في ظل نفاق سياسي هائل، يحلو للبعض التسويغ لنظريات المؤامرة وذرف دموع التماسيح وإستحضار التوتر وإثارة الجدل في وسائل الإعلام من خلال الربط بين إستفتاء كوردستان في إيلول 2017، الذي دخل التأريخ المعاصر لشعب كوردستان كأحد اهم الاحداث الوطنية الخالدة، وبين هجمات إكتوبر من العام ذاته، وبين التغاضي الأميركي عن الحرب المفتعلة ضد الكورد وعدم القبول برسالة ريكس تلرسون وزير خارجية اميركا التي دعت الى إرجاء الإستفتاء، ويصفونها جزافاً، بالمبادرة الأميركية .
هناك حقائق كثيرة تشير الى أن فكرة الهجوم على كوردستان لم تكن وليدة يومها وليست لها علاقة بالإستفتاء، لأن المهاجمين الذين نفذوا الهجمات تحقيقاً لرغبات وأوامر خارجية كانوا قد تراجعوا عن الدستور وفكرة الفدرالية والشراكة والتعايش، وكانوا يفضلون رؤية داعش ورايته السوداء في تلك المناطق الكوردستانية على رؤية البيشمركة وراية كوردستان، وكانوا يتخبطون في الرهان على التناقضات وفي التعاطي مع الأزمات، كما كانوا منشغلين بمؤامرات وأهداف غير وطنية قبل ذلك بسنوات، وقبل ظهور داعش كانوا يقرعون طبول الحرب، ويستعدون ويعدون السلاح والعتاد لكسر إرادة الكورد وتجويعه وتركيعه، والأمثلة على ما نقول كثيرة.
أما رسالة تلرسون التي جلبت الإنتباه وأثارت الإهتمام، فقد كانت محرجة للكورد في بعض فقراتها، وخاوية من الضمانات والالتزامات والتعهدات والبدائل التي ستحل محل تقرير المصير لشعب كوردستان، كما كانت مبنية على تصورات خاطئة لدبلوماسيين أميركان كانوا يتمادون ويمعنون في غرورهم وطلباتهم وتجاوزاتهم، ويدّعون أنهم يقفون على مسافة واحدة من طرفي الأزمة، لذلك قلّل الداعون الى الإستفتاء من جدواها وأهميتها، وكشفوا عن الشكوك حول نوايا وإمكانيات صاحبها في التعامل بشكل مناسب مع التحديات العراقية والإقليمية الكثيرة، وتم إعتبارها رسالة لا تروج للاستقرار الدائم، ولا يمكن أن يعتمد عليها لأنها لا تلزم الجانب الأميركي بمبادئ مقبولة كوردستانياً، لذلك قرر الى الإستفتاء الإصرار على إجراء الاستفتاء وهم يتذكرون مواقف أميركية سابقة تجاههم، وتخليها المستمر عنهم في الظروف الحالكة .
ومن منطق معاينة الاحداث والوقائع وليس ما قيل في الاعلام، يمكن القول أن عدم تعاطي الأميركان بواقعية مع الأحداث، وسكوتهم ووقوفهم موقف المتفرج، او كما يحلوا للبعض القول موقف المحايد، أثناء الهجوم على كوردستان من قبل قوات الحشد والقوات الإيرانية وحزب الله اللبناني، وإستعمال الأسلحة والدبابات الأميركية ضد قوات البيشمركة وشعب كوردستان، لم يكن مفاجأة ولم يذهل أحدا ولم يكن خارج حسابات المراقبين الذين يتذكرون تصرفات الاميركان الملوثة مع حلفائهم من منطق الغدر تارة، أو طمعاً و رغبةً في تبديل الحلفاء القدامى بحلفاء جدد تارة أخرى. أو ممارسة لثقافة الاستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية الكامنة التي تتجسد في الرغبة بإبقاء قضايا الشعوب معلقة أو مؤجلة إلى مدى بعيد، التي تدحض كل الأوهام، او الإيمان بأن إطلاق التهديدات وممارسة الضغوط والعنف يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات وإن أدت الى الخراب والدمار والى نتائج غير متوقعة تلحق الخسائر بالجميع.
على العموم سنتذكر عام 2017 وكل ما فيها من دروس وعبر، ونتذكر المواقف الأميركية المخجلة واللامبالية، كما نتذكر صواب الذين رفضوا تأجيل الإستفتاء ولم يثقوا بالوعود الفضفاضة التي ذكرت في رسالة ريكس تلرسون. ونتذكر مواقف كل الذين ساهموا بشكل فاعل في تغيير المعادلة لصالح حكومة بغداد التي حاولت فرض شروط لا تنتهي وراحت تتحدث عن شمال العراق بدلا عن إقليم كوردستان، وعن حكم المحافظات وليس حكومة الإقليم.
ونُذكّر الذين يربطون بين الإستفتاء والتخلي الأميركي عن إقليم كوردستان أن: الكورد في كوردستان سوريا، لم يجروا الإستفتاء، وقاتلوا داعش والمنظمات الارهابية ببسالة متناهية ووصفهم الاميركان بالأبطال والأصدقاء والحلفاء، مع ذلك تخلوا عنهم بين عشية وضحاها، في إكتوبر 2019 وتركوهم تحت رحمة المدفعية والطيران التركيين وهجمات بقايا داعش والميليشيات والعناصر التابعة للتنظيمات المتشددة المعادية للكورد.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً