ترمب ضد المؤسسات.. صراع غير مسبوق على شكل الدولة

03-04-2025
سهاد طالباني
الكلمات الدالة ترمب
A+ A-
منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة، بدا أن دونالد ترمب لا يسعى لإدارة الدولة بالطرق التقليدية، بل لإعادة صياغة قواعد الحكم نفسها. فخلال أسابيع قليلة، بدأ في تفكيك التوازنات القائمة، وفرض سلطته بطريقة غير مسبوقة في التاريخ الاميركي الحديث.
 
اعتمد ترمب على الأوامر التنفيذية، لا كأداة لتطبيق سياسات عامة فحسب، بل كوسيلة مباشرة لاستهداف خصومه ومعارضيه، سواء من داخل الدولة أو خارجها. ولم يتردد في استخدام الجهاز البيروقراطي للضغط على الجامعات، وتجميد التمويل، وتهديد القضاة، وإقصاء الأصوات غير الموالية داخل مؤسسات الدولة. هذه الديناميكية الجديدة ليست مجرد إدارة في صراع سياسي، بل تجسد بشكل واضح مشروعا لإعادة تشكيل النظام بالكامل.
 
في هذا السياق، يُفهم سلوك ترمب كرغبة في احتكار القرار داخل الدولة، وتهميش كل مركز قوى يمكن أن يحد من اندفاعه. وقد وصف البروفيسور بيتر شين من جامعة نيويورك هذا التوجه، في تصريح نُشر في رويترز، بأنه "سعي متكامل لإغلاق كل مصدر مقاومة محتمل أمام أجندة ترمب وقوته الشخصية".
 
أمام هذا التوجه، لم تكن المؤسسات الأميركية مستعدة بالكامل. البعض لجأ إلى التهدئة، والبعض الآخر الى المواجهة، بينما وجدت قطاعات كثيرة نفسها عاجزة عن التفاعل بسرعة. مؤسسات كبرى، مثل جامعة كولومبيا وشركات محاماة عريقة وشركات مثل ميتا وديزني، اختارت أن تتنازل أو تتفاوض بدلاً من التصعيد، لتجنّب التعرض لضغوط تهدد وجودها. وكما نُشر في رويترز، فإن أكثر من عشرين مؤسسة كبرى في القطاع الخاص الأميركي تخلت عن برامج تنوع أو مواقف عامة لتفادي استهداف مباشر من إدارة ترمب.
 
ما يثير الانتباه أن استخدام ترمب للقوة لم يكن دائماً رسمياً أو مباشراً ، بل جاء أحياناً عبر رسائل سياسية رمزية موجهة لقاعدته الشعبية، كما أشارت أستاذة العلوم السياسية كلير ووفورد، في تصريح لها نُشر في رويترز إلى أن ترمب "اختبر حدود سلطته من خلال الأوامر التنفيذية، ووجّه إشارات إلى أن الدولة يجب أن تتحرك كما يشاء، لا كما تنص عليه الأعراف".
 
سياسة ترمب امتدت إلى العلاقات الدولية، حيث مارس ضغوطا غير مألوفة على دول حليفة، وربط قضايا اقتصادية بأهداف سياسية داخلية. فقد لوّح بقطع الدعم عن أوكرانيا، وهدد حلفاء مثل الدنمارك، وحتى تحدث عن ضم كندا وإعادة السيطرة على قناة بنما.
 
على الصعيد القانوني، ورغم محاولات تقويض استقلال القضاء، قاومت بعض المحاكم الفيدرالية محاولاته، ونجحت في وقف عدة قرارات تنفيذية. في المقابل، لم يتردد هو ومساعدوه في الدعوة لعزل قضاة، ما أثار انتقادات حادة، منها ما عبّر عنه رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، كما أشار تقرير رويترز.
 
وفي تعليقه على هذا النهج، قال والتر أولسون، الزميل البارز في معهد كاتو، كما نُقل في رويترز: "ما يقوم به ترمب من تقييد للقضاء واستهداف للمحامين هو سلوك مستبد".
 
ومع أن البيت الأبيض رفض مرارا اتهامات الانتقام السياسي، مؤكدا أن الشعب انتخب ترمب لتطبيق رؤية غير تقليدية، فإن الطريقة التي يدير بها ترمب سلطته، لاسيما في بدايات ولايته الثانية، أظهرت فهماً أعمق لمفاتيح النفوذ، وقدرة أكبر على استخدام الدولة لفرض الهيمنة السياسية، كما قال مستشارون جمهوريون في تصريحات نُشرت في رويترز.
 
ختاماً، لا يمكن قراءة تجربة ترمب بمعزل عن السياق الأميركي، لكنها بكل تأكيد تمثل تحوّلًا جذرياً في مفهوم الحكم الرئاسي، حيث تتحول الدولة إلى ذراع شخصي، وتُعاد صياغة قواعد اللعبة السياسية لتتماهى مع إرادة رجل واحد.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عباس عبد شاهين الفيلي

تحديث سجل الناخبين ضمان لمشاركة فاعلة للكورد الفيليين بالانتخابات

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.