مؤلمٌ مؤسفٌ ما يحصل في كركوك، إنما هو استغلال من قبل اطراف داخلية وخارجية لتوظيف الازمة سياسياً عبر الإعلام ولغايات معروفة، والعمل عن طريق التوظيف الإعلامي خلق اضداد نوعية داخل مكونات كركوك السياسية وحتى الاجتماعية، والهدف هو مكاسب انتخابية، فضلاً عن تقاسم مغانم في بيئة خصبة للازمات، لان وضع المحافظة يختلف عن باقي المحافظات بسبب التنوع الديموغرافي، القومي، والعرقي، والديني، وهذا ما يجعل الامر اكثر خطورة بسبب التوظيف السياسي لهذا التنوع على حساب مكونات اخرى من كركوك، الامر الذي فتح الباب لفواعل سياسية من قبل دول الجوار للدخول على خط الازمة.
وهذا قد يُشعل فتيل ازمة نزاع ولربما يتحول إلى صراع لان العوامل المساعدة على ذلك متوفرة في كركوك، وهذا واضح من خلال تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان تجاه التركمان والدفاع عنهم بأي شكلٍ من الاشكال، وهناك ربط آخر لما يحصل في كركوك وهو الاتفاق ما بين بغداد وطهران على نزع سلاح المعارضة الإيرانية وتسليم المطلوبين ونقل مقراتهم إلى مناطق بعيدة عن حدود إيران، إذ أن هناك فاعل سياسي من خارج محافظة كركوك يحاول الضغط على الحزب الديمقراطي الكوردستاني داخل المحافظة عن طريق اللعب على أكثر من ملف من أجل الحصول على موقف بشأن دعم المعارضة الإيرانية داخل اقليم كوردستان.
ومن هذه الملفات هو عرقلة تطبيق ورقة الاتفاق السياسي والتي اصبحت رهينة المقايضة التي يستخدمها الإطار التنسيقي تجاه الشركاء في تحالف إدارة الدولة ويعمل على توظيفها سياسياً مقابل الحصول على تنازلات وخفض سقف المطالب، على سبيل المثال ورقة الاتفاق السياسي مكونة من (40) نقطة مقسمة إلى محورين تنفيذي واخر تشريعي، (30) نقطة تخص المناطق المحررة والتي يمثلها السيادة، و (10) تخص كوردستان ومنها (3) نقاط تخص محافظة كركوك ولاسيما التي تتعلق باعادة المقرات (33)، فضلاً عن تشكيل افواج طوارىء شرطة من ابناء المحافظة حصراً، وكذلك ما يتعلق بإجراء انتخابات مجلس المحافظة بالتزامن مع باقي المحافظات.
لغاية الان لم يطبق اي بند من بنود الاتفاق، وهذا يؤشر على ان تركيا وإيران عن طريق اذرعها في العراق لا ترغب بتنمية مستدامة في اقليم كوردستان لانها تخشى من نجاح التجربة وتنتقل إلى داخل اراضيها.
لدينا مشكلة اخرى تتعلق بالسرديات والرويات التأريخية لمحافظة كركوك، مثلاً الكورد متمسكين بإحصائية عام (1957) في زمن الملكية، والتركمان ايضاً لديهم سردية خاصة بهم، والعرب ايضاً لديهم رواية تتحدث عن تاريخهم وثقلهم في كركوك، وهذا مؤشر على عمق الازمة بين اطياف المحافظة، فما بالك بالتوظيف السياسي لهذه السرديات لتقوية طرف على حساب اخر من قبل فواعل سياسية؟ ومن نافلة القول أن المجتمع العراقي مثقل بالاجابة عن الاسئلة القديمة، لأن تأريخنا متداخل وليس متعاقب، وقد شبه الدكتور علي الوردي التأريخ كإنسان يمشي قدما للامام واخرى للخلف، أما الذي يحصل في مجتمعنا بصورة عامة هو الرجوع للخلف أكثر من التقدم للامام، جون ديوي يقول "تتقدم الشعوب ليس لانها تجيب عن الاسئلة القديمة بل لانها تتجاهلها"، والعراقيون مثقلون باسئلة وتراث يحولان دون التقدم، نفس المشكلة ونفس العادات والتقاليد والاباطيل والخرافات وهي في تزايد وهذا يدل على اننا نهرب من الاجابة عن أسئلة عصرنا ولا نواجهها.
هناك مقولة جميلة جداً في علم الكلام تقول "النصوص متناهية والوقائع غير متناهية" لا يمكن هذا الواقع بضخامته تفرض عليه نصا او عادة او تقليدا، أو فكرة لا تنسجم مع واقع التنوع في كركوك، لاسيما وإذا ما تطرقنا عن مشكلة جوهرية تكمن في وجود تجمعات داخل العراق وليس مجتمع، وعلماء النفس يفرقون بينهما لان الاول يميل للعادات والتقاليد، والمذهب، والعشيرة، والسلاح، والثاني متماسك يميل للدولة والدستور والقانون، وهنا العراق كدولة يتيم لا احد يدافع عنه.
أزمة الخطاب بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني هي جزء من مشكلة كركوك والذي عزز هذا الانقسام والخلاف طرف سياسي داخل تحالف إدارة الدولة ووظف هذه الخلاف سياسياً حتى يستفيد من الانقسام الكوردي الكوردي مثلما يستفيد من الانقسام السُني السُني وهذا يبرز بصورة واضحة على ساحة كركوك والتوظيف يكون بشكل وكأن هناك حالة حرب للاسف، وهذا الامر الذي يُرجح فرضية تأجيل الانتخابات المحلية في كركوك إذا ما استمر هذا الخلاف، وقد تكون قنبلة موقوتة تنسف العملية السياسية بالكامل.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً