الانفال ، ابادة الكورد الجماعية، واسئلة لا تنتهي..

14-04-2019
محمد زنكنة
A+ A-

من الخطأ أن نعيد بدايات تنفيذ الحكومة العراقية للعام 1988 او حتى للعام 1980 ، بل ان هذه الحكومة بدأت فعليا بتنفيذ هذه الحملة منذ العام 1975 ومهدت لها منذ اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بحجج يستطيع كل من يريد الاطلاع على الحقائق التاريخية والاطر القانونية والشرعية لتفسيرها ان يعثر عليها بكل سهولة، ولكن .. الاشكال ليس هنا .

أن حملات الابادة الجماعية التي نفذتها الحكومة العراقية ضد العزل من مواطني كوردستان وبأسم عمليات الأنفال كان اوسعها في عام 1988 في منطقة كرميان (اي جمجمال وكلار وكفري ومايحيط بها) ونفذت بامر مباشر من صدام حسين في مثل هذا اليوم.

نفذت هذه الجريمة بأشراف ابن عم صدام علي حسن المجيد والذي عين في تلك الفترة كحاكم عسكري لمنطقة كوردستان تحت مسمى (امين سر المنطقة الشمالية لحزب البعث العربي الاشتراكي) ، وبقيادة سلطان هاشم آخر وزير للدفاع في عهد صدام حسين (والذي مازالت الكثير من الاطراف تتباكى عليه ويتحفظ عليه الامريكان على الرغم من صدور حكم بالاعدام ضده) ، لأنهم لم ينسوا دوره في اتفاق وقف اطلاق النار بعد عودة جيش صدام خائبا مهزوما من الكويت في الثلث الاول من عام 1991 . 

ولكن الاهم من كل ذلك، الم يسأل من يعتبر صدام بطلا قوميا وشجاعا ومغوارا، ما الذي عناه بعملية الانفال وما الذي كان يريده ولم اختار هذا الاسم بالذات؟ بمعنى آخر، هل يعلم من يذكر هذا التاريخ المشؤوم محتسبا هذه الفعلة كبطولة قومية ووطنية لرئيس ارتكبها ضد جزء من ابناء شعب يعيشون تحت سلطة حكمة، ما الذي عنته هذه الكلمة اصلا؟ ام انها اصبحت في حينها مكسبا للقضاء على ما اطلقت عليهم تسمية : مخربون وعصاة وانفصاليين؟

الأنفال، اسم لسورة في القرآن الكريم، والكلمة تعني جمعا لكلمة نفل، اي الغنيمة، ويعني تعريفها : الغنائم التي تتبقى بعد الحرب والتي تتحول ملكيتها الى افراد الجيش الرابح في المعركة التي يخوضها ضد الجانب الاخر ، والنقطة الاساس في هذا الموضوع، والتي من حقي أن اسأل وابحث عن رد لها شأني شأن أي كوردي وأي أنسان : أي جيش يخوض الحرب؟ ومن هم المشمولون بهذه الحرب؟ اي من هو الجانب الآخر؟

نعود ونسأل : هل يعلم المتباكون على صدام ان الحكم في هذا المصطلح كان لفترة مابعد معركة بدر فقط، اي في قتال بين جيشين احدهما مسلم يدافع عن دين ورسالة سماوية وآخر يريد ان يقضي على كل ما يخص هذا الدين؟ وهل كانوا يعلمون في حينها والان ايضا، ان ماتم ادراجه من غنائم في حكم هذا المصطلح، شمل كل ماتبقى من الجيش الاخر مما لاروح فيه؟ الم يدرسوا في التاريخ ان النفوس ومن فيهم الروح، لم ولن يكونوا جزءا من الغنائم التي يتصرف بها الجيش المنتصر؟

لقد اوهم صدام اغلب الدول العربية والاسلامية وجنود جيشه المنخرطين في هذه الجريمة التي هدفت الى القضاء على كل كوردي، وفي وقت كان يخوض فيه حربا ضد دولة (شيعية المذهب)، بأنه يحارب شعبا كافرا لايؤمن بالله ، شعب يعاون ويساعد هذه الدولة الشيعي حيث لايريدون للأسلام خيرا ولايريدون له الاستمرار وهم يقفون بالضد من التطلعات القومية العربية في العراق، ومن المفارقات التناقضية انه اي صدام وبنفسه كان يقول وبأعلى صوت بأن للبعثي ولحزب البعث شرعية تفوق شرعية عمر بن الخطاب !! ومن لايصدق يستطيع ان يرى ويسمع هذا الكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي .

وفي المقابل، تناسى من دعم صدام وصفقوا وهللوا له بأن اكثر من 90% من الذين استشهدوا في هذه العملية والذين بلغ عددهم اكثر من مئة واثنين وثمانين الف شخص، كانوا من المسلمين المدنيين العزل، ولم يحملوا اي سلاح ضد هذا الجيش الذي عرف نفسه بحامي البوابة الشرقية، واكرر، بأنه اي (الرئيس وجيشه)، هم اول من استباح هذه البوابة الشرقية باحتلالهم للكويت، وهي دولة ذات اغلبية مسلمة ينتمي شعبها لنفس القومية التي ينتمي اليها جزء كبير من ابناء العراق . 

كما تجاهلت الدول والمنظمات الناطقة باسم الاسلام، بأن هذا الشعب ، اي شعب كوردستان، دخل طواعية الى دين الاسلام ولم يتسبب لهذا الدين، وبالتأكيد لن اتحدث عن صلاح الدين الأيوبي واولاده واحفاده الذين حكموا المنطقة بكل انصاف وحرية، لكن من يراجع تاريخ ثورات الكورد سيجد بأن اغلب القادة الذين تواجدوا في الصفوف الامامية من الحركة الكوردية كانوا من رجالات الدين الاسلامي، من الذين فهموا ماهية الاسلام اكثر ممن يتحدثون بلغة القرآن الكريم.

دعوني اقولها وانا افكر بصوت عال ، وبكل صراحة، بأنني افترض ان من حث وشارك مع صدام وعلي المجيد الذي لقب بعلي الكيمياوي بهذه الجريمة، يعلمون جيدا أن هذه التصرفات لايمكن لأي دين مهما كان ان يقبلها ولايجوز ان ترتكتب بحق اي من شعوب العالم حتى وأن كانت لاتؤمن بأية رسالة دينية سماوية، ولكن، ان كان العكس هو الصحيح، ستأخذنا هذه المعطيات الى نتيجة مفادها، أن من أيد هذه الجريمة حتى وأن كان بالكلام والشعارات وبكل قناعة، لايمكن ولايجوز ادراجهم في قائمة البشر.

ودعوني اسأل وبعيدا عن اية مشاعر عاطفية : أن كان لمن وقف في صف واحد مع صدام وجيشه حجته الضعيفة الهشة والمتمثلة في الاطار الضيق للقومية والدين لتبرير موقفه، أليس من العار لحكومات تمثل شعوبا (توصف بالمتحضرة)، ان تقف في صف رئيس وحكومة تبيد شعبها ابادة جماعية؟  الم تكشف الملفات السرية، تورط شركات وشخصيات ورجال اعمال من هذه البلدان المتحضرة في هذه الجريمة؟ في حين (أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبقرارها المرقم 96 (د- 1) والصادر في الحادي عشر من كانون الأول / ديسمبر لعام 1946، قد اكدت وبكل وضوح أن الإبادة الجماعية هي جريمة تتعارض مع الاهداف التي يؤمن بها العالم المتمدن)؟ 

اليوم وبعد اكثر من ثلاثة عقود على هذه الجريمة التي مازالت آثارها باقية على نفسية كل فرد من ابناء شعب كوردستان، وبرغم كل الادانات والقرارات التي تصدرها برلمانات العالم لتعريف هذه الجريمة كأبادة جماعية، الا تفكر الاطراف الدولية بوضع حد لهذه الجرائم التي مازالت تتكرر؟ وهل نسيت هذه الاطراف ماحصل في شنكار وما يعانيه المسيحيون في العراق من اضطهاد والتصرفات الاجرامية التي تستهدف الشبك والكاكايية والفيلية وكثير من المكونات التي باتت اساميها قصص تحكى فقط في كتب التاريخ؟

لكنني اكاد ان اجزم، بأن جميع الاطراف المعنية بهذا الموضوع، ومهما كانت ردودها وحججها وتبريراتها لأسئلة مازالت تتكرر بعد هذه الفترة التي نتج عنها جيل لايمكنه تناسي هذه الجريمة، أن استطاعت ان تجيب على الأمرأة (الكرميانية) التي مازالت تضع (اجلكم الله) احذية ابنائها وابناء اخوتها واخواتها امام باب بيتها وهي تنتظر قدومهم وهي تسأل : متى سيعودون؟ هذا ان عادوا اصلا حتى وان كانوا مجرد عظام لبشر دفنوا احياءا في صحاري العراق التي مازالت تصرخ من ثقل حملها، وكان آخرها صحراء السماوة، ان استطاعت ان ترد عليها وعلى سؤالها ، سيكون الوصول في حينها الى نقطة النهاية لهذا الموضوع سهلا وبسيطا جدا .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب