رووداو ديجيتال
أصبح النظام العراقي بعد عام 2003 نظام هجين وفيه تناقضات كبيرة مابين الشعار والتطبيق، ومابين الشكل والمضمون، وهذا يتضح عن طريق عقلية المُشرع الذي يحاول أسلمة القوانين بشتى الطرق سواء أكانت منطقية أم دون ذلك ، وإعطاء صبغة مذهبية لمسودة المشروع الذي يراد تشريعه أو تعديله، ضمن معادلة المزايدات السياسية والانتخابية لكسب المزيد من الفواعل الاجتماعية بحجة نصرة المذهب والدين، والطائفة، والقومية.
كل ذلك على حساب بناء الدولة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة، وحتما إذا كان المُشرع الذي ينتمي لمذهب وطائفية وقومية يفكر بتغليب الهوية الفرعية، والطرف الآخر يفكر بنفس الشيء والمبدأ لايمكن أن تبنى الدولة، وهذا يؤثر تأثيرا مباشرا على المجتمع ويصبح تجمعات بشرية خالية من أي فكرة وطنية، تسود بينهم التفرقة، وتكثر فيهم الفتن، والنتيجة فوضى وبيئة مستقطبة للخرافة والعادات والتقاليد والأباطيل الدينية، فضلا عن الروزخونيات، في حين يفترض أن تكون ثقافة النائب أوسع وأكبر لأنه نائب عن العراق ومسؤول عن تشريع القوانين الاتحادية كما نصت المادة (61/أولا) من الدستور العراقي، ولا يقتصر التشريع على مصلحة فئة معينة، أو مذهب، أو قومية.
من ضمن التشريعات التي يراد أسلمتها هو محاولة تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المكون من (94) مادة، بحجة أنّ القانون المذكور لا يتناسب مع الشريعة الإسلامية، وما هذه الحجج إلا محض افتراء وتدليس على الشعب العراقي، لأن القانون هو من أفضل قوانين المنطقة وبشهادة متخصصين بالقانون سواء من مصر أم سوريا، والإمارات العربية المتحدة، ولكن المُشرع العراقي يفكر بطريقة مظلومية المذهب وهذا على حساب الهوية الوطنية الجامعية التي انصفها قانون الأحوال الشخصية.
يتضمن التعديل الجديد إضافة مدونتين دينيتين واحدة للمذهب الشيعي وأخرى للسني سيجعلها مقابل أحكام القضاء والقانون، وستحصل مشكلة وسيخل بمبدأ الفصل بين السلطات مثلما نصت المادة (47) من الدستور بأن "تتكون السلطة الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، أي أن المدونتين الدينيتين ستكون سلطة موازية لسلطة القضاء العراقي، وهذا سيجعل القضاء أمام فوضى وإرباك للمجتمع، الأمر الآخر أن النائب الذي تقدم بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية استند على مادتين من الدستور، الأولى هي المادة (2/أولاً/أ) والتي نصت على "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام"، والنائب الذي تقدم بمشروع التعديل تناسى وتجاهل نفس المادة بالفقرة "ب" نصت على "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية"، لأن الدين شيء والديمقراطية شيء آخر، كما أن النظام الإسلامي يكون الحكم لله بينما النظام الديمقراطي فيكون الحكم للشعب، أي وجود تناقض كبير بين الفقرتين، والأهم من ذلك أن الدستور العراقي لسنة 2005 هو دستور مدني وليس إسلامي.
أما المادة الثانية التي استند عليها صاحب مشروع تعديل القانون هي المادة (41) من الدستور والتي نصت على "العراقيون أحرار في الألتزام بأحوالهم الشخصية، وحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو أختياراتهم، وينظم ذلك بقانون"، علما أن المادة (41) تتناقض مع ما ورد في مشروع التعديل بالمادة (1) والتي أشارت إلى يعدل نص المادة (2) من القانون بإضافة فقرة (3) إليه وكالآتي:
أ- "للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تنطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية"، وبنفس الفقرة يوجد تناقض كبير بما ورد في بداية الفقرة "للعراقي والعراقية أن يختاروا" ومابين نهاية الفقرة نفسها "إذا حصل خلاف بين الزوجين بشأن المذهب الذي جرى إبرام عقد الزواج وفقا لأحكامه، يعد العقد قد أبرم وفقا لمذهب الزوج"، طيب إذا كان نص المادة (41) يقول العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، أي رجال ونساء، لماذا صاحب المقترح يلزم الزوجة إذا حصل خلاف بينهم باختيار مذهب الزوج؟، وهذا يعد إكراه ديني للزوجة ومخالفة صريحة للمادة (37/ثانيا) من الدستور والتي نصت على "تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني"، واستغرب من تقديم مشروع تعديل للقراءة الأولى ولا يتضمن بنود وفقرات المدونتين "الشيعية والسنية" إلا بعد ستة اشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون!
الإشكالية الأخرى بما ورد في الفقرتين (ث، ج)، ولاسيما ما يتعلق في "حالة تعذر تحديد الحكم المشهور في الفقه الشيعي الجعفري يعتمد المجلس العلمي رأي المرجع الديني الذي ترجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف، وفي حال تعذر تحديد الحكم المشهور في الفقه السني فيؤخذ برأي المجلس العلمي والافتائي"، وهنا لدينا خلافات كثيرة داخل المذهب والطائفة الواحدة أي كل فئة تريد تشريع يتناسب مع المرجع الذي تقلده، الأمر الذي سيؤدي إلى فوضى قضائية وخلافات لها بداية وليس لها نهاية، لذلك من واجب المُشرع الانتباه لمثل هذه القضايا الحساسة، وتشريع قوانين تخدم المجتمع وتُبرز الهوية الوطنية الجامعة على حساب المذهب والقومية والعرقية، وأن تعزز تماسكه واندماجه وليس انقسامه، لأن الانقسام أنتج لنا فوضى وقتل وتشريد، وإفراز حركات راديكالية متطرفة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً