيرة على اربيل والتي ادت الى تدمير عائلة كاملة باستشهاد الاب وطفلته البالغ من العمر اقل من سنة، وجرح بقية افراد عائلته واستشهاد شريكه والعديد من العاملين والمستخدمين في بيته، على المستوى المحلي والعربي والدولي، اثار هذا الموضوع العديد من التساؤلات التي من البديهي جداً ان تؤدي الى العديد من الاستقراءات حول الهدف الاساسي لتنفيذ هذه العملية وتحديداً في هذا الوقت الحساس والذي شهد العديد من المستجدات والتطورات على اكثر من جهة.
فعلى المستوى السياسي، لم تمر ساعات على عودة الرئيس نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان من بغداد، حيث استطاع رئيس الاقليم وبحكمته وحنكته السياسية ان يضع النقاط على الحروف امام جميع المسؤولين العراقيين، ويعود بتفاهمات مهمة كانت في طريقها الى ان تتحول الى اتفاقيات تخص تصدير النفط ومسألة الموازنة ورواتب موظفي اقليم كوردستان بالاضافة الى الاستهدافات المستمرة للميليشيات لمدينة اربيل، وفي جميع اللقاءات والاجتماعات تعهدت الاطراف العراقية على المضي قدماً نحو الحل لأن استقرار العراق يكمن في حل المشاكل العالقة مع اقليم كوردستان، جميع الاطراف كانت مرتاحة من هذه الزيارة وخصوصاً بوجود تفاهم حول استئناف تصدير النفط بحسب ما صرح به وزير الخارجية فؤاد حسين، لكن ما حصل كان العكس تماماً وهذا ما يثير التساؤل الاول، بمعنى لماذا اختارت ايران هذا الوقت بالتحديد لتنفيذ هذه العملية؟.
اما على المستوى الاقتصادي، فقد شهد اقليم كوردستان في العام الماضي نهضة اقتصادية كبيرة وغير مسبوقة بتصدير العديد من المنتجات المختلفة حيث غزت الفواكه الكوردستانية والعسل اسواق الخليج واوروبا ومازال الطلب عليها مستمراً، هذا بالاضافة الى الارقام التي سجلتها الهيئة العامة للسياحة في اقليم كوردستان حيث بينت رئيسة الهيئة أمل جلال، بأن رأس المال المستثمر في القطاع السياحي يحتل المرتبة الاولى مقارنة بالقطاعات الأخرى وبنسبة تكاد تقترب من الخمسين بالمائة، وهذا يعني تنفيذاً حقيقياً لما خططت له الكابينة التاسعة لحكومة اقليم كوردستان بأن تنوع من مصادر الدخل وان لا يكون الاعتماد على البترول فقط، وهذا ما لن يعجب الاحزاب الميليشياوية ومن يؤيدها ومن يدعم مشاريعها في العراق.
كما تزامنت هذه الجريمة مع تواجد دولة رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس وتدشين البيت الكوردي (Kurdish house) في المنتدى والنشاط الدبلوماسي المكثف لرئيس الحكومة مع رؤساء وزعماء ووزراء دول العالم، ومن هذا التطور يتاكد للجميع بان اقليم كوردستان بات محط اهتمام مضاعف من قبل دول العالم، وان التركيز في مجال الاستثمارات والتبادل التجاري وتنفيذ المشاريع الحيوية سيكون بالدرجة الاساس في اقليم كوردستان، الأمر الذي سيكشف عن حقيقة ما يريد ان يحققه اقليم كوردستان وما تفعله الاحزاب المتنفذة في العملية السياسية العراقية من فساد بمليارات الدولارات والقضاء على الصناعة العراقية والمزيد من نسب البطالة والفقر في المحافظات والمدن التي تقبع تحت سيطرتهم، كما ستكشف للجميع بان الادعاءات التي تطال اقليم كوردستان بسرقة اموال البصرة ليست الا كذبا وافتراء.
ولو بقينا في الجانب الاقتصادي وتوسعنا قليلاً في شرح وتفسير الموضوع في هذا الاطار، سيسأل المتابع وبكل تأكيد: هل تستهدف ايران عملاء الموساد حقاً؟ ام انها تستهدف الاقتصاد والاستثمارات في هذه المحافظة وفي اقليم كوردستان بشكل عام؟ الا تثير المحاولات المستمرة لاستهداف منزل وشركات رجل الاعمال الكوردي شيخ باز برزنجي، والمشاكل المستمرة مع شركة كورك والتي مازالت عالقة والجميع بانتظار تدخل رئيس الوزراء واستهداف بيت الشهيد بيشرو دزیي العديد من التساؤلات حول النية والهدف الحقيقيين من هذه التصرفات؟ حيث يسهم الاول في تطوير الاستثمار في قطاع النفط والبتروكيماويات وبعد استهداف منزله استهدفت شركاته لأكثر من مرة، اما شركة كورك فهي شركة الاتصالات الوحيدة التي تأسست في العراق وتعمل بأياد عراقية دون ان تكون فرعاً لشركات استقدمت من خارج الحدود وتوفر فرصاً للعمل للالاف من المواطنين العراقيين، اما الشهيد بيشرو دزيي فقد عرف بدعمه المستمر لقوات البيشمركة ومشاريعه الناجحة في مجال الاعمار والبناء والاستثمارات الضخمة في مدن ومحافظات كوردستان، الا تكفي كل هذه الادلة لاثبات الهدف الحقيقي والمطلوب من هذه التصرفات؟.
لقد تعودنا دوماً على هذه التصرفات وردود الفعل في أي وقت تتقارب فيه الحكومة الاتحادية مع حكومة اقليم كوردستان وتبدأ المباحثات والمشاورات لحل المشاكل العالقة بين الجانبين (على الرغم من ان هذه الحركة كانت موجودة منذ اربعينيات القرن الماضي وهذا يدل وبشكل لا يقبل الشك بأن السيادة كانت دوماً شعاراً يكتب على ورق ولا ينفذ)، كما بات من الطبيعي جداً ان نرى ردود الافعال هذه مع اي مؤشر يستجد للانتقال بالوضع الاقتصادي للعراق الى مراحل متقدمة، حيث يعاني اليوم من ارتفاع هائل في نسبة البطالة وازمة في توفير وبيع وشراء الدولار ووجود العديد من المعضلات في شبكة الكهرباء وادارة مؤسسات الدولة بالرشاوى والمحسوبيات والمحاصصة السياسية، لكن الاهداف هذه المرة وعلى الرغم من المحاولات والتبريرات من قبل سياسيين وعسكريين ومتحدثين باسم الجهات الميليشياوية ظهرت بكل شفافية دون ان تترك اي مجال للتفكير بالحقيقية المطلقة لهذا الموضوع، والا فان كان الشخص المستهدف من المتسببين بادخال هذه الدولة او تلك لبوصلة الاقتصاد العراقي (والتي لا علاقة للعراقيين بها) فما الداعي لهذه العملية العسكرية الضخمة وكل هذا الانفاق وهذه الهالة الاعلامية؟.
نعم، ان المقصود في هذه العملية هي اربيل ورجال الاعمال الكوردستانيين المخلصين بالتحديد، لأن اربيل ليست ضمن نفوذ الميليشيات ولا ضمن سيطرتها العسكرية، ولهذه المدينة موقع جغرافي مهم جداً، فهي قريبة من تركيا وايران وقريبة ايضاً من الطرق التي تؤدي الى الحدود السورية، وفي هذه المدينة ايضاً اكثر من اربعين ممثلية دبلوماسية بين قنصلية ومكاتب قنصلية وتجارية ومكاتب لسفارات دول العالم، وبحسب جميع الاستطلاعات هي الانظف والاسرع من حيث التطور العمراني والاكثر اماناً، بل وتأتي في المراكز الاولى على مستوى العالم من حيث الامان.
هذا الهدف لم تستطع الحكومة العراقية ان تحققه طيلة العقدين الماضيين، وان استمرار التطور في هذه المدينة على الرغم من الازمات التي يعاني منها اقليم كوردستان منذ عشرة اعوام سيبين مدى التفاوت في الاداء الحكومي بين بغداد واربيل ومدى جدية الكابينة التاسعة لحكومة اقليم كوردستان لحل المشاكل والمبادرة دوماً الى الحلول الدستورية والسلمية، والا فان المخابرات الاسرائيلية وعن طريق معلومات استخبارية سهلة وسريعة تمكنت من اغتيال ثمانية شخصيات ايرانية في الداخل الايراني او في مناطق تخضع لنفوذها من قادة عسكريين او علماء او شخصيات سياسية مؤثرة، وفي كل الاحوال لن تضر هذه التصرفات الا مرتكبيها لأنها ستوسع من العزلة الدولية عليها ولن يبقى المجتمع الدولي صامتاً ازاء هذه التصرفات، ومن جهته، لن يقف اقليم كوردستان هذه المرة مكتوف الايدي ولن يمرر ما حصل مرور الكرام، فالخيارات كثيرة وجميعاً قابلة للدراسة والتنفيذ، وسيكون لكل حادث حديث.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً