نساء بلا سند

07-09-2023
شفان إبراهيم
الكلمات الدالة سوريا
A+ A-
 
تقول المرويات حول حقوق المرأة وحصتها في الميراث، إن عيباً كبيراً يُلاحقهن لو طالبن بحقوقهن من أخوتهن أو أبائهن، تلك الحقوق التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية منها، يعود الرجلُ من الجامعِ وقد تُليت عليه آياتٍ من الذكر الحكيم، من بينها حقوق النساء والأخوات، يهزون رؤوسهم ويتحدثون لمن حولهم عن تلك الحقوق، وما أن يصلوا المنزل، حتّى يرمون تلك الأفكار وأحاديثهم، ويتناسون الآيات القرآنية. 
 
في سردية أخرى قالت العديد ممن التقى بهن معد المادة، إن أخوانهم يحملون من ازدواجية المعايير وتعدد الاوجه ما لا يُطاق، فهم يحرموننا من حصصنا من أملاك أجدادنا وأبائنا، ويعصون الشرع والعرف والإنسانية، ويصفوننا بالجاحدات إذا ما طالبنا بحقوقنا، لكنهم في نفس الوقت، يوصون ابنائهم الذكور بحصص أمهم وأخواتهم سواء المتزوجات أو العازبات، أيُّ كذب ونفاق ورياءٍ يتحلون به هؤلاء؟.
 
ودرجت العادة على حرمان النساء من حقوقهن الاقتصادية في شمال شرق سوريا، ومن حيث شكل الموضوع فإنها تعود لثلاث قضايا مُركبة، أولها: حجة العيب والعار، إذ كيف للنساء أن يمتلكن، والأكثر إجحافاً بحق الإنسانية إن القضية لاتزال موجودة حتى الوقت الراهن، وثانيتها: الأولوية للذكور على الإناث في التملك وحق التمتع بصرف الأموال، وثالثتها: نمط التعامل مُريح ولا يستجلب المتاعب لكبار السن، فالحجة جاهزة ومقاطعة صلة الرحم تُصبح كالعصى المُلوحة في حال رفض النساء لذلك. 
 
لكن من حيث المضمون فإنها تعود لسببين مُركبين، الأول: الجشع والطمع وعدّم الاكتراث بمصير أخواتهم وأبنائهم، والثاني: رغبة الأخوة في نقل الملكيات إلى أبنائهم وبناتهم عوضاً عن حقوق أخواتهن. ومن حيث الحُجة فإنها تقوم على مُبرر كاذب، قوامه أن زوج الأخت غريب عن العائلة ولا يجوز سيطرته على الأملاك، خاصة الأرض الزراعية والمحال التجارية، لما لها من حساسيات عائلية ومجتمعية، تتعلق بالوزن العشائري والعائلي المستند إلى حجم الأملاك والمساحات المزروعة، لكن الموضوع يبقى هو نفسه حتّى في حال كان زوج الأخت/الأبنة من نفس العائلة، أو ما يُعرف بزواج أبناء العمومة.
 
علماً أن المساواة بين الجنسين تقع في صميم قيم حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وتعتبر المساواة وعدّم التمييز مبادئ أساسية لميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمده قادة العالم في العام 1945، وبالرغم من وجود القوانين والمواد الدستورية التي تحمي حقوق المرأة وتحث على المساواة، لكن في هذه القضية تحديداً، فإن العرف الاجتماعي والعادات والتقاليد هي التي تتحكم، ولو تقدمت سيدة برفع قضية تملك فإنها تتحول لقضية رأي عام، وعامة بكل افراد العائلة والقرية والعشيرة، وستتم مقاطعتها ليس فقط من قبل أخوتها، بل من قبل أقاربها، خشية أن يصل مد المطالبة بالحقوق لغيرها من النساء. 
 
مع أن النساء والفتيات يُشكلن أكثر من نصف سكان شمال شرق سوريا؛ نتيجة هجرة الشباب أو فقدانهم لحياتهم في الحرب، وتالياً فإن النساء يقدمن نصف الإمكانيات الممنوحة في هذه المنطقة، لكن المساواة لاتزال غائبة بين الجنسين، وبالرغم من كونها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وأمراً ضرورياً لتحقيق التنمية الاقتصادية والسلام في المجتمع، وزيادة الانتاجية والتحفيز على العمل، لكن المشكلة أن التركيب الاجتماعي في شمال شرق سوريا لايزال يمنع مثل هذه الأفكار من التطبيق، ويبدو أن الطريق معبد بالمسامير لتحقيق المساواة بين الجنسين، ومبدأ تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، علماً أن أعداداً كبيرة من النساء، وخاصة في هذه الظروف الصعبة، ومنهم من فقدن أزواجهن، يعيشون ظروفاً بالغة السوء، ومع حرمانهم من حصصهم في أملاك ذويهم، فإن انخراطهم مع أبنائهم ضمن دوائر العنف وخطاب الكراهية أمر وارد جداً. فالألفاظ والعبارات التي يستخدمها الأبناء ضد من حرم أمهاتهم من حقهم في الميراث، كفيل بخلق حمولة وسيولة ضخمة من النعوتات المتحكمة والمؤثرة على سلوكياتهم وتصرفاتهم تجاه الآخر الذي يصفوه بالظالم، وتالياً فإن العنف من المُمكن جداً أن يتعشعش في نفسيات الأبناء ضد الآخر.
 
ومن الآيات المدافعة عن حقوق المرأة في سورة النساء: قوله الله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ" وهو دليل أن المرأة ترث أحياناً أكثر من الرجل وفقاً لحالات كثيرة تتعلق بتوزيع الأملاك بعد وفاة الأب/الرجل صاحب الأملاك في حالة غياب الأبن، أو بقاء الأب والأم على قيد الحياة وغيرها مما هو واضح في هذه الآية الكريمة، ومع ذلك  لايزال الرجل يستعدي أخته، ولو كلفه ذلك عداء الدين نفسه.
 
بالنسبة ليّ، لا استغرب ولا استبعد ولن أندهش أن أرى المرأة في شمال شرق سوريا وهي تقود ثورة ضد الانظمة الأبوية والاجتماعية البطريركية التي تحرمها من حقها ودعم ابنائها به، ضد أعرافٍ اجتماعية تُضحي بالمرأة ومكانتها في سبيل الأخر الذكر. 
 
وتتساءل بعض النسوة، لنا أخوة لا يعملون، ولا يصرفون على المنزل، ليست لهم قيمة اجتماعية، ولا دور في أيّ محفل أو قضية أو مُشكلة، فكيف يتميزون عنا، هل التفضيل والأولوية فقط كونه يملك عضواً ذكرياً بارزاً، ونحن ما ذنبنا. وإذا كانت الرجولة والذكورة محصورة بين افخاذهم، فبماذا يختلف الرجل العالة على أهله، والسارق لورثة أخواته عن أيَّ دابة تمتلك هي الأخرى عضواً ذكرياً بارزاً.
 
لابد من القول أن المرأة في الشمال الشرقي من البلاد رائدة في مجال التحركات النسوية، ولها باع طويل في الدفاع عن حقوقها، واصبحت اليوم جزءاً أساسياً من تركيبة الحياة الاجتماعية، هكذا هي صيرورة الحياة، لكنها لاتزال تصطدم بجملة من العراقيل، من أهمها وأخطرها حصتها في ميراث أهلها.
 
ملاحظة: تم أعداد هذه المادة بالتعاون مع تحالف مشروع حق المرآة بالميراث (تاء مربوطة - مركز سمارت - نوجين) دعم من مركز الدعم المجتمعي.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عباس عبد شاهين الفيلي

تحديث سجل الناخبين ضمان لمشاركة فاعلة للكورد الفيليين بالانتخابات

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.