حقق الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام ثورة كبرى في فهم النمو الاقتصادي. إذ يقولون إن النمو الاقتصادي للبلدان مرهون بوجود نظام ديمقراطي ومؤسساتي والحريات الفردية والسياسية، والدولة التي تحافظ مؤسساتها على الحرية الفردية وتشارك فيها تنمو بشكل أكبر اقتصادياً.
منحت جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام بالشراكة لثلاثة اقتصاديين. دارون أجَم أوغلو، اقتصادي أرمني يحمل الجنسية الأمريكية التركية، وسيمون جونسون وجيمس روبنسون، الأمريكيان البريطانيان، عن أبحاثهما حول عدم المساواة في توزيع الثروة بين الأمم.
درس هؤلاء الاقتصاديون لماذا تفشل بعض الدول بينما تنجح دول أخرى، وتوصلوا من خلال دراساتهم إلى أنه إذا كانت الدولة ذات نظام ديمقراطي وكان مواطنوها ينعمون بالحرية وأمامهم خيارات إنشاء نظام تعليمي وعمل خاص بهم في بيئة من المنافسة الحرة، فإن اقتصاد البلاد سوف يزدهر أكثر وسيتم توزيع ثروات البلاد بشكل أكثر عدالة بين المواطنين.
أبحاث وكتب ومقالات هؤلاء الاقتصاديين الثلاثة مهمة، خاصة بالنسبة للأمة الكوردية التي تواجه تحديات كبيرة اليوم. فلدى الكورد إقليم دستوري في جنوب كوردستان، باتت صلاحياته ضمن إطار العراق في السنوات الأخيرة تضعف، ويواجهون انتخابات حاسمة تراقبها دول المنطقة، وأوروبا وأمريكا.
دارون أجَم أوغلو، التركي الجنسية الأرمني القومية. عرض عليه وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو، في 2010، تمثيل تركيا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومقرها باريس، لكن أجَم أوغلو رفض قائلاً إنه كان يبحث في موضوع يمكن أن ينال به جائزة نوبل.
يقول أجَم أوغلو "النمو الاقتصادي يرتبط مباشرة بالديمقراطية. الحكم الديمقراطي ليس سهلاً، والدول التي تتمتع بنظام ديمقراطي تنمو اقتصادياً بشكل أسرع وأسلم وينمو اقتصادها بشكل أكثر عدالة".
يتحدث الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل لهذا العام عن أثر الديمقراطية والحرية والانتخابات في التنمية الاقتصادية أكثر من الحديث عن الاقتصاد نفسه.
عمل هؤلاء الاقتصاديون 30 عاماً معاً، وبحثوا، وفي الأخير بينوا أسباب نمو الاقتصاد في ظل نظام ديمقراطي وخلاف ذلك في غيابه، وبينوا أسباب التخلف الاقتصادي لبعض البلدان النامية والفقيرة.
يقول جيمس روبنسون، وهو واحد من الفائزين بجائزة نوبل: "أرى أن تغيير العالم والقضاء على عدم المساواة في الثروة لا يتعلق في الواقع بالاقتصاديين، ولا يتعلق بإيجاد حلول تقنية. الناس في البلدان الفقيرة يعرفون ما هي مشاكلهم، لكنهم لا يعرفون كيف يتّحدون، يجب أن يتّحدوا ويغيروا مصيرهم معاً".
وفي كتاب مشترك نُشر عام 2012 بعنوان "لماذا تفشل الأمم"، يوضح دارون أجَم أوغلو وجيمس روبنسون أنه "إذا سمحت مؤسسات البلاد للمواطنين بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، فسوف تزدهر البلاد".
ويقولان: "على العكس من ذلك، إذا كانت المؤسسات تعمل على تهميش المواطنين وجعل السلطة والثروة في أيدي عدد قليل من المسؤولين، فلن تكون النتيجة سوى الفقر والبؤس والانهيار الاقتصادي".
ولإثبات أقوالهم ونظريتهم، يستشهد الاقتصاديون الثلاثة الفائزون بجائزة نوبل بأمثلة من عدة دول، مثل تخلف كوريا الشمالية وتقدم كوريا الجنوبية.
من خلال تحليل التاريخ والدراسة الدقيقة للوضع السياسي والاقتصادي والتاريخي للعديد من البلدان، توصل الفائزون بجائزة نوبل في النهاية إلى استنتاج أن "الدول غالباً ما تنجح أو تفشل اقتصادياً بسبب الطريقة التي تعمل بها مؤسساتها".
إنهم يشددون على أن "الموقع الجغرافي أو المستوى الثقافي ليسا سبب النجاح أو الفشل الاقتصادي للأمم، بل أن دور ومكانة المؤسسات يحددان مستقبل البلدان والأمم".
سيمون جونسون هو أحد الاقتصاديين الثلاثة الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام، يقول: "عندما تسمح للناس بأن يكون لهم صوت سياسي أكبر. عندما تكون لديك شفافية أكثر. عندما تسمح بالمنافسة، ستحقق نتائج سياسية جيدة وستتقدم اقتصادياً".
اتخذ الاقتصاديون الثلاثة من مدينة (نوكاليس) مادة للدراسة. توجد مدينتان بهذا الاسم، واحدة في أريزونا الأمريكية والأخرى في ولاية سونورا بالمكسيك.
يوضح الاقتصاديون الثلاثة أنه بفضل النظام الديمقراطي، فإن مستوى المعيشة والاقتصاد في نوكاليس الأمريكية أفضل بكثير.
ويقولون إنه لكون سكان نوكاليس الأمريكية، حصلوا على فرص كافية في التعليم وإنشاء أعمال خاصة بهم، ولأنهم يعيشون تحت مظلة النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي، فإنهم من حيث الظروف المعيشية أفضل حالاً بكثير من نوكاليس المكسيكية.
ومن المفاهيم التي صاغها الاقتصاديون الثلاثة الفائزون بنوبل، مفهوم "الممرات الحساسة" أو "المسارات الحساسة"، ويقصدون بها بيئة يستطيع المجتمع فيها تحقيق التوازن بين "سيطرة الدولة" وبين "الحريات الاجتماعية".
حسب هذا المفهوم، يعد إنجازاً مهماً أن تحمي مؤسسات الدولة أو الحكومة أمن المواطنين، وفي الوقت نفسه لا تنتهك حريات الأفراد.
فإذا كانت مؤسسات دولة ما قوية وتهدد الحرية الفردية، حينها سيضيع توازن "المسار الحساس".
وعلى العكس من ذلك، إذا كانت المؤسسات ضعيفة، فإن الأمن العام للمواطنين سيكون في خطر.
وتؤكد أبحاث هؤلاء الاقتصاديين على عدم الإخلال بتوازن "المسار الحساس" في الدول، وأن هذا هو ما يضمن التقدم والنمو الاقتصادي.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً