بعد 12 عاما تقريبا من إنتفاضة الشعب السوري لإسقاط النظام السوري حدث ما كان متوقعا وسقط الحكم الأسدي وفّر بشار تاركا بلده للمجهول بعد ان تعرّض اغلب الشعب السوري للقتل والتهجير والاغتصاب وكان بإمكان بشار ان يجّنب الشعب كل هذه الويلات لو أنصت للضمير الانساني و ترك المنصب في عام 2012 بكرامته محتفظاً بإنسانيّته وملاقيا ربّه بوجهٍ حسن، إلا إنه أخذته العزة بالاثم ورفض أكثر من مرة عرضاً تركياً للتفاوض والتنسيق لضمان إستقرار وسلام وطنه والشعب السوري.
علينا الان ان نسأل ماذا سيحدث في اليوم التالي؟! أغلب اطراف المعارضة إجتمعت حول هدف واحد وهو إسقاط الأسد ولكن الجميع لم يفكر او بخطط لليوم التالي بعد الأسد ! عملية إنتقال السلطة الى قيادة جديدة تحتاج الى ضابط إيقاع أو عرّاب يرتّب وينسّق العملية السياسية الجديدة مع (فلترة) الطبقة السياسية مثلما حدث سابقاً في العراق عندما هنّدس بريمر النظام السياسي الجديد، إلا أن سوريا اليوم تفتقد الى ذلك العرّاب الذي يمكن ان يعبر بالبلاد الى نظام سياسي بديل عن الأسد لتأمين تداول سلمي للسلطة.
ولذلك وضع سوريا سيكون قلقا جدا في الايام المقبلة مع بدء عملية تقاسم المغانم السياسية ومناطق النفوذ الداخلي والذي سيكون للعامل الطائفي والقومي التاثير الكبير على تقاسم السلطة، واذا قرأنا المشهد الحالي فاننا لا نرى سوى الجولاني او الشرع كما (يسّمي نفسه الآن) وهو المعروف بخلفيته الإسلامية المتطرُفة وماضيه الأسود مع البغدادي وان يحاول الان ان يُظهر نفسهُ بإعتباره السياسي المعتدل والهادئ الباحث عن الإصلاح والعدالة الإجتماعية إلا أن هذه الطريقة أصبحت معروفة بالمنطقة واستخدمها البغدادي سابقا ومن ثم إنقلب على الجميع ومارس البطش والقسوة المفرطة مع الحلفاء والخصوم وقبلهم عامة الناس وبالتالي سيكون الوضع الجديد مقلقا جداً لباقي الفصائل والشخصيات المعتدلة والمدنية منها والتي كان لها الفضل في إشعال شرارة الثورة قبل 12 عاما وهم يمثلون نخب المجتمع السوري من التكنوقراط كما وتوجد جماعة الاخوان المسلمين وهم موجودون في المدن السنيّة وخصوصا في مدينة حماه وهي من انتفضت على الأسد الأب عام 1982 وحينها أذاق أهل حماه شتى أنواع الجرائم واليوم بالتأكيد سيطالبون بحقوقهم المسلوبة منذ ذلك التاريخ والبشير يمثل الحكومة المدنية المؤقتة.
واذا ما انتقلنا الى الطرف الاخر فإننا نجد فصائل (قسد) تبحث عن مشروعها الانفصاليّ او على الأقل الإقليم الكوردي، وهو ما يرفضه الجميع داخليا وخارجياً.
وقد بدأت عمليات تطهير المناطق العربية التي يسيطر عليها (قسد) بعد الدخول لدمشق مباشرة وهو ما يؤشر مدى رغبة المعارضة السورية في كبح جماح (قسد) وغيرها من الأطراف الباحثة عن تقسيم سوريا او (أقلمتها) على الاقل.
وهناك قلق كبير اضافي بين الفصائل السنيّة المسلحة نفسها ! فالنصرة لديهم مشروعهم المشبوه المتطرف وكذلك داعش لم تنقرض بعد وانما لديهم خلايا نائمة تستيقض هنا وهناك في البادية بالاضافة الى فصائل صغيرة اخرى ربما يكون لها دور في الإقتتال الداخلي المتوقع بين كل هذه الفصائل وبمختلف المناطق السورية.
بالمحصلة المرحلة الانتقالية القادمة حبلى بالصراعات المتوقعة والمفاجئة وبالتالي على من يمتلك القرار الان في الشام ان يجعل التجربة العراقية ماثلة امام عينه وأن يتجنّب بكل الوسائل (عرقنة) سوريا لإنها إذا ما كرّرت السيناريو العراقي أو الليبي لا سامح الله فإنها ستمضي عشر سنوات أخرى بحثا عن الاستقرار والأمان وسيحترق ما تبقى من الأخضر واليابس في سوريا.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً