الحرب في غزّة.. تحليل للموقف العراقي

02-11-2023
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة العراق غزة أميركا ايران
A+ A-
 
يصعب تحديد الموقف العراقي تجاه أحداث غزة، ففي البلد الكثير من الرؤوس القيادية والجهات التي تؤثر مباشرة على الاحداث وموقف العراقيين منها، والدولة كمؤسسة هي الأضعف منها، فهناك الدولة والجماعات وهي أنواع منها المقربة جداً من الإيرانيين ومنها بين من تحاول الظهور بالمظهر الوطني وأخذ فاصل من طهران، ومنها الكيانات والأحزاب المدنية التي لا تمتلك سلاحاً، وكل موقف يصدر من أي من هذه الفئات تؤثر على النظر الأميركي للبلد الذي كان المفروض أن يكون أقرب الدول اليها.
 
وهنا نتجاوز في الحديث التصريحات التقليدية التي ترى الحق للشعب الفلسطيني في تحرير ارضه المحتلة، أو حلّ الدولتين الذي تراجعت إسرائيل عنها بعد التوقيع عليها في مشهد دولي برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون، نتجاوز هذا، لكي نركز على الاحداث الراهنة التي ليس لها مثيل، العديد من المراقبين لاحظوا أنها لحظات مصيرية وبالتالي فإن التعاطي معها لا يشبه التعاطي مع كل المعارك السابقة بين حركة المقاومة الإسلامية والقوات الإسرائيلية المحتلة، لهذا كان الموقف الغربي الأميركي متشدداً إزاء كل من ينوي المشاركة الفعلية بالضد من إسرائيل ودعماً لحماس.
 
بالنسبة للحكومة في بغداد فإن الموقف الرسمي قد عبَّر عنها رئيسها محمد السوداني في قمة القاهرة بهذا الخصوص، وكان موقفاً كلامياً قوياً تردد صداه في العراق وكسب السوداني نقاطاً سياسية وشعبية جزاءً للمفردات التي استعملها في وصف ما يجري وتسمية الأطراف المشاركة فيها، لكن أن يتدخل العراق عملياً بتقديم دعم عسكري للمقاومة في فلسطين فإن العراق أضعف من هذا بكثير إن أراد الاحتفاظ بنفسه، لأنه لا يتحمل عقاب وزارة الخزانة الاميركية، هو الآن يعاني الدينار العراقي منذ شهور والبنك المركزي غير قادر على التحكم بسعر صرف العملة التي يصدرها وذلك جراء العقوبات الاميركية على بنوك تقول انها تتعامل مع طهران وتهرب الدولار اليها دون الالتزام بالحصار المفروض عليها من قبل البنك الفدرالي الأميركي، حاول العراقيون كثيراً التفاهم مع البنك الفيدرالي عن الموضوع، لكن من دون جدوى، لهذا جرى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ورئيس الحكومة مع وزير الخارجية الأميركي لشرح الموقف العراقي ومحاولة تجنب إثارة الغضب الأميركي، فهم يعلمون أن العراق تحت الرحمة الاميركية في هذه الأوقات، لكن تحركت قافلة المساعدات باتجاه غزة وهذا اكثر ما يقدمه العراق في هذه المرحلة حتى على المدى البعيد، ربما يستطيع تقديم المساعدة النقدية المباشرة الى إدارة غزة ومحاولاً وصع فاصل بينه وبين الموقف الإيراني، لتمييز الملف عن الملف الإيراني الشائك مع الأميركيين.
 
أما عن أسلوب تعامل الفصائل المسلحة، فهو كالآتي:
 
عندما زار وزير الخارجية الإيراني بيروت في اليوم الثالث للحرب، قال: "عندما نقول المقاومة تتحرك فليس شرطاً أن نقصد من لبنان، ربما من مكان آخر"، والمكان الاخر أما يكون من العراق وهو المرشح أو من اليمن وبعيد أو من سوريا، هذه المجموعات المسلحة في العراق لا تلتزم في تحركاتها بالسياسة الرسمية، هي صاحبة نفسها، وترى أنها جيش عقائدي لا تلتزم بالحدود الجغرافية، وإن إئتمرت بأمر فهي بأمر مرشد الجمهورية الإيرانية، لهذا فور بدء الحرب وبدأت الأنظار تتلفت إلى هنا وهناك لرؤية من أين تطلق الصواريخ والمسيرات ضد المصالح والقواعد العسكرية الاميركية، وأرسلت البنتاغون رسالتها المباشرة المهدِدة بضرب من يضرب قواتها في العراق والمنطقة، وزير الخارجية العراقي صرَّح إنه إذا ما اشتدّت الحرب وتوسعت فعلى العراق أن يقلق، والمقصود بالقلق هو التالي:
 
1- إن هذه المجموعات التي لها اجنداتها غير المقيدة بأجندة الدولة الرسمية وسياساتها الخارجية ستقصف القواعد العسكرية الأميركية في الانبار وأربيل، ولا شك أن الأميركيين يردّون بضرب تلك المجموعات، وليس ببعيد إغتيال قياداتها كما فعلت واشطن بقتل قاسم سليماني رداً على الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، وفي حال كهذه فإن السند الجماهيري لهذه الجماعات تتحرك وحتى المختلفين معها.
 
2- الخوف من عقوبة البنك الفدرالي الأميركي على العراق لخنق هذه المجموعات وغلق المنافذ المالية لها من الأموال العراقية، وعند حدوث هذا سيكون ما أشرنا اليه في البداية من إنهيار العملة العراقية أمام الدولار ودخول البلاد في إنتكاسة اقتصادية كبيرة، لأن العراق يعتمد إقتصاده في 95% من وارداته على النفط والدولار الأميركي ولابد من الموافقة الأميركية لوصول المال العراقي الى بنكه المركزي. هذا الأمران مصدر القلق العراقي من الحرب.
 
يبقى الموقف من نوع آخر، وهو موقف التيار الصدري، لا ضرب للقوات الأميركية ولا لسفارتها، ولا الدعوة الى الضرب في هذا الوقت على الأقل، فهو بين بين، ظهر في التصريح المُدلى به من مقتدى الصدر بدعوته الحكومة لـ"غلق السفارة الأميركية في العراق" لمشاركتها الفعلية المباشرة في دعم الكيان الصهيوني المحتل وقتل الشعب الفلسطيني. ودعماً لموقف الصدر عمل برلمانيون على جمع التواقيع من أجل طلب البرلمان من الحكومة في غلق السفارة، لكن حتى لو قرر البرلمان شيئاً كهذا، فإن سابقة طلب البرلمان طرد القوات الأجنبية عقب مقتل السليماني يدلّ بأن لا شيء يحدث.
 
كيف يكون الموقف العراقي المتوقع؟
 
يعتمد على سياق الحرب، ودخول حزب الله المباشر فيها، إن تدخل الحزب مباشرة فإن الحال في العراق يزداد سخونة، وبالتالي الجبهة تستعر، لا أقول الجبهة الرسمية التي لا تتجاوز التصريحات النارية ربما، أو تحركاً دولياً من أجل وقف ما يحدث، وإنما تلك الجبهة المتوترة بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة القريبة من ايران وحزب الله، ومشاركتها تتجاوز الحرب من أجل غزة لتأخذ شكل وحدة محور المقاومة والتماهي مع الهوية الإيرانية وحزب الله المذهبية العقائدية. وعندئذ لا تتردد الطائرات الأميركية في قصف المواقع المجموعات المسلحة وحتى اغتيال قادتها عبر المسيرات، وقد قصفت المقاتلات الأميركية في سوريا مقارّاً لها في بلدة البوكمال وغيرها. لم تضرب داخل العراق الى الآن تجنباً لإحراج الحكومة وتجنباً لصبّ الوقود على النار الشعبية المشتعلة ولعدم توفير الدعم الجماهيري لتحركات تلك المجموعات ضدها.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

دلشاد عبدو

أميركا في سوريا.. انسحاب مؤقت ووجود دائم

الإعلان الأميركي الأخير عن سحب جزء من قواتها من سوريا لا يعكس نية فعلية في الانسحاب الكامل، بل يأتي ضمن إطار إعادة ترتيب تموضع عسكري مدروس يخدم أهدافاً ستراتيجية أوسع في المنطقة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداخلاته الإقليمية والدولية.