حضور صلاح الدين الايوبي في معرض أربيل الدولي للكتاب

10-04-2025
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة صلاح الدين الأيوبي
A+ A-
الحاضرون في الاحداث الآنية هم الاحياء فقط بالمعيار المادي، أما الآخرون الذين يحضرون فهو دليل على حياتهم المعنوية، فلم يعيشوا مع الاحياء جسدياً، لكن حضورهم الطاغي يغطي على الجموع، لكن صلاح الدين الأيوبي هو من الأكثر حضوراً من بين كل الأحياء المغادرين للحياة وممن لم يغادروها، لأن بصمته وأسطوريته وخلقه الاحداث السياسية والدينية والجغرافية مازالت تأثيراته جارية، فهو المجدد الثاني للإسلام بعد عمر بن الخطاب ولم يأت الثالث بعدُ، هما الرجلان اللذان تمكنا من تحقيق رؤاهم على أرض الواقع، ووفقهم الله في التغيير العملي الشامل وليس التوقف عند حدود التنظير، وحضوره في معرض أربيل الدولي للكتاب كان مؤثراً في سير أيامه، فهو حيّ عظيم، وكل من يريد إماتته فهو يسخر من نفسه.
 
كان لنبأ حضور الكاره الحقود، الروائي المصري يوسف زيدان ضمن فعاليات المعرض في دورته السابع عشر - نيسان 2025 وقع الصدمة على المحبين للسلطان الناصر، لأنه بهجومه الخارج عن كل معايير حرية التفكير والرأي تجاوز جميع القيود الأخلاقية التي ترافق ممارسة حق النقد للأشخاص والأفكار، زيدان كان قد وصف صلاح الدين وهو مصرّ على ذلك بأنه من أحقر الشخصيات التاريخية، الذي اعتبره غالبية الشعب الكوردي إنه تجاوز الخطوط الحمراء وأساء الأدب مع الشخصية الكوردية الأكبر في التاريخ، وبناء على القوانين المعمول بها في إقليم كوردستان قُدِمت دعوى قضائية ضده لدى الادعاء العام، زامنها هجوم شديد عليه مما أجبره على التراجع عن حضوره والقائه الكلمة التي كانت مقررة له ضمن برنامج فعاليات المعرض.
 
شدّ وجذب كبير حصل في الشارع الثقافي الكوردي، بين أقلية شيوعية ويسارية - وليس كلهم - مؤيدة له وغالبية معارضة، وعلى إثره تناول الإعلام بمختلف مجالاته شخصية السلطان صلاح الدين والتعريف الإيجابي به، إلى درجة إعتماده والإفتخار القومي به وليس الديني فحسْب، اجتمع غالبية العلمانيين والإسلاميون على أنه القمة الشاهقة لمساهمة الأمة الكوردية في بناء الحضارة الإسلامية، وإنه مصدر الإلهام والشموخ.
 
الكارهون لصلاح الدين الأيوبي
 
هناك أربع جهات عيونهم لا ترى صلاح الدين، ونفوسهم لا تتحمله، وعقولهم لا تعي ولا تنتج غير السلبيات القادحة - من منظورهم - لعظمته، ويعملون في سبيل كسر رمزيته التي لا تضاهى:
 
1- القوميون العرب الذين ينكرون حقائق التاريخ، هؤلاء إما بعثيون، أو ممن يحسبون على بقايا الناصرية. هؤلاء يعملون من أجل تغيير الجذر العرقي لصلاح الدين، ليس حباً به، وإنما رفضاً لكل مجد أو وجود للقوميات الأخرى، خاصة أن السلطان هو من حرّر بيت المقدس عندما خانته العواصم العربية كلها على حدّ تعبير الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله).
 
2- أعداء الشعور الديني الإسلامي من الكورد، وهؤلاء من أغبى ما يكونوا، ففي وقت تعمل الأمم على خلق أساطير تاريخية لها من أجل الإستناد إليها والتجمع الوحدوي حولها، يأتون وبذريعة أنه لم يؤسس للكورد دولة كما فعل الفرس والترك والعرب، ويقدمون الخدمة لمن يكرهون كوردية صلاح الدين، وهم مخطئون عندما يحاكمون السلطان بمقايسس القومية الحديثة التي جاءت بعد صلاح الدين بأكثر من ستة قرون من الزمان.
 
3- المتشددون من الباطنيين، سبب هؤلاء معروف، فالرجل قلّب الأمور كلها على رأسهم في مصر الكنانة، وحدّد هوية جديدة للشعب المصري هي ذاتها لحد الآن، ومنها انطلق لتحرير المسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي، وأحيا المذهب السني في بلاد الشام ومصر كما فصل عبدالرحمن عزام الباشا في كتابه - صلاح الدين الأيوبي وإحياء المذهب السني -.
 
4- الصهيونية، بالنسبة إليها إن صلاح الدين الأيوبي هو البعبع الذي يعيش معهم، لأن الأمة الإسلامية كلها ترنوا إلى من يأتي ويحذو حذوه في العمل ويتبع سياساته تجاه القدس، وإسم السلطان الناصر المنصور مثل الترنيمة على الألسن والأمنية التي لم تتحقق بعد، فكسر هذه الرمزية من ثوابت السياسة الصهيونية في المنطقة الإسلامية كلها.
 
لقد قيل الكثير عن يوسف زيدان في الاعلام الكوردي، لكن لم يحدد بالنقاط سبب كره لصلاح الدين، فهو من الناكرين لكورديته، ويتهمه بأنه سفك دماء الفاطميين وخان ثقتهم به، لكن يمكن تحديد الدوافع الكامنة وراء حقده له بأربعة:
 
1- وصل بعض الباحثين إلى أن المصريين أصحاب الصدر الثقافي الضيق منهم، لا يتحملون حكم الآخرين لهم خلال فترات تاريخية فارقة، مثل النوبيين، والفاطميين القادمين من الشمال الأفريقي، ويدخل صلاح الدين في ذات الدائرة.
 
2- إن اختصاص زيدان الأكاديمي هو التصوف الفلسفي، التصوف القائم على وحدة الوجود ووحدة الشهود، وكان صلاح الدين من المكافحين لهذا النوع من التصوف وعمل على التصوف الملتزم الذي يربي الانسان تربية روحية سلوكية فاضلة.
 
3- إن هذا التصوف له وجه باطني، غيبي في فهم النصوص، وبذلك يلتقي مع الحركة الباطنية التي أطاح بها صلاح الدين في القاهرة، وأسس مدارس تدرس فيها المذهب الشافعي في الفقه والأشعرية في تفاصيل العقيدة وفهم الإمام الغزالي في السلوك والتربية، هنا يلتقي زيدان بالشيعة الباطنية منهم، وحسب رأي متحدثين فإن إيران ليست بعيدة عن زيدان في جهوده.
 
4- الصهيونية التي لا تألو جهداً في تحطيم رمزية وأسطورة صلاح الدين الايوبي، وقد لقي من الألسن والأقلام العربية في بعض الدول من يعاونها على ذلك.
 
لهذه الأسباب وقد يكون غيرها، يتلفظ الروائي المصري بعيداً عن كل الشروط الأخلاقية ويأتي إسم هذا العظيم الحيّ التاريخيّ على لسانه.
 
مناقشة حجة كوردية
 
أقصد بالكوردية هنا مجردّ انتماء القائلين بتلك الحجة إنهم ينتمون الى القومية الكوردية، وليس بمعنى الكورد من حيث العرق والدم، إن هؤلاء ممن يتبنون الرؤية المعادية للدين، يبحثون عما يجد صدى لدى الشارع لقدح شخصية صلاح الدين من خلاله، ولم يجدوا ما يوافق الهوى الكُوردي ويسعفهم في ذلك سوى مقولة إن صلاح الدين لم يؤسس دولة للكُورد كما فعل الآخرون، وبالنظر الى الظروف التي مرّ بها الشعب الكُوردي خلال القرن الماضي، يتفاعل الكسالى مع هذه المقولة، وهي لا تثبت على الإطلاق كمعيار لقياس صلاح الدين به، لأن الواضح إن فكرة القومية في صورتها الراهنة حديثة على الأمة المسلمة، ظهرت في الغرب وجاءتنا من هناك، وكان لها الأثر السلبي في تفكيك الاجتماع الإسلامي على أسس العرق واللسان، بمعنى أن زمن صلاح الدين وقبله وقرون بعده، لم يكن لهذا الفيروس الفتاك وجود في الحياة، وكان الزمن زمن الأديان والأفكار والإمبراطوريات، وليس زمن الدول القطرية والمجتمعات الممزقة، حتى العثمانيون، هم أيضاً كانوا إمبراطورية، وتأسيس الدولة التركية الحديثة هي من الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى، وهم أنفسهم من حرموا الأمة الكوردية من الدولة في سايكس - بيكو وليس صلاح الدين الأيوبي ولا الظلم الإسلامي.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عباس عبد شاهين الفيلي

انجاز دهوك الخليجي وآمال إحياء نادي الكورد الفيلية

استوقفتني لحظة الفرح الغامرة التي عاشها العراقيون بفوز نادي دهوك بكأس بطولة أندية الخليج العربي لكرة القدم، لاسيما بعد أن قدم صقور الجبال أداءً لافتاً استحقوا من خلاله هذا التتويج التاريخي، والذي لم يكن ليتحقق لولا وجود هيئة إدارية ناجحة وضعت خطة واضحة لرفع مستوى النادي والمنافسة بقوة في البطولات المحلية والدولية.