الدوافع الخفية وراء زيارة السوداني لأربيل.. القلق من 2025

14-11-2024
زريان روجهلاتي
الكلمات الدالة محمد شياع السوداني اقليم كوردستان
A+ A-
يمكن لبرنامج زيارة السوداني لأربيل ان يتضمن محاور عدة، مثل ملف النفط وتشكيل الحكومة وطريق التنمية والتعداد السكاني، لكن الدفاع الأساسي لهذه الزيارة هو مختلف وبعيد عن ذلك. الوضع السياسي والأمني الحالي للعراق هو سبب رئيسي لرغبة بغداد في تشكيل حكومة اقليم كوردستان بأسرع وقت وايجاد حلول للأمور العالقة بين اربيل وبغداد.
 
استمرار حرب غزة ولبنان وحلقة الهجوم والرد بين إيران وإسرائيل أمر مقلق بالنسبة لبغداد، فلربما سيورط ذلك العراق بحرب وعدم إستقرار كبير. ذلك ما عدا تسلم دونالد ترمب رئاسة الجمهورية في 2025. فإذا كان العراق مطمئناً الى حد ما في عهد بايدن انه لن يتورط في حرب فعليه الآن ان يفكر مرتين حول كيفية تعامل ترمب مع تلك المسائل.
 
ثلاثة أمور مقلقة للعراق في 2025:
 
أولاً: كيف يمكنه ان يقنع الجماعات المسلحة ان يوقفوا الهجمات على اسرائيل من الأراضي العراقية. كان بايدن يتحمل الهجمات المستمرة المحدودة للجماعات المسلحة، لكن لا نعلم كيف سيتعامل ترمب معها، في حين أن حتى الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان قال بأننا يجب ان نتوجه حول ملف العلاقات مع اميركا، وسيضطر العراق بالتالي الى الإستعداد لجولة ترمب الثانية.
 
ثانياً: الا يصبح العراق مثل سنوات الثمانينيات في ظل قدوم اعضاء حزب الله، حماس والحوثيين الى اراضيها والا يصبح كمحور تجمع لجماعات المقاومة. يرى الكثير من السياسيين الشيعة وبالرغم من التعاطف الإنساني الكبير مع حماس ولبنان، الا انه لا داعي ان ينزلق العراق نحو الحرب المشتعلة في المنطقة. حتى ان آية الله علي السيستاني في آخر أحاديثه أكد على أهمية وجود السلاح في يد الدولة، في حين ان بعض الجماعات العراقية المسلحة مستمرة في هجومها على مرتفعات الجولان، وبالتأكيد ذلك سيعطي مساحة اكثر اريحية للسوداني. وفي الواقع عدد الجماعات المستمرة في هجومها والتي لا تستمع للحكومة اقل بالمقارنة مع الماضي. ويحظى السوداني بدعم مباشر وغير مباشر من الزعماء الشيعة التقليديين والمرجع الأعلى ويريد إقناع إيران بعدم استخدام أراضي العراق.
 
ثالثاً: هل هناك طريقة لمنع إسرائيل وإيران خرق مجاله الجوي؟ صرح وزير الخارجية العراقية بأن ايران قد وعدت بعدم إختراق المجال الجوي العراقي لهجماتها المنتظرة على إسرائيل، لكن هذا الوعد يستحيل ان يتحقق وفي حال حدوث الهجوم الإيراني على إسرائيل ونظراً لعودة ترمب، فمن غير الواضح ما إذا كانت ستفعل ذلك، سواء من خلال الجماعات الوكيلة أو الضربات الصاروخية المباشرة. في الواقع، ليس من السهل على إيران وإسرائيل إقناع دولة ما بفتح طرقها البرية والجوية رسمياً لشن هجمات من هناك، ما لم تكن الهجمات رمزية ومتفق عليها مسبقاً، ولذلك فإن سوريا والعراق، اللتين لا تمتلكان نظاماً قوياً للدفاع الجوي وغير مستقرين، هما الخيار الأفضل للجانبين.
 
يمكن ان تكون تقوية الأمن الجوي العراقي أمر يفضله الإيرانيون ايضاً حيث لا يستطيع اي طرف على الأقل خرقه بسهولة، وربما كانت جهود بغداد هي السبب وراء إعطاء طهران للعراق هذا الوعد.
 
بعد هجمة يوم 25 من اكتوبر على اراضيه، صرح وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن أميركا قد فتحت ممراً جوياً لكي يهجم الجيش الإسرائيلي من خلاله على إيران وكان العراق قد أرسل رسالة إدانة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول ذلك. وفي الواقع، فإن أحد أكبر مخاوف العراق هو كيفية منع الاستخدام غير المصرح به لمجاله الجوي من قبل الدول الأخرى، لكن هذا يتطلب رادارات وأنظمة دفاع صاروخية وتنسيقاً قوياً مع حكومة إقليم كوردستان. ويسعى العراق منذ عدة سنوات للحصول على أنظمة دفاع صاروخية، ووقع مؤخراً صفقة بمليارات الدولارات مع كوريا الجنوبية لشراء نظام دفاع صاروخي، ولكن لتغطية المجال الجوي بأكمله يحتاج إلى التفكير في حماية المجال الجوي لكوردستان مثله مثل حماية المجال الجوي لبغداد والأنبار. 
 
سياسياً، تحتاج بغداد إلى علاقات أفضل مع أربيل وأن ترضي تركيا حتى يتفقا، لأن تركيا لديها عمليات مستمرة واحتمال تكرار مثل حادثة إسقاط الطائرة التركية بدون طيار في كركوك، يمكن أن يخلق توتراً بين الجانبين، وهو ما لا يريده العراق. ولا يحتاج العراق إلى إذن من تركيا لتثبيت أنظمة رادار أو دفاع صاروخي، أو أي استعدادات عسكرية أخرى في إقليم كوردستان، لكنه ربما يحتاج إلى التفاوض معها.  لكن الشرط الرئيسي لأي تحرك من هذا القبيل هو حل بغداد بعض مشاكلها على الأقل مع إقليم كوردستان وتشكيل حكومة جديدة قريباً حتى تتمكن من التنسيق القوي مع أربيل.
 
ومن هنا، فإن النظر إلى زيارة السوداني إلى تركيا، ثم قرارات مجلس الوزراء بشأن النفط وقضايا أخرى مع إقليم كوردستان وزيارة الأعرجي إلى إقليم كوردستان ومن ثم إلى إيران في إطار واحد، تظهر لنا صورة أوضح.
 
وفور الهجوم الإسرائيلي، وصل مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي إلى أربيل، وبما أن زيارته جاءت بتوصية من القائد العام للقوات المسلحة، فربما كان هناك بند عسكري مهم على جدول أعماله. وفي اجتماعهم الأخير مع الوفد الأمني العراقي برئاسة الأعرجي، شكر الإيرانيون بغداد وأربيل على تنفيذ الاتفاقية الأمنية بينهما. لذلك لا يبدو أن موضوعاً ذا صلة كان على رأس المناقشات. ومن المرجح أن يكون أحد مواضيع الزيارة هو جهود العراق لمنع إسرائيل وإيران من استخدام مجاله الجوي. وهذا يلفت انتباهنا إلى قضية واحدة؛ وهي تركيب أنظمة الرادار أو حتى أنظمة الدفاع الصاروخي، ولعل المكان الأفضل لذلك في إقليم كوردستان هو قاعدة حرير العسكرية التي أخلاها الأميركيون منذ بداية العام الحالي، وليس كما زعمت بعض وسائل الإعلام العالمية انها قد اخليت منذ وقت قريب.
 
وفي تقييم سابق بعد انتخابات حكومة إقليم كوردستان، ذكرت أن مسألة تشكيل الحكومة معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، لكن الوضع الجيوسياسي في المنطقة ورغبة العراق في التغلب على التهديدات المستقبلية ستحث على تشكيل الحكومة في وقت أقرب. يمكن إعداد قائمة طويلة لبرنامج زيارة السوداني إلى إقليم كوردستان، لكن في النهاية عدم الإرتياح للوضع الأمني والسياسي في عام 2025 هو السبب الرئيسي لوضع البرنامج.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

جليل إبراهيم المندلاوي

العراق بين الحياد والتصعيد.. تداعيات حرب اليمن

مع تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة نتيجة للعمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، يطرح تساؤل جوهري هام حول احتمالية امتداد هذه التداعيات إلى العراق الذي يشكل نقطة التقاء للعديد من المصالح الإقليمية والدولية، والذي يواجه تحديات متزايدة في ظل التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كما يثار السؤال عن مدى قدرته على الحفاظ على استقراره في ظل العلاقات المعقدة بين الفصائل المسلحة في العراق وإيران، والتي يمكن أن تتسبب في زعزعة الأمن الداخلي للبلاد، ومن الممكن أيضا أن تؤدي التفاعلات الإقليمية المعقدة في الشرق الأوسط إلى انخراطه في هذا الصراع، مما قد يعرضه لتهديدات مباشرة من القوى الكبرى.