الخوف الألماني وانتخابات البوندستاغ

16-01-2025
يان إلهان كيزيلهان
الكلمات الدالة المانيا الكورد
A+ A-
في الثالث والعشرين من شباط 2025، ستنتخب ألمانيا بوندستاغها الجديد. وتسلط هذه الانتخابات الضوء على الدعم المتزايد لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف. ويعود صعوده إلى الخطابات التحريضية والحملات العنصرية التي تستهدف المهاجرين. 
 
وتتردد صدى هذه الستراتيجيات لدى جزء كبير من السكان، مما يعكس المخاوف العميقة الجذور التي شكلت عقلية ألمانيا لقرون، ولكن من أين يأتي هذا الخوف القوي من "الآخر"؟ يساعدنا المصطلح المعترف به دولياً "الخوف الألماني" في استكشاف هذه الظاهرة التاريخية والعاطفية.
 
يرتبط هذا الخوف الواسع الانتشار ارتباطاً عميقاً بتاريخ ألمانيا، المليء بالحروب والمجاعات والأوبئة. وكانت حرب الثلاثين عاماً (1618-1648) واحدة من أكثر الفترات تدميراً. وخلال هذا الوقت، مات ما يصل إلى 45% من السكان في المناطق الناطقة بالألمانية، ليس فقط من المعارك ولكن أيضاً من أمراض مثل الطاعون، فضلاً عن الجوع الواسع النطاق، ولقد ترك هذا الدمار مناطق بأكملها غير صالحة للسكن. وحمل الناجون هذه الصدمة لأجيال، وأصبح الخوف من "الجنود الأجانب" الذين يجلبون الفوضى والموت والمرض راسخاً في الذاكرة الجماعية، مما شكل الاعتقاد بأن الغرباء يشكلون تهديداً خطيراً.
 
لم يختف هذا الخوف بمرور الوقت. فقد عززت الأزمات المتكررة، والصراعات الدينية، وتقسيم ألمانيا إلى دول صغيرة، وحربان عالميتان، والانفصال إلى شرق وغرب، الشعور بعدم الأمان. وشجعت هذه الأحداث عقلية الحذر والسيطرة، مع الاعتقاد بأن السلامة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الانضباط والعزلة. كانت الدولة البروسية، المعروفة ببنيتها العسكرية، رمزاً لستراتيجية البقاء هذه. ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لخلق الأمن من خلال أنظمة صارمة، استمر الألمان في مواجهة الاضطرابات. بعد الحربين العالميتين، احتلت قوى أجنبية أجزاء من البلاد وسيطرت عليها، مما أدى إلى تعميق الشعور بالعجز.
 
في القرن العشرين، اتخذت هذه الندوب التاريخية أشكالاً جديدة. لم يمحو التعافي الاقتصادي والعولمة الشعور العميق بالضعف. ولكن بدلاً من ذلك، استمرت مشاعر عدم الثقة والعجز. واليوم، غالباً ما يتم التعبير عن هذه المشاعر من خلال المخاوف بشأن الهجرة والتغيير الثقافي. وتتضخم المخاوف بشأن الإرهاب والمشاكل الاقتصادية والصراع الاجتماعي من قبل الجماعات السياسية اليمينية المتطرفة، التي تستخدم هذه المخاوف للترويج لأجنداتها. وهي تستغل خوفاً قديماً ومتجذراً، وهو الخوف من فقدان الاستقرار والهوية والأمن.
 
وهنا يصبح "القلق الألماني" ذا أهمية خاصة، فعلى عكس الدول الأخرى التي تبني هويتها حول الانتصارات والنجاحات، غالباً ما تحدد ألمانيا نفسها من خلال سرديات الخسارة والضحية. وقد ساهم هذا التركيز على تجنب الأخطاء الماضية في كفاءة البلاد وقدرتها على الصمود، ومع ذلك فقد أدى أيضاً إلى الحاجة المفرطة للسيطرة والتردد في تبني التغيير والتنوع.
 
وللتغلب على "القلق الألماني"، يجب على ألمانيا أن تتصالح مع تاريخها، وهذا لا يعني نسيان الماضي، بل وضعه في منظور الحاضر. وفي حين يقدم التاريخ دروساً مهمة، فإن التمسك بالمخاوف القديمة لا يؤدي إلا إلى المزيد من الانقسام والعزلة. ويتعين على الساسة والمجتمع التركيز على الفرص التي يجلبها التنوع والانفتاح. إن العالم المعولم ليس خاليا من التحديات، ولكنه يوفر أيضاً العديد من الفرص للنمو والابتكار والتقدم المشترك.
 
إن مستقبل ألمانيا يكمن في خلق مجتمع يقدر الإدماج على الاستبعاد، وهذا يعني تعزيز الاحترام المتبادل والمسؤولية، حيث يُنظر إلى الاختلافات على أنها نقاط قوة وليس تهديدات. ومن خلال الاعتراف بالألم التاريخي دون السماح له بالسيطرة على الحاضر، يمكن للألمان تغيير نظرتهم. ويمكن استبدال الخوف من "الآخر" بالفضول والقبول، مما يمهد الطريق لمجتمع أكثر اتحاداً وانفتاحاً.
 
إن المجتمع الكوردي، الذي يبلغ عدد أعضائه 1.5 مليون في ألمانيا، هو مثال لكيفية نجاح التكامل. ومن خلال المشاركة النشطة في الأحزاب الديمقراطية، يُظهر الكورد استعدادهم للمساهمة في المجتمع الألماني. ومع ذلك، يجب على الأغلبية الديمقراطية في ألمانيا أن تتخذ موقفاً قوياً ضد جميع أشكال كراهية الأجانب. ويجب أن تجعل أصواتها مسموعة في هذه الانتخابات لضمان بقاء الأيديولوجيات المظلمة للاشتراكية الوطنية والتطرف اليميني في الماضي. ومن خلال رفض الخوف والاستبعاد، يمكن لألمانيا أن تتبنى مستقبلاً قائماً على التعاون والتنوع والتقدم.
 
عندما أفكر في تعليقي، لا يسعني إلا أن أفكر في الكيفية التي تعامل بها دول مثل تركيا وسوريا والعراق وإيران مع الشعب الكوردي والناس الذين ترسخت جذورهم في هذه الأراضي، ولكنهم غالباً ما يعاملون كأجانب غير مرحب بهم، ولكن هذه قصة لوقت آخر.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

نايف كوردستاني

صناعة الكراهية وإعادة إنتاج الخطاب الطائفي.. التواصل الاجتماعي أنموذجاً

تُشكِّل منصّات التَّواصل الاجتماعيّ واحدةً مِنْ أهمّ أدوات إدارة الصِّراع الطَّائفي بين (السُّنّة، والشَّيعة) إذ تُوظّف هذه المنصِّات كوقود لإذكاء وإشعال نار الفتنة الطَّائفيَّة، وأصبحت هذه المنصِّات بؤرة الصِّراع السُّنّيّ الشِّيعيّ، وكانت هذه الصِّراعات موجودة ضمن نطاق ضيّق بين العلماء من الفريقين، وفي كتبهم، والطَّائفيَّة مرتبطة بالمُعْتقد الدِّينيّ، وهي صورة تعكسُ الموروث الدِّينيّ لدى الفريقين، ومدى ارتباطهما بالاتّباع، والتَّقليد، وقد ارتبطت الطَّائفيَّة بالتَّعصُّب، والغُلو، والتَّمسُّك بفكرة مذهبيَّة يؤدّي إلى الاستخفاف بآراء، ومعتقدات الآخرين، ومحاربتها، والصِّراع ضدّها، وضدّ مَنْ يحملون تلك الأفكار، ومِنْ هذا تجد أنَّ الطَّائفيَّة عاطفة انفعاليَّة تستثمر العاطفة، وتوظِّف ذاكرة الموروث الدِّينيّ، وتخاطب جماهيرهم لإيقاظ انفعالاتهم الرَّاكدة الكامنة في غياهب الذَّاكرة.