خفقات قلوب السوريين بين الرجاء والتمني

02-07-2023
عز الدين ملا
الكلمات الدالة سوريا روسيا أميركا ايران
A+ A-
 
في كثير من الأحيان يرى معظم السوريين أن مخرج حلّ أزمتهم قد اقترب بعد كل جولة ماراثونية بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بالشأن السوري، أو عند حدوث أي تصدع وصراع بين أقطاب القوى العالمية، أو حدوث اضطرابات في منطقة ما، ولكن سرعان ما يعود السوريون إلى الرؤية السابقة، وهو أن وضعهم قد دخل إلى مصافي الدول المضطربة عالمياً كما في الصومال والعراق وغيرها من الدول، والحلول الجذرية بعيدة المنال، واصبحوا على يقين أن بعض القوى العالمية تقتات، وتعتاش على حساب صراعات واضطرابات افتعلتها في كثير من الدول في جغرافية الشرق الأوسط ومنها الجغرافية السورية.
 
الصراعات الدولية وليدة تنافسات سياسية ومصالحية والتي ازدادت بشكل واسع في الآونة الأخيرة من حدَّتها وشراستها بين القوى الكبرى وخاصة أمريكا وروسيا، كما نرى أن هذه الصراعات تنتقل بشكل دراماتيكي ومدروس من منطقة إلى أخرى ضمن نقاط التماس والتشابك لغايات الالتفاف والمراوغة، وعلى عكس ذلك أن افتعال الأزمات ليست سوى أساليب الضغط والمقايضة بين المتصارعين، والساحة السورية من بين تلك المناطق الأكثر حدّة في العالم.
 
على السوريين أن يدركوا أن الملف السوري كغيره من الملفات التي تدخل في المساومات والمقايضات السياسية والمصالحية، ولكنها تعتبر الأكثر مساومة ومقايضة، لما لها من أهمية لدى المتصارعين وخاصة روسيا التي ترى في سوريا نقطة ارتكاز، والتفرع نحو الجهات الأربع لتوسيع مساحات المقايضة والضغط، كما وتجد قوتها في البحر الدافئ من خلال قواعدها على السواحل السورية ومكان الانطلاق لعمليات التفاوض والمقايضة، لذلك ارتبط الملف السوري بالملف الأوكراني ليس هكذا صدفة بل ارتباطها نتيجة لتشابك الملفات بين روسيا وتركيا من جهة وروسيا وأميركا من جهة أخرى، واللعبة الروسية في استغلال الغاية التركية لضرب الهدف الأميركي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط.
 
إن كل ما يحدث الآن في سوريا من حشود عسكرية للنظام في الشمال الغرب والقصف الروسي لمناطق من إدلب، إلى جانب المُسيّرات التركية التي تستهدف مواقع في الشمال والشمال الشرق من سوريا، ليست سوى مناورات تكتيكية عسكرية لأهداف استباقية لغايات المقايضة، كل ذلك يجري أمام مرأى وأنظار الولايات المتحدة الأميركية، التي تسير على سياسة امتصاص التحركات والصراعات من خلال سياسة هادئة ومتزنة تعتمد على كسب الوقت إلى أن تحدد الهدف وساعة الانقضاض، وتحقيق أهداف سياسات الأمن القومي الأميركي الاقتصادية والتجارية.
 
هذا ما يحدث الآن على الساحة الأوكرانية، والتي دخلت روسيا في حرب ضدها لغايات توسعية غير مدركة النتائج، هذا التسرع والتهور في السياسة دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الدخول في مستنقع الصراعات هو بغنى عنه، حيث كبدت روسيا خسائر فادحة من العدّة والعتاد، إلى جانب الخسائر الاقتصادية الهائلة وتراجع العملة الروسية أمام العملات الأجنبية.
 
إلى جانب دفعه بالعديد من الميليشيات للمشاركة في حربها على أوكرانيا، أدى إلى تراكم النفقات التي أثقلت كاهل ميزانية روسيا وعدم القدرة على دفعها، مما أدخلت روسيا في وضع حرج أمام تلك الميليشيات وخاصة قوات فاغنر، التي بدأت تتمرد لعدم دفع مستحقاتهم النقدية وكذلك العتاد، وكان للاستخبارات البريطانية والأميركية دور رئيسي فيها لإحداث الخلل الاضطراب الداخلي والإسراع في إنهاء الحرب لتدارك المزيد من الدمار والقتل والهجرة، والخوف من أن يخرج الوضع من تحت السيطرة ويتعرض أوروبا وأميركا لعواقب كارثية هم لم يحسبوا لها حساب، وهم بغنى عنها.
 
ما يحصل في إيران من احتجاجات ضخمة ضد السلطات التي تتدخل ايضاً من خلال تفرعاتها في العديد من الدول مثل العراق وسوريا واليمن لغايات دينية وايديولوجية تخدم مصالحها التوسعية، وما التدخلات الإيرانية في سوريا الا لفرض الهيمنة وزعزعة الاستقرار فيها، كل ذلك أمام الوجود الأميركي في المنطقة الذي يمتص تلك السياسات غير الأخلاقية إلى أن يحين ساعة الصفر.
 
أما تركيا، التي خرجت من الانتخابات التشريعية بإعادة انتخاب رجب طيب أردوغان، تعود أكثر قوةً إلى الساحة السياسية الدولية، وما التحركات التركية العسكرية الأخيرة في سوريا من الهجمات عن طريق مُسيّرات ضد أهداف في الشمال السوري، والسياسية من الاجتماعات الثلاثية والرباعية بينها وبين روسيا وإيران والحكومة السورية سوى أساليب المقايضة والضغط لغايات طمعية وتوسعية، وليس للشعب السوري أي فائدة أو دور لإنهاء معاناته وتحقيق أمنه واستقراره.
 
إن كل ما يجري لا يخرج من سياق مصالح الدول الكبرى، وليس للشعب السوري فيها أي شيء سوى الترقب والانتظار إلى أن تتحقق تلك المقايضات وتحديد مناطق النفوذ وتأمين الأمن القومي لتلك الدول، عندها يمكن للسوريين أن يعتقدوا أن المشكل السوري يسير نحو الحلحلة، وهذا أيضاً بعيد المنال، لأن الكبار ليس غايتهم تأمين حقوق الصغار بل الغاية كيفية وضع ثغرات ليتمكّنوا في إفقار الشعوب ونهب الخيرات دون صعوبات.
 
الشعب السوري أمام امتحان صعب، وهو كيفية لملمة شتاتهم والحفاظ على ما تبقّى من كرامتهم، وعدم الالتفات إلى ما يجري بين الدول من تحرّكات وعقد للمؤتمرات.
 
الحل يبدأ من الداخل، صحيح أن الأمور خرجت من أيدي السوريين، ولكن الذي لم يخرج هو الأخلاق والتسامح والمحبة، هكذا صفات نستطيع تحقيق التعاون والتكاتف في المجتمع، هذا أقل ما يمكن فعله للحفاظ على ما تبقى من الكرامة السورية إلى أن تصل الدول الكبرى والإقليمية لحلٍّ شامل، عندها تعود سوريا بلد الحضارة والإنسانية.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

سيف السعدي

العقد الاجتماعي والسياسي مابين التنظير والتطبيق

بعد أن فشلت المنظومة السياسية الحاكمة في العراق بتقديم مشروع حقيقي يؤمن به المجتمع العراقي، فضلاً عن عجزها في انتاج نظام انتخابي يعيد ثقة المواطن بالمشاركة الانتخابية وترك نهج المقاطعة الذي تستفاد منه احزاب السلطة، اصبح الحديث الان عن مشروع عقد اجتماعي وسياسي جديد يتسم بالمرونة للتكيف مع المعطيات وواقع الاحداث، والانتقال من حالة استقواء طرف على اخر إلى العدالة الاجتماعية، والتحول من الفقه الراديكالي الانتقائي إلى فقه الدولة ومؤسساتها بما يضمن مشاركة الجميع والتعددية السياسية بعيداً عن استغلال مؤسسات الدولة لاقصاء فاعل سياسية ممثل لمكون من مكونات البلد ضمن اطر ديمقراطية يكفلها العقد الاجتماعي والسياسي بضمانات خارجية موثوقة، كون العامل الداخلي لم يلتزم باي اتفاق والتجارب حاضرة.