هل يصمد اتفاق عبدي والشرع بعد الإعلان الدستوري؟

19-03-2025
يلماز سعيد
الكلمات الدالة أحمد الشرع مظلوم عبدي قسد
A+ A-
شهدت الساحة السورية تطوراً سياسياً لافتاً تمثل في الاتفاق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ورئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع، في ظل متغيرات ميدانية وسياسية معقدة أثرت على مواقف القوى الإقليمية والدولية.
 
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه حكومة دمشق ضغوطاً دولية متزايدة، خصوصاً بعد فشل مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان من المفترض أن يكون خطوة نحو حل سياسي شامل. بدلاً من ذلك، أدى تصعيد فلول النظام السابق ضد قوات الأمن العام في الساحل السوري إلى نزاع طائفي، تخللته انتهاكات بحق المدنيين العلويين، مما زاد من تدهور صورة الإدارة السورية الجديدة دولياً.
 
بعد بوادر تخفيف العقوبات عن دمشق، تغيرت المواقف الدولية، مما دفع مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ بطلب من الولايات المتحدة وروسيا لإعادة تقييم الوضع.
 
ضعف وزارة الدفاع وانفلات الفصائل
 
عانت وزارة الدفاع من فشل في إدارة العمليات العسكرية في الساحل، حيث تحولت المواجهات إلى صراع طائفي بين فصائل مسلحة منفلتة. انتشار تسجيلات مصورة لانتهاكات بعض هذه الفصائل زاد من الفوضى، وألقى بظلاله على المشهد السياسي والدبلوماسي. دفع ذلك القيادة السورية إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والتعهد بمحاسبة المتورطين.
 
إنقاذ قسد من مأزق داخلي وإقليمي
 
من ناحية أخرى، يشكل الاتفاق فرصة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي وجدت نفسها في موقف حرج بعد رسالة زعيم حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان، التي دعت إلى حل الحزب ونزع سلاح الفصائل المرتبطة به، ما شكل ضغوطًا كبيرة على مظلوم عبدي بين الموقف الداخلي لقسد، والتوازنات الإقليمية والدولية.
 
يبدو أن الاتفاق مع الشرع محاولة استباقية لضمان اندماج (قسد) ضمن الحكومة الانتقالية المقبلة، التي ستتشكل خلال الأشهر القادمة.
 
الضغوط الأميركية واحتمال الانسحاب
 
تشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على (قسد) منذ أشهر، وذلك لدفعها نحو الاندماج مع دمشق وإدارة ملف داعش بشكل مشترك، ربما تمهيداً لانسحاب أميركي وشيك.
 
يأتي هذا التوجه ضمن إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة، مع تقليل التزاماتها العسكرية، والسماح بوجود قواعد تركية في شمال وشرق سوريا، لتفادي أي فراغ أمني قد تستغله قوى إقليمية كإيران.
 
الإعلان الدستوري والتفرد بالقرار
 
كان متوقعاً أن يعيد الشرع النظر في الإعلان الدستوري ليعكس تطلعات الشعب السوري عامة والكورد خاصة، لكنه وقع على إعلان تجاهل الاتفاق مع (قسد). فقد أبقى على اسم "الجمهورية العربية السورية"، وهو ما يرفضه الكورد منذ عقود، كما أكد على دين الرئيس الإسلام، ومنحه صلاحيات واسعة، مما عزز الشعور بالتفرد بالسلطة.
 
أثار الإعلان الدستوري استياء المكونات السورية غير العربية، وخاصة الكورد، الذين نظموا احتجاجات داخل سوريا وفي عدة عواصم أوروبية، وسط تساؤلات عن دوافع الشرع، هل دفعه اندفاع (قسد) نحو الاتفاق إلى التفرد؟ أم أن هناك ضغوطاً إقليمية أجبرته على هذا النهج؟.
 
هل الاتفاق مستدام؟
 
يعد الاتفاق خطوة إيجابية لمنع انزلاق سوريا في حروب طائفية وعرقية، لكنه يبقى هشاً بسبب مبادرة السلام أوجلان – باخجلي - أردوغان، التي قد تعيد خلط الأوراق في حال فشلها.
 
كما أن سوء إدارة الشرع للأزمة، الذي تجلى في الإعلان الدستوري، يزيد من احتمالات انهيار الاتفاق. عدم الإقرار بالتعددية السورية والإصرار على النهج المركزي قد يشعل صراعات جديدة، ما لم يتم تعديل الدستور لضمان حقوق جميع المكونات، خاصة الكورد الذين يسيطرون على ثلث البلاد.
 
كما أن الاعتراف بحقوق الأقليات الأخرى، مثل العلويين الذين نالوا تعاطفاً دولياً بعد المجازر الأخيرة، والدروز الذين يطالبون بالحكم الذاتي، قد يجنب سوريا تدخلاً إسرائيلياً أعمق في الجنوب. إضافة إلى ذلك، فإن تجاهل مطالب المسيحيين، الذين يرفضون أسلمة الدولة، قد يضيف مزيداً من التوترات.
 
ما لم يقم الشرع بتعديل الإعلان الدستوري لضمان حقوق جميع المكونات السورية، فإن الاتفاق مع (قسد) قد يكون مجرد هدنة مؤقتة قبل اندلاع نزاعات جديدة. لذا فالحوار الشامل والاعتراف بالتنوع السوري هو السبيل الوحيد لضمان استقرار طويل الأمد بعيداً عن التدخلات الخارجية و الاضطرابات الداخلية.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

دلشاد عبدو

أميركا في سوريا.. انسحاب مؤقت ووجود دائم

الإعلان الأميركي الأخير عن سحب جزء من قواتها من سوريا لا يعكس نية فعلية في الانسحاب الكامل، بل يأتي ضمن إطار إعادة ترتيب تموضع عسكري مدروس يخدم أهدافاً ستراتيجية أوسع في المنطقة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداخلاته الإقليمية والدولية.