ما نقوله هو اجتهاد لا يتجاوز الأمر خط الإجتهاد الذي يعتريه كل ما يعتري البشر من إحتمالية الصواب والخطأ، وموضوع المقال هنا هو أنه وخلال اليومن الماضيين كان الإعلام الكوردي حتى المعارض خصص وقتاً كافياً ولافتاً لتعرض مقرٍّ للبيششمركة الى قصف بواسطة مسيرة في منطقة حساسة وهي الطريق الواقع بين عاصمة الإقليم " أربيل" و مصيف صلاح الدين، الطريق هو ما يسلكه قادة الحزب الدمقراطي الكوردستاني والحكومة، وضيوفهما العراقيين والأجانب، كان من حق الجانب الكوردي إظهار الإنزعاج الكامل، فهو حدث فريد لم يحدث أن أُستُهدِفت القوات الكوردية منذ 16 أكتوبر لعام 2017، لذلك حدث التلاسن وردود الفعل، ليس بين الإقليم والمجموعات المسلحة المسؤولة، بل بين المتحدثين للحكومتين المركزية والفدرالية، وهو مالم يكن مناسباً، في مثل هذه الحالات وان شاء الله لن يتكرر، وتجنباً للتصادم اللفظي والإعلامي، أظن أن التجربة تحكم بالآتي:-
1- لا شك أن الإدانة والبحث عن الفاعل من البدهيات في مثل هذه الحالات، لكن الإنتظار لحين ظهور من يتنبى تلك الأفعال المشينة التي هي إرهابية من دون نقاش يكون الأولى والأكثر تناسباً، خاصة ان حكومة الإقليم بحاجة الى حسن العلاقة مع الحكومة الفدرالية، بمعنى تجنب خلق التوتر من أية جهة كانت، وإختيار الكلمات الدقيقة والمعبرة بما لا تحتمل عند التمعن فيها إلا معنى واحداً، وهذا يتطلب المهارة في إستعمال اللغة، فالحديث المسؤول في السياسة مختلف عن المفردات التي ترمي الى الإثارة وتكثير المتابعين.
2- الخطّ الساخن بين رئيسي الحكومتين، خصوصاً في هذه الفترات لم ينقطع، كلا الرجلين لا يقف عائق في طريق الاتصال المباشر بالآخر، فالمبادرة من أي منها تكون هي الأفضل من باب المسؤولية وتلافي هدم العلاقات التي هي غير مستقرة بملفات عديدة عالقة بين الطرفين، لا بأس أن يبادر رئيس حكومة الإقليم بالاتصال برئيس حكومة بغداد للتنسيق والإستفسار، أو أن يبادر رئيس الحكومة المركزية ومن باب المسؤولية الوطنية بالإتصال برئيس حكومة أربيل يندد بما حصل، ويؤكد على أن البيشمركة قوة وطنية وإستهدافها لا يقل بشاعة من استهداف القوات العراقية المتواجدة في بغداد العاصمة، والتنسيق من أجل تحديد الجاني، وغلق أي منفذ يحاول المنفذون التسلل من خلاله إلى التضرر بالحمة الوطنية والتسبب بتوسيع الشرخ الموجود جرّاء أزمة الموازنة والمستحقات المالية.
3- محاولة العمل لجعل الحكومتين في دائرة واحدة، أو فريق واحد في مواجهة هذا النوع من الممارسات، تضييق دائرة العدو، وحصره في مسلحين لا يشكلون جزءاً من سياسة الحكومة المركزية وإن كانوا يتمتعون بمساندة شخصيات يمتلك حضوراً مؤثراً داخل المؤسسة الرسمية، إن الصدام بين هؤلاء وبين الدولة قديم وليس جديداً، لا يعترفون بالدولة، أو لا يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع السياسة الرسمية، لأن الدولة عاجزة عن مواجهتهم، وبالتالي جعل الحكومة ورئيسها في خانتهم لا يصب في صالح أي من الطرفين، والحكمة تحكم بجعل الدولة في مواجهتهم وليس إلى جانبهم.
4- إن إستهداف القوات الكوردية يوم الأحد 31-12-2023 يبدو أنه مقصود، وما يدفعني لقول هذا هو أن الجهة الفاعلة لم تقدم إعتذاراً ولا توضيحاً بأن الطائرة المسيرة أخطأت هدفها أو تنفي جعل البيشمركة هدفاً لهجماتها، وبالتالي هو هجوم على قوات رسمية نظامية عراقية، والمعني هو الحكومة في بغداد كما يكون المعني الحكومة في أربيل، أي العمل المنسق معاً وليس بالضد.
5- وعن المعلقين على الحادث المُدان، يمكنني في هذا المقام تسجيل ملاحظتين:-
الأولى:- إن الربط بين هذا الهجوم وما يجري في غزة أو حرب 7 أكتوبر من طرف حماس لَهُوَ خطأٌ بيّن، فخلال السنة الماضية التي ودعناها قبل أيام غير مأسوف عليها، تعرضت أرض كوردستان الى العديد من تلك الهجمات، فالربط بين تلك المجموعات و حركة حماس هو مما يندرج تحت عنوان "التفكير الخرافي" فيما يخص إستهداف البيشمركة، والحديث السلبي تجاه حماس ليس من سياسة الإقليم بما أنه قرر إتخاذ الموقف الإنساني تجاه الضحايا والمحايد سياسياً.
الثانية:- إن الكثيرين خاصة من الصحف العربية حدّدوا نيّة المنفذين بالوقيعة بين بغداد وأربيل، وهذا تحليل تقليدي، فالعلاقة بين الطرفين وإن لم تكن سيئة لكنها لا تحتاج الى المزيد من التخريب لأنها أقرب الى الخراب بذاتها، آخرها تدخّل المحكمة الإتحادية والتسبب بتأجيل الإنتخابات التشريعية المزمعة في 25 شباط المقبل، وإذا كان الأمر كذلك، فإن وضع علامات الإستفهام على الحكومة الإتحادية ليس من مصلحة الإقليم، بل لابدّ من سحبها بالضد من المسلحين لكي لا يتحقق لهم ما يصبون إليه.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً