النزاهة تفتح تحقيقاً في المادة 16 من قانون الموازنة وجهات تهدد بالطعن

17-06-2023
مجاشع التميمي
الكلمات الدالة قانون الموازنة المادة 16
A+ A-
الاعلان المهم لهيئة النزاهة الاتحادية بخصوص متابعة موضوع اطفاء السلف غير الشرعية حال نشر الموازنة ومباشرة وزارة المالية بتطبيق ذلك، لاقى ارتياحاً وتهدئة مؤقتة بشأن المادة (16) من مشروع الموازنة وأضافت أنه سيتم فتح تحقيق حول كيفية صرف كل سلفة يتم اطفاؤها بغية التعرف على المسؤولين عن صرفها وإحالتهم إلى القضاء لمساءلتهم ومعاقبتهم وفق القانون.
 
أعتقد أن إعلان هيئة النزاهة بشأن المادة (16) من مشروع قانون الموازنة لسنوات 2024 – 2024 - 2025 جاء رداً على الحملة التي أثيرت ضد هذه المادة التي نصت على أن لوزير المالية الحق في منح التخصيصات المالية لإطفاء السلف وفق القوانين التي كانت سارية بشرطين هما تدقيق ديوان الرقابة المالية، وموافقة مجلس الوزراء، وحددت المادة سقفاً زمنياً من 2004 إلى 2023 وحينما تتم قراءة هذا النص سنجد أن مسألة الإطفاء كأنه وضع النص بديلاً لها، أي كأنه أعطى صلاحية لوزير المالية أن يعطي مالاً بديلاً عن إطفاء هذه الأموال. هكذا يقرأ النص، مع العلم أن هذه ليست ديوناً بل تعد قروضاً وسلفاً، فنحن نعرف جميعاً بأن القروض والسلف تمنح بكفالات ووصولات تسمى في القانون المدني "ائتمان" بحسب المادة (684) من القانون المدني، و"الائتمان يعني الثقة التي يوليها المصرف لشخص ما سواء أكان طبيعياً أم معنوياً، بأن يمنحه مبلغاً من المال لاستخدامه في غرض محدد، خلال فترة زمنية متفق عليها وبشروط معينة لقاء عائد مادي متفق عليه وبضمانات تمكّن المصرف من استرداد قرضه في حال توقف العميل عن السداد"، والمادة (16) من مشروع قانون الموازنة لا يطبق عليها قانون التجارة أو قانون الشركات ولا يطبق عليها القانون المدني، لأن هذه المادة تتعلق بالمادة (27 -أولاً) من الدستور العراقي التي قالت "للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن"، وأيضاً قرار المحكمة الاتحادية السابق الذي قال إنه لا يجوز التبرع بالأموال العامة بأي شكل من الأشكال، كما أن مشروع الموازنة لم يحدد القوانين التي يتحدث عنها النص بالمادة 16 أي قوانين؟، وهل سيطبق على الأفراد أم على الشركات أم على الوزارات؟، النص عائم، والقاعدة القانونية تقول "المطلق يجري على إطلاقه" لأنه لا يوجد تقييد لهذه المادة المختصرة والمقتضبة جداً. 
 
وحسناً فعلت هيئة النزاهة بفتح التحقيق بترقب هذه المادة، وهذا النص بشكل صريح قابل للطعن أمام المحكمة الاتحادية؛ لأنه يتضارب مع الدستور، والطعن بهذه المادة ممكن جداً، بعد أن يصادق رئيس الجمهورية على قانون الموازنة وبعد أن تنشر في جريدة الوقائع الرسمية وحينها نكون أمام الطعن بهذه المادة التي تشكل عواراً ومثلبة، وخللاً صارخاً وواضحاً، وحتى صياغة هذه المادة تبدو ركيكة ومرتبكة وغير واضحة وكأنها كتبت على عجالة أو زجت أو دست في مشروع قانون الموازنة.
 
لذا فإن هذه المادة فيها خلل كبير في الموازنة وأيضاً هي تتضارب مع المادة (14) من الدستور العراقي التي ساوت بين العراقيين لأن الجميع سيتساءل لماذا تطفأ السلف عن الشركات والوزارات ولا تطفأ عن متقاعدين وعلى الموظفين وعن ناس بسطاء؟. 
 
الكارثة أن وكيل وزارة المالية يقول إن وزيرة المالية ملزمة بحسب قانون الموازنة بإطفاء السلف لكن وفق النص الموجود بالمادة (16) من قانون الموازنة لم يقل "على وزير المالية أطفاء السلف" بل قال "لوزير المالية إطفاء السلف" وهناك فرق كبير بين الكلمتين، إضافة إلى أن هذه المادة كأنها تصحح الخطأ بالخطأ، يعني تصحح الخطأ الذي حصل بعدم وجود وصولات ائتمان، وعدم وجود وصولات وكفالات وحتى عدم وجود أوليات التسليف، فتأتي الحكومة الحالية بتصحح هذا الخطأ بخطأ آخر، هو إطفاء هذه الديون؛ هكذا يقرأ النص، أما تصريحات وكيل وزارة المالية وتبريراته بأن الإطفاء سيشمل السلف التي لا توجد بها وصولات وضمانات أي عدم وجود ائتمان وكفالة، أما غيرها فمن الممكن أن تسترد هذا خطأ جسيم لكن يبدو أن النص بالموازنة يريد أن يعالج الحالات المفتوحة، يعني من 2004 حتى الآن يريد أن يعالج الحالات المفتوحة السائبة التي لا يوجد بها وصولات وائتمان وكفالات ووكالات، كل هذه الأشياء غير موجودة في هذه السلف، بالنتيجة هذه المعالجات عندما تكون خاطئة وتطفى هذه السلف فإن ذلك سيدخلنا في جريمة سرقة أموال الدولة وفي اختلاسات وأخذ أموال الدولة بشكل غير صحيح.
 
وطبقاً لنص المادة (16) موضوع الحديث فقد اشترط جهتين كما قلنا تدقيق ديوان الرقابة المالية وموافقة مجلس الوزراء على الإطفاء يعني ذيل المادة، هذا هو الشيء المطمئن إنه لا يمكن أن تعبر هذه السلف واطفاؤها على ديوان رصين ومحترم وله خبرة وباع طويل وأيضاً لا يمكن أن يوافق مجلس الوزراء بتقديري على إطفاء هذه السلف. 
 
وحسناً فعلت هيئة النزاهة عندما قررت فتح تحقيق حيث أن رئيس هيئة النزاهة رفع شعار قبل فترة هو "المال قبل المتهم"، هذه القاعدة وضعتها هيئة النزاهة في تعقب هذه الأموال، التي تعود للشعب العراقي، أموال لها حرمة ولا تسقط بالتقادم لهذا الوصول إلى الشخصيات، والوصول إلى الجهات، والوصول إلى مواطن الصرف، هذه كلها تدخل بأبواب الاختلاس، أو أبواب السرقة، واستغلال الوظيفة واستغلال النفوذ الوظيفي، وهيئة النزاهة برأيي أمام تحدٍ كبير وخطير، أكبر من الجرائم الكبيرة التي اكتشفتها وتوصلت إليها. نعول كثيراً على هيئة النزاهة، أعتقد هيئة النزاهة ستوقف ذلك، وأيضاً هناك جهات حقوقية ستطعن في هذه المادة حال المصادقة عليها، لأنها تتضارب مع نصوص صريحة في الدستور بعد  المادة (14) و(27) وبتقديري الخاص إن المحكمة الاتحادية ستنسف هذه المادة وبتقدير.
 
ختاما حينما يقرأ المراقب نص المادة 16 ويتمحص بها، يحس القارئ أن هذه المادة تريد أن تغطي على أشياء، أما الوصول إلى الجهات التي استلفت، التي لم تسترجع المال، فهذا سيعتمد على الجهات التحقيقية وعلى المصارف وعلى الأوليات، ويعتمد على الوصولات، وهذا التحقيق ليس بسيطاً، وسيأخذ مدى بعيداً، ومساحة واسعة جداً في التحقيق للوصول للهدف، ومثل تحقيقات كهذه تكون معقدة وربما يستعان بشركات أجنبية كما حصل قبل فترة حيث استعانت الجهات التحقيقية في العراق بشركات أجنبية للوصول إلى غسيل الأموال بمعنى يمكن التنسيق مع شركات أجنبية للتحقيق أو حتى مع مصارف أجنبية لمعرفة غسيل الأموال مبلغ كبير وأتوقع إنه هيئة النزاهة ستتوصل إلى خيوط هذه الجريمة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

جليل إبراهيم المندلاوي

العراق بين الحياد والتصعيد.. تداعيات حرب اليمن

مع تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة نتيجة للعمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، يطرح تساؤل جوهري هام حول احتمالية امتداد هذه التداعيات إلى العراق الذي يشكل نقطة التقاء للعديد من المصالح الإقليمية والدولية، والذي يواجه تحديات متزايدة في ظل التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كما يثار السؤال عن مدى قدرته على الحفاظ على استقراره في ظل العلاقات المعقدة بين الفصائل المسلحة في العراق وإيران، والتي يمكن أن تتسبب في زعزعة الأمن الداخلي للبلاد، ومن الممكن أيضا أن تؤدي التفاعلات الإقليمية المعقدة في الشرق الأوسط إلى انخراطه في هذا الصراع، مما قد يعرضه لتهديدات مباشرة من القوى الكبرى.