الأجواء الطيبة التي أحاطت بمهمة وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العاصمة بغداد قد تكون بداية العودة الى أساسيات الشراكة التي امتحنتها كل الظروف، لكنها لم تكسر الظهر القوي للأخوة العربية - الكوردية.
قبل ثلاثين عاما لم يجد ساسة العراق اليوم غير منتجع صلاح الدين مكانا آمنا لانطلاق عملهم الميداني بتقاطعاته المختلفة، وبعد ثلاثين عاما مازالت قلعة الحكمة في صلاح الدين مقصد السياسيين لحل مشاكلهم حتى داخل البيت الواحد. والسبب في الاتجاهين أن هناك رأي عاقل والتزام لا يتغير بالمغريات أو الضغوط، فالرئيس مسعود بارزاني آخاً للجميع، يحاور الشيعي بنفس المسافة من السني ليكون الانتماء القومي ركيزة لتركيبة البيت العراقي.
وعندما يقلب المرء أوراق الزمن بلا حسابات مضطربة يجد أن السلطة في العراق قد قست على الكورد بمختلف انتماءاتهم، لكنهم لم يغلقوا أبوابهم عندما ظلم داعش العراقيين السنة قبل غيرهم.
لن يكون الكورد ولا التركمان أو الايزديين أو المسيحيين أو الصابئة لاجئين في العراق لأنها بلادهم، وأشقائهم العرب لم يلدوا عدوانيين بالفطرة حتى لو أجبرتهم السلطة على ذلك، فكان البيت العراقي في غرب البلاد ووسطه وجنوبه مضيفاً للكورد في أصعب مراحل الفصل العسكري.
شواهد الزمن لا يغفلها العقلاء حتى لو دلست عليها أوهام السياسة. سنبقى عراقيون مهما اشتدت رياح الفتنة والظروف التي زعزعت أركان البيت العراقي قبل ثلاثين عاماً لن تعود الى الواجهة مرة أخرى، فملحمة السهل و الجبل لا تموت، كما أن الأميركان لن يحركوا أساطيلهم الى العراق مرة أخرى.
وأتذكر قولاً للرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل ثلاثين عاماً: "نحن لا ندافع عن نظام في العراق، بل نتحسب لانهيار استقرار الشرق الأوسط على أيدي أشقاء لا يعرفون ظروف المنطقة". وينطلق صديق أغلب رؤوساء المنطقة والشريك المهم في الدفاع عن حقوق الكورد في العراق، ينطلق من ثوابت كانت ولا تزال قريبة من الواقع، حيث العقل السياسي العربي لم يتعايش مع ثوابت الديمقراطية، بينما ستدوم عقدة "الزعيم الأوحد" شاخصة في عقول الجميع رغم متغيرات الزمن وشواخصه.
وما أحوج سياسيي العراق الجديد الى الاعتبار بخطر الدوران بنصف قطر لا تستوعب جميع الشركاء بقراءة واقعية للمتغيرات الاقليمية والدولية وقبلها صدق انتماء الكورد لأخوتهم مع العرب أنها شرارة ضوء الحقيقة، التي يجب أن تقتحم عقول المراهنين على الخطأ في التوقيت الأكثر فوضوية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً