شاكر الجبوري
لم تكن كركوك يوماً مدينة قومية، فهي بيت الجميع من عرب وكورد وتركمان ومسيحيين، إنها الوجه الناصع للعراق المتجانس.. صحيح أن التركمان لا يمتلكون بيتاً غيرها، لكن العرب والكورد هم أقدم من تعريبها وتكريدها.. كركوك أقوى من أزمنة المغامرين في بورصة العقد النفسية.
لو تركت أمور كركوك لأهلها لما أثخنت جراحها بالتبرير والتهويل والتضليل.. فلا غالب أو مغلوب في البيت الواحد.. شعب يعرف جيداً طباعه ويتعامل بلغة مشتركة لا تفصلها اللهجات.. لا بل أن الكردي والعربي والتركماني يتحدثون بلغات بعضهم كعنوان على التجانس الروحي والمكاني، فحتى تسمية كركوك هي العنوان الكبير الذي يخطئ في قراءت تفاصيلة ضعاف البصر السياسي.
كركوك ليست مزاداً انتخابياً لأنها بوصلة التوازن العراقي، فلا الشروال يستفز العقال ولا الكوفية أو القلنسوة مصدر قلق شعبي.. كركوك هي العراق المصغر بكل معانيه، والسلم الأهلي فيها ليس وصفة طبية أو عملية تجميل طارئة، بل هي تراث مترامي الأطراف من العادات والتقاليد الصادقة. بساطة أهل كركوك أعمق من الغمز واللمز السياسي والنصائح العابرة للحدود.
التعريب أساء إلى خارطة كركوك وباقي المحافظات ليس من باب القلق من الوجود الكوردي في الأنبار والعمارة والناصرية والمثنى بل لأن الجغرافيا النفسية تشكو التجانس مع الزمن الآخر.. فالذي تعود على رائحة نفط عين زالة وصبر جبل بور يبقى غريباً في دواخله، والحال متشابه لأن العربي لم يختر طواعية ترك دياره في الوسط والجنوب.. ما ألعن مغريات المال عندما ينقصها الضمير.
أبعدوا كركوك عن حسابات الربح والخسارة الانتخابية والمبالغة حتى في وصف تنقلات الناس بين أحيائها، ستكتشفون أن أهل كركوك أكثر وعياً من غيرهم، لم ينجروا إلى مواجهات قومية ولم تُكبر أصوات المساجد والكنائس، فما لكركوك مختلف عن غيرها.
صحيح أن دول الجوار تنسج خيوطاً مبهرجة لاختراق مجتمع كركوك، لكن الصحيح أيضاً أن القومية ليست مصدراً للقلق حتى لو تحلق بها مغامرون من جميع المكونات.. مثلما ليس من المنطقي اتهام الكورد بالعنصرية لأن صوتاً خرج عن المنطق، مقابل أصوات بُحت لإشاعة الفتنة بلهجات مختلفة.
الواقعية ومنع الأحزاب من تحويل الاستقرار إلى سفرة جماعية في كركوك عنصران أساسيان لجميع المعالجات، ما يستوجب إغلاق أبواب فتنة الصراع القومي التي يحمل لها البعض المزيد من الحطب.. بدون استقرار كركوك سيضيع العراق.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً