لم يُفاجئ رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أحدًا (سوى الموهومين والمتوهّمين) بتشكيلته الوزارية التي أعلنها في حفلٍ، أراده استعراضيًا، في قصره، قصر الشعب، وفق المسمّى الرسميّ.
لقد أبقى الشرع على النواة الصلبة من هيئته (هيئة تحرير الشام) في المفاصل الرئيسية للحكومة. فإلى جانبه، رئيسًا للجمهورية والحكومة، احتفظ وزراؤه من الهيئة بحقائب الخارجية والداخلية (دمجًا مع الاستخبارات) والدفاع والعدل والطاقة (النفط والغاز والكهرباء)، في حين توزّع الوزراء الآخرون بين موالٍ سابقٍ لحركة الإخوان المسلمون وملتحقٍ بالهيئة أو حركة أحرار الشام، الحليف الأوثق للهيئة، مع استجلاب وزراء من حكومات بعثية سابقة، كوزير النقل، يعرب بدر - كان وزيرًا للنقل في حكومة البعث للفترة (2006-2011)- ووزير المالية، محمد نضال الشعّار - كان وزيرًا للاقتصاد والتجارة في حكومة البعث للفترة (2011-2012). في حين تمّ تعيين وزير الداخلية السابق، ورئيس حكومة الإنقاذ الأسبق وعضو مجلس شورى الهيئة، علي كدة، في منصب أمين سرّ مجلس الوزراء. إذا أضفنا إلى هذه التشكيلة الوزارية، مجلس الأمن القومي الذي شكّله الشرع ويضمّ بالإضافة إليه أربعة من أهمّ وزراء هذه الحكومة من كبار قادة الهيئة، سيبدو واضحًا أنّ هيئة تحرير الشامّ لم تُحلّ بالفعل، بل حوِّلت، بنوّاتها الصلبة، إلى حكومة وسلطة تنفرد بحكم التشكيلة السلطوية والإعلان الدستوري والهيئات والمجالس التي سوف تُستكمَل بموجب الإعلان، وبتعيينات من الشرع، بمطلق مفاصل الحكم في سوريا.
إرضاء الخارج وإغضاب الداخل
من الواضح أن لجوء الشرع إلى (تزيين) حكومته بأربعة وزراء ينتمون إلى مكوّنات سورية، كوزير النقل (العلوي)، ووزير الزراعة (الدرزي)، ووزير التربية (الكوردي)، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل (المسيحية) هو مسعى منه لإرضاء الخارج من خلال التلويح بالاستجابة لشروط هذا الخارج بضرورة تنوّع الحكومة وعدم صبغها بلونٍ وحيد، في حين أنّ هذه المكوّنات تُجمع على أنّ هؤلاء الوزراء لا يمثّلونها تمثيلًا حقيقيًّا، فالوزير (الكوردي) كان أكثر من ردّد اسم (الجمهورية العربية السوريّة)، في حين كانت باكورة أعمال وزير النقل (العلوي) هي نقل الإعلامي المقرّب من الشرع، موسى العمر، من القصر الجمهوري، بسيّارته الخاصّة، إلى مكان إقامته، وذلك وفق مقطعٍ مصوّرٍ نشره الإعلامي المذكور، ملاطفًا الوزير المبتسم.
رفض المحاصصة؟
إحدى المقولات التي لا يني الشرع يردّدها هي رفض المحاصصة، في حين يبدو جليًّا من خلال تركيبة الحكومة أنّ هذه المقولة تعني في جوهرها استئثار هيئة التحرير بالحصص وحرمان المكوّنات المجتمعية والسياسية من المشاركة الفعّالة والحقيقية.
اعتماد الكفاءة؟
هل فعلًا، اختير وزراء الحكومة المؤقّتة وفق الكفاءة، بعيدًا عن الانتماء السياسي والولاء؟ حسنٌ، لنضع السيرة الذاتية لوزير العدل، مظهر الويس، على سبيل المثال، تحت المجهر، ونرى إن كانت هذه السيرة تحفل بالكفاءة المطلوبة لإدارة وزارة من المفروض أنّ مهمّتها تحقيق العدالة على كامل الأرض السورية، ولكلّ المواطنين دون تمييز! غادر الويس مقاعد كليّة الطبّ لا إلى كليّة الحقوق، بل إلى معهد الفقه الإسلامي. وفي حياته العمليّة، لم يكن قاضيًا، بل رئيسًا للهيئة الشرعية في المنطقة الشرقية، ومتحدّثًا باسم مجلس شورى المجاهدين، قبل أن يصبح أحد كبار شرعيي هيئة التحرير الشام. فما هي المؤهّلات والكفاءات التي تخوّله تطبيق العدالة بموجب قانونٍ وضعيٍّ مشتقٍّ بمعظمه من قانون دولة علمانية؟!
الخيار.. كورديًا؟
في ظلّ تتابع خطوات السير نحو الأحادية في دمشق، يبقى أمام القوى الكوردية خيار التمسّك باتفاقية عبدي-الشرع، واستكمال خطوات إعلان الاتفاق الكوردي الشامل، لكي يكونا بمثابة أساس تفاوض الوفد الكوردي ولجانه مع دمشق حول القضية الكوردية وحقوق الشعب الكوردي، وصيغ تضمين هذه الحقوق في الدستور السوري، وطبيعة وشكل النظام اللامركزي الذي يتمسّك به الكورد، وآلية مشاركتهم في العملية السياسية وحكم البلاد.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً