غزو الكويت وأسئلة لا تنتهي

02-08-2024
محمد زنكنة
الكلمات الدالة العراق الكويت
A+ A-
 
اسقاط مليارات الدولارات من ديون اغرق فيها النظام السابق نفسه بحجة الدفاع عن (البوابة الشرقية) والتنازل عن جزء من حقول الرميلة للعراق وترسيم الحدود بين العراق والكويت لاسترجاع مناطق قال عنها النظام السابق بأنها كانت ضمن حدود العراق واقتطعها الاستعمار البريطاني والحقها بالكويت وتخصيص جزيرتين ضمن الحدود الكويتية لتكون منفذاً للعراق وخفض الانتاج النفطي لدول الخليج ليتمكن العراق من تسديد ديونه، كانت شروطاً قدمت لدول الخليج لبدء صفحة جديدة وانقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد العراقي والا فان العواقب ستكون وخيمة.
 
وقد لوح صدام حسين فعلاً باستخدام القوة في مؤتمر القمة الذي عقد في الثامن والعشرين من شهر ايار 1990، اي قبل اتخاذ قرار الغزو بشهور معدودة، القرار الذي سمع به وزير الدفاع داخل سيارته وهو في طريقه الى العمل.
 
وعلى الرغم من العديد من المبادرات التي قدمت من قبل مصر والامارات والعديد من الدول العربية، مع سكوت وتشجيع من بعض الدول العربية الاخرى، والعديد من الجلسات والمباحثات والمفاوضات بين العراق والكويت، تنصل النظام العراقي البائد من كل ما تم الاتفاق عليه غير مبال بالحدود والسيادة الدولية، ليدخل جيشه ويخترق الحدود ويعلن في بيان حماسي ما سمي بتحرير الكويت، في حدث قلب كل الموازين السياسية ووضع العالم امام ظروف مازالت تاثيراتها مستمرة الى يومنا هذا.
 
وبتمعن بسيط لنتائج وتداعيات هذا القرار والاضرار التي اصابت الجانب العراقي، فقد سجلت الاحصائيات الدولية بأن خسائر العراق بلغت المائة الف قتيل وجرح ما لا يقل عن 300 الف آخرين وانهيار تام في البنية التحتية وفرض حصار استمر لاكثر من عقد من الزمن وانقطاع العراق عن الانفتاح والتطور وتدهور العلاقات الدولية والاقليمية، هذا بالاضافة الى المليارات من الديون، باختصار.. خراب ودمار مازال المواطن العراقي يدفع ثمنه.
 
ومنذ ذلك الوقت وعلى الرغم من كل التبريرات والحجج التي يطلقها المؤيدين لهذا التصرف، مازالت الاسئلة تتكرر وبالحاح شديد للوصول لنتيجة تتلاءم مع العقل والمنطق، ولذلك من المهم ان نراجع حيثيات هذا الموضوع وليبقى القاريء حراً في تفسيره والحقيقة التي يقتنع بها والواقع الذي يريد ان يصدقه.
 
تتحدث المصادر التاريخية بأن الملك غازي كان يسعى مع بعض القوى التي تحالف معها الى ضم الكويت للعراق وكان يستفزهم باجتياز حدود الكويت بطائرته التي كان يقودها ويدخل الى سمائها، بل كان يسعى الى انشاء ما كان يسميه بالكيان العربي الموحد في الجزيرة العربية بتوحيد كل دول المنطقة، لينتهي به المطاف الى مقتله بحادثة مازال الجدل مستمراً بشأنها حيث لا تخفي العديد من المصادر بأن الحادثة التي ادت الى وفاته كانت مدبرة من قبل البريطانيين.
 
وفي العهد الجمهوري وبعد الشعبية الجماهيرية التي اكتسبها عبد الكريم قاسم بعد اسقاط الحكم الملكي في الرابع عشر من تموز لعام 1958، تحدث قاسم وبكل صراحة بأنه يسعى الى ضم الكويت كجزء مقتطع بفعل الاستعمار وبين بأنه عيّن أمير الكويت انذاك بمنصب قائممقام لما سماه بقضاء الكويت التابع لولاية البصرة وحرك اللواء الرابع عشر مشاة من محافظة الناصرية ترافقه كتيبة من الدبابات تابعة للواء الرابع من بغداد تجاه الحدود الكويتية، وانتهى به المطاف مقتولاً على يد صديقه عبد السلام عارف والذي لم يفرق عنه في جنون العظمة، لكنه لم يعش طويلاً بعد موت صديقه ليطالب بما طالب به غازي وقاسم.
 
وكانت العلاقات الطيبة التي جمعت صدام حسين بالجالية الكويتية في مصر والتي هرب اليها بعد الاشتراك في محاولة اغتيال قاسم في عام 1960 سبباً في عدم شك الجانب الكويتي في نوايا صدام، لكن الكثيرين من الذين عاصروا فترة حكم البعث وعاشروا صدام شخصياً نائباً لرئيس الجمهورية ثم رئيساً، يؤكدون بأنه كان يفكر وبكل جدية بضم كل من سوريا والكويت الى العراق والتحكم بالممرات الحدودية المؤدية لايران وتركيا والسيطرة على جميع الحقول والابار النفطية الموجودة في هذه المنطقة، وهذا دليل واضح على ان المبررات الآنية التي اطلقها في تلك الفترة والتي كانت سبباً في اجتياحه للكويت كانت باطلة، وان التخطيط لهذا القرار كان موجوداً ضمن اجندته السياسية، ويذكر الرئيس مسعود بارزاني بأنه وبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية وفي ندوة حضرها مسؤولون من الجانب الكويتي أنه قد حذرهم من نوايا صدام وان انتهاء الحرب العراقية الايرانية لا يعني بانه سيبقى هادئاً دون حروب، وحصل ما حصل.
 
كما كشفت العديد من الملفات لمخابرات بعض الدول بأن النظام السابق كان قد عقد اتفاقاً سرياً مع عدد من الدول العربية ينص على تشكيل جيش موحد من ابناء هذه الدول مهمته الدخول الى الكويت جنباً الى جنب مع الجيش العراقي واجتياز حدوده نحو المملكة العربية السعودية عن طريق مدينة الخفجي الحدودية، مقابل العديد من الامتيازات التي كان قد وعد بها صدام هذه الدول إن نجحت الخطة، هذا بالاضافة الى امتيازات بمليارات الدولارات وعدت بها الدول الغربية نظير تأييدها للعراق على الرغم من توتر العلاقة بين العراق والغرب على خلفية نشر العديد من التقارير التي انتقدت ممارسات النظام السابق ضد ابناء الشعب العراقي ومقارنته بالنظام النازي.
 
فان كانت النية تحرير الكويت من نظامه الحاكم كما اشيع في تلك الفترة اذن ما الدافع الذي اخر انسحاب الجيش العراقي منها؟ ولم أعلن صدام أن الكويت اصبحت المحافظة التاسعة عشر واين شرعية الحكم التي صهرت هذه الدولة لتتحول الى محافظة وهل استفتي الشعب على هذا القرار؟ وهل يحق لنظام تديره (خونتا عسكرية) ان يقرر مصير دولة لها حدود معترف بها من قبل الامم المتحدة؟ وان كان الهدف حقاً ردود فعل انتقامية ادعاها رئيس النظام السابق تجاه ما سماها بالاساءة للعراق، الم يكن الاجدر به قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكويت مثلاً وسحب السفير وطاقم السفارة وترحيل البعثة الدبلوماسية الكويتية من بغداد؟ لماذا لم يلجأ الى جامعة الدول العربية او العقلاء من حكام ومسؤولي المنطقة لحسم هذا الموضوع والاحتفاظ بهيبة ومكانة العراق وتجنيب الشعب النتائج الكارثية التي اصابته نتيجة للعقوبات الدولية التي فرضت عليه بموافقة اكثر من ثلاثين دولة؟.
 
لقد شعر النظام السابق بأنه الاجدر في قيادة المنطقة وان ما سماه بالانتصار في اطول حرب شهدها القرن العشرين يؤهله لفرض مطالبه الواجبة التنفيذ وأن الترسانة العسكرية والبرنامج النووي والسموم التي يحتفظ بها في مختبراته السرية ستتحول الى درع يقيه من التهديدات الدولية ويضمن بقاءه في السلطة مدى الحياة، لكن كل ذلك لم يتحقق وانتهى الأمر بأن أصبح العراق أحد اكثر دول العالم خطراً وبات من السهل جداً فرض اية عقوبة على هذه الدولة وفرض العشرات من الشروط عليها في اية خطوة من الممكن ان يتقدم بها تجاه العالم وان كانت ايجابية وسلمية.
 
ولكن، وعلى الرغم من العقود الثلاث التي مرت على هذا الحدث الكارثي، تبقى الاسئلة تتكرر وتتردد بالحاح شديد حول ما حصل، وما يمكن ان يحصل مستقبلاً في ظل الظروف التي يعيشها العراق من فساد وتهديدات داخلية وخارجية وشبه انعدام للسيادة وتلويح من قبل الفصائل غير المنتظمة في المنظومة الدفاعية العراقية باستهداف الكويت او اجتياحه عندما يحين الوقت الحاسم، ويبقى السؤال الاهم: هل ان الوضع الحالي للعراق يؤهله لاتخاذ هذا القرار وهل باستطاعة القوى التي تتباهى بأن سلطتها اعلى من سلطة الدولة ان تنفذ هذا المخطط؟ بمعنى: هل مازال الكويت مهدداً من قبل العراق؟.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طالب محمد كريم

"مبروك عليك سوريا".. حين تُنتهك السيادة تحت غطاء الواقعية السياسية

قالها ترمب لأردوغان كمن يمنح هبةً لا يعنيه مصيرها: “مبروك عليك سوريا”. كأن سوريا ليست دولة ذات سيادة، عضواً في الأمم المتحدة، موقعة على ميثاقها، بل مجرّد جغرافيا سائبة يتداولها الكبار، بلا شعبٍ، بلا حقوق، بلا تاريخ.