صحفي سوري: المخابرات البريطانية كلفت أسماء الأسد بمهمات تخريبية بينها حل الحرس الجمهوري

09-01-2025
رووداو
الكلمات الدالة أسماء الأسد بريطانيا سوريا
A+ A-

رووداو ديجيتال

كشف الصحفي السوري نزار نيوف تفاصيل جديدة عن العلاقة بين أسماء الأخرس والمخابرات البريطانية، وأدوارها في تفكيك الحرس الجمهوري وإعادة هيكلة الجيش السوري، إلى جانب دورها في زواجها من بشار الأسد كجزء من مهمة وظيفية ذات أبعاد استخباراتية عميقة.
 
ونشر نيوف على حسابه وثيقتين للمخابرات السورية مرفقاً بتعليقه عليها حلو الأدوار التي لعبتها أسماء في سوريا بعد زواجها من بشار الأسد، معتبراً  أن عملية "زرع" أسماء الأخرس في القصر الجمهوري لم تكن مجرد صدفة أو حدثاً عابراً، بل كانت خطوة مدروسة بعناية من قبل المخابرات البريطانية لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى".
 
وسلطت الوثيقتان الضوء على تفاصيل مثيرة، بما في ذلك دور شخصيات بريطانية بارزة في تأمين وظائفها وربطها بدوائر صنع القرار داخل وخارج سوريا، مما يعكس تشابك المصالح الدولية في الصراع السوري.
 
أدناه نص ما كتبه نزار نيوف:
 
"طوال أكثرمن 15 عاماً وأنا أكتب هنا، وفي أمكنة أخرى ( في موقعنا قبل إغلاقه في العام 2015) عن أن «أسماء الأخرس» جرى تجنيدها رسمياً لصالح المخابرات البريطانية على الأقل منذ أن كانت موظفة في «بنك مورغان» الأميركي أواسط التسعينيات. 
 
وقد أشرت مراراً إلى أن المهمة الأمنية التي جرى تكليفها بها هي حل وتفكيك «الحرس الجمهوري» ( لم أكن أعلم سوى بأمر هذه المهمة. أما الآن فلدي ، بفضل الوثائق السورية وغير السورية التي حصلت عليها لاحقاً، معلومات تفصيلية موثقة حول خمس مهام على الأقل من العيار الاستراتيجي الثقيل، التي أنيطت بها). كما أشرت مراراً، ومنذ سنوات طويلة،إلى أن زواجها من الجاسوس المافيوزي الفار «بشار الأسد» لم يكن نتيجة علاقة حب مزعومة، بل مجرد «زواج استخباري – وظيفي»، بحيث تلعب دوراً أقرب ما يكون لدور «الليدي مكبث» في مسرحية الغجري / القرباطي العبقري «وليم شيكسبير»، رغم  مفارقات التاريخ ، ورغم أن «الليدي مكبث» الأسكتلندية لم تكن عميلة جهة استخبارية أجنبية، بل عميلة لنزواتها الشريرة الخاصة التي كانت تدفعها لأن ترفض كل ما هو أقلّ من أن يتحول زوجها الملك «دونكان» إلى قاتل ... لكي يثبت رجولته! وفي شرقنا ربما كان القتل والقدرة على اقترافه هما من المعايير الأساسية لإثبات «الرجولة»، تماماً مثل القدرة على الانتصاب ... حتى ولو في مواجهة فرْج بقرة أو معزاة أو جحشة!
 
ورغم أني أكدت مراراً على أني لا أنشر حرفاً واحداً إلا ويكون موثقاً، أو قابلأً للتوثيق، لم يكن يخلو الأمر من مواجهة العديد من شبيحة النظام البائد وشبيحة المعارضة السابقة ( كلاب وطبّالي الإرهابي «الجولاني» حالياً) الذين يعلو عواؤهم ونباحهم بوجهي، تبرئة لأسيادهم الذين يديرون «مزرعة الحيوانات» السورية «الأورويلية» الكبرى.
 
لم يكن تأجيل نشر الوثائق ذات الصلة، رغم عشرات الوثائق التي نشرتها حتى الآن، سواء باسمي مباشرة أو باسم أحد الأصدقاء والزملاء الضباط السابقين في القوى الجوية، إلا لأني ( وهذا حقي) خصصتها لكتب وثائقية كنت أعمل عليها، وأنجزت اثنين منها (مذكورين أدناه) بعد مرضي المزمن الذي أقعدني ، فضلاً عن كتاب «داخل الكريملن خلال حرب أكتوبر وما بعدها...». وهذا الأخير لم يكن بالإمكان إنجازه (رغم أني لم أنشر سوى مجلده الأول فقط)  لولا التعاون الذي أبداه مؤلف النسخة الإنكليزية الأصلية من الكتاب، نائب آخر وزير خارجية سوفييتي ( فيكتور إسرائيليان)، ولولا الوثائق عظيمة القيمة التي وضعها بتصرفي الصديق الراحل « ماركوس فولفMarkus Wolf»، مؤسس ومدير المخابرات الخارجية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة بهدف كتابة مذكراته العربية ، والمناضل الشيوعي الكبير والعقل الاستخباري الأكثر عبقرية في القرن العشرين قاطبة، باعتراف خصومه في أجهزة استخبارات دول الحلف الأطلسي كلها؛ ولولا المساعدة التي قدمها لي نائبُه الراحل الفريق النبيل الطاهر كما طهر الأنبياء الحقيقيين،« هورست يينيكه Horst Jänicke».وكان كتاب «داخل الكريملن» أصعب ما قمت به، لأن صفحاته، التي قاربت الألف، اقتضت أن أراجع ما لا يقل عن ثلاثين ألف صفحة من الوثائق الإرشيفية والمذكرات الشخصية والتقارير الصحفية القديمة (بالعبرية، والروسية، والإنكليزية والفرنسية والألمانية)، التي تشمل ليس حرب أكتوبر فقط، بل فترة ربع القرن التي سبقتها، والأعوام الثلاثة التي تلتها أيضاً( حتى التدخل السوري في لبنان في العام 1976 بطلب من «هنري كيسنجر» وموافقة خطية من «إسحاق رابين»). وغني عن البيان أن الهزيمة العربية الكبرى في «حرب أكتوبر» هي التي قادت إلى الكوارث التي نعيش عقابيلها اليوم. وكان من شأن هذا الجهد الذي بذلته في تحرير وترجمة هذا الكتاب أن يدمر وضعي الصحي ويعيده تقريباً إلى ما كان عليه يوم كنت في سجن تدمر الصحراوي!
 
من المؤكد أن التاريخ لا تسيّره المؤامرات، فله قوانينه ونواميسه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ لكن المؤامرات حاضرة دوماً كـ«أدوات عمل» وحسب لتسريع حركته وتفاعلاته كما «الوسيط الكيميائي Chemical mediator»، لاسيما حين يتحول التاريخ إلى حمار حَرون، فيضرب حوافره في الأرض ويتسمّر في مكانه ويرفض أن يخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام إلا بضرب مؤخرته بعصا غليظة ( مع الاعتذار من مشاعر المدافعين عن حقوق الحيوانات، الذين يترفّعون عن أن يضعونا حتى في مصافّها!). ولعل المؤامرة الروسية - التركية - الإسرائيلية ، التي أنهت نظام «الأسد» بعد أكثر من نصف قرن من طغيانه البونابرتي في عهد الأب و المافيوزي في عهد الابن، هي الأحدث والأكثر طزاجة في هذا السياق. فبعد قرابة مليون قتيل وشهيد وجريح، من الأبرياء والمجرمين على السواء، وقرابة 13 مليون مشرد داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن الخراب المادي العميم، لم يكن بالإمكان إطاحة هذا النظام الفاجر المتهتك إلا بعصا المؤامرة، خصوصاً بعد أن تحول ، منذ العام 2018 على الأقل، إلى حمار حرون. ومع ذلك لا يزال هناك ملايين من الدهماء والغوغاء والنصّابين الذين يعتقدون أن أقل من ثلاثين ألف إرهابي ( من بينهم حوالي خمسمئة من عناصر المخابرات والقوات الخاصة التركية الملثمين، المرابط بعضُهم الآن داخل «القصر الجمهوري» أو يحرسونه من الخارج)، لا يستخدمون سوى سيارات البيك آب والرشاشات المتوسطة، «هزموا» خمس فرق مدرعات ومشاة ومدفعية ميدان (فرقتين في الشمال وثلاثاً في الجنوب والوسط ، بينها «الحرس الجمهوري») خلال عشرة أيام فقط ، ودون أن يطلقوا طلقة واحدة؛ ذلك رغم أن قرابة ربع مليون مسلح ( ينتمون إلى أكثر من ستين جنسية)، فشلوا في أن يزحزحوا رأس النظام قيد شعره عن كرسيه، يوم كان العالم كله تقريباً ( لاسيما دول الحلف الأطلسي) ضده، ولم يكن معه سوى حفنة من مقاتلي «حزب الله» وبعض الميليشيات التي رعتها و دربتها إيران، وأقل من ثلاثين طائرة روسية في «حميميم» وقرابة 500 فقط من مرتزقة «فاغنر»، ناهيكم عن ملايين السوريين الذين امتلأت بهم الشوارع قبل أن تُسرق انتفاضتهم ! ولكن هذه قضية أخرى سنأتي عليها حين يحين نشر مسودة التفاهم الروسية -التركية السرية الموقعة في 28 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، بينما كان المافيوزي المجرم «بشار الأسد» لا يزال في موسكو، فضلاً عن وثائق التفاهمات الجانبية بين تركيا وإسرائيل ودول غربية أخرى تضمن سلوك عصابات الجاسوس السفاح «أبو محمد الجولاني» بعد تسليم السلطة له من قبل الجاسوس المافيوزي الهارب «بشار الأسد»وعصابته!
 
إحدى أدوات المؤامرة التي لجأ إليها الغرب، لاسيما البريطانيين، لنخر النظام من الداخل، خصوصاً بعد ثبوت مرض مؤسس النظام «حافظ الأسد» ومقتل وريثه البكر «باسل الأسد» في «كمين علي دوبا» على طريق المطار بمساعدة ابن خاله «حافظ مخلوف»، وثبوت أن وراثة العرش الجمهوري ستؤول حتماً بين لحظة وأخرى إلى الوريث الثاني، الأبله المعتوه «دونكان الأسد»، كانت عملية زرع «أسماء الأخرس» أو «الليدي مكبث» في القصر! هذا دون أن نتحدث عن زراعة الجاسوس «عبد الله الدردري» (والتي سنأتي إليها بالوثائق الرسمية والأجنبية التي يكشف عنها للمرة الأولى حين يأتي دورها، والتي تظهر لنا أن لندن، وليس أي مكان آخر، كانت العنصر المشترك بين عمليات الزرع كلها!).
 
من المفارقات الغريبة، لكن التي لها تفسير إنما ليس هنا، هو أن «الأسد الأب» لم يجد سوى «علي دوبا» ليكلفه بعملية «مراقبة إيجابية» (كما أسموها في الوثائق الرسمية) لابنه الأخوت «بشار» خلال دراسته في بريطانيا، ولم يجد سوى بريطانيا كمكان لكي يكمل ابنه تدريبه في مشافيها ، رغم أن مشافي موسكو تبقى الأكثر تقدماً من أي مكان آخر في العالم في مجال طب العيون تحديداً! وفي جميع الأحوال، لم تكن هذه «المراقبة الإيجابية» حالة شاذة أو غير مألوفة. فقد لجأ إليها «عبد الناصر» في العام 1968 (فيما يتعلق بصهره الجاسوس الموسادي «أشرف مروان» خلال دراسة هذا الأخير في لندن)، ولجأ إليها الملك الجاسوس «حسين بن طلال» لمراقبة ابنه «عبد الله» خلال دراسته المدنية والعسكرية في بريطانيا والولايات المتحدة  خلال الثمانينيات...إلخ. ذلك بغض النظر عن طبيعة الدوافع التي وقفت وراء كل من هؤلاء في إقدامه على مراقبة صهره أو ابنه، سواء المختلفة أو المتشابهة وإن جزئياً. ولعل ارتباط الآباء بأجهزة الاستخبارات الغربية، على الأقل في بداياتهم، ودور تلك الارتباطات في مجئيهم إلى السلطة، هو ما جعلهم يولون أهمية خاصة لمراقبة الأبناء والأصهار، فدائما «المحروق بالحليب ينفخ اللبن» كما يقال!
 
في الأرشيف الخاص بـ «بشار الأسد» في شعبة المخابرات العسكرية ( وكذلك في إدارة المخابرات الجوية، وربما أجهزة أخرى، لكن لست متأكداً من ذلك) وثائق مذهلة عن «الطوق الرقابي» الذي فرضه «الأسد الأب» على ابنه، فضلاً عما قامت به هذه الأجهزة من تلقاء نفسها ودون تكليف (ربما على قاعدة «خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود»!). ففي أرشيف شعبة المخابرات العسكرية وحده، الذي أنا بصدده اليوم، أكثر من عشرين وثيقة ذات صلة، بعضها في منتهى الأهمية والخطورة، وبعضها الآخر عادي أو أقل من ذلك. واليوم سأتطرق إلى وثيقتين تفصل بينهما ست سنوات. الأولى تعود إلى أواخر العام 1992، أي بعد وصول «بشار» إلى لندن بفترة قصيرة كما أفترض؛ والثانية تعود إلى أواخر العام 1998، وتتعلق بـ «أسماء الأخرس» وحدها، بعد أن جيء بها على غفلة من نيويورك إلى لندن لتشغل وظيفة بنكية لصالح المخابرات البريطانية!
 

الوثيقة الأولى

ـ الوثيقة الأولى التي تحمل تاريخ 14/ 12/ 1992: يشير محتواها إلى أن «بشار» تناول الغداء في جناح خاص في مطعم فندق «تشيستفيلد ميفير» عصر يوم السبت 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1992 بصحبة كل من «سحر العطري»(حماته المستقبلية) وابنتها «أسماء». وكان معهم سيدة تدعى « إليزا مانينغهام – بولر»، التي وصفها التقرير بأنها رئيس قسم هام في المخابرات الداخلية البريطانية ( إم آي 5). وبعد ذلك بحوالي أسبوعين، حصلت سهرة اجتماعية خاصة في منزل الدكتور « فواز الأخرس » ( حميه المستقبلي) في حي «أكتون»، حضرها بالإضافة إلى أفراد العائلة و للسيدة المذكورة آنفاً ( إليزا بولر) كل من الدكتور «غيث أرمنازي» وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية البريطانية، عرف منهم «ريموند أسكويث» ، الذي وصفه التقرير بأنه ضابط في المخابرات الخارجية (إم آي 6) ، ورئيس سابق لمحطتها في موسكو ، وبأنه تورط في قضية تجنيد وتهريب ضابط مخابرات سوفييتي ( يقصد قضية «اوليغ غورديفسكي» الشهيرة، التي دفعت سلطات موسكو إلى طرده في العام 1985). وشارك في السهرة أيضاً شخص يدعى « جون هولمز» الذي وصفه التقرير بأنه ضابط كبير في القوات الخاصة في  سلاح الجو الملكي البريطاني. ويشير التقرير إلى أن الضيوف البريطانيين، رغم الطابع الاجتماعي للسهرة، طرحوا أسئلة على «بشار» تتعلق بموقفه من السلام مع إسرائيل والمفاوضات التي كانت بدأت صيف ذلك العام، و ما إذا كان يعرف الدكتور «موفق العلاف»( رئيس الوفد السوري في تلك المفاوضات).
 
تعليقي على محتوى التقرير: السيدة «إليزا بولر» أصبحت لاحقاً مديرة المخابرات الداخلية في بريطانيا. وجميع من ترد أسماؤهم في التقرير أسسوا لاحقاً (في العام 2003) ، مع آخرين، ما سيعرف باسم «جمعية الصداقة البريطانية – السوريةThe British Syrian Society». وقد أصبحت هذه الجمعية وكراً وجسراً للاتصالات السرية غير المباشرة بين النظام وإسرائيل، بل حتى لتأمين دخول صحفيين إسرائيليين إلى سوريا بجوازات سفر إما مزورة أو تحمل جنسيات أخرى. وخلال عدوان تموز 2006 على لبنان ، أرسل «بشار الأسد» عبر هذه الجمعية رسالة شفهية عاجلة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت»، وطلب من عمه «فواز الأخرس» (رئيس الجمعية) الاجتماع مع السفير الإسرائيلي في لندن، «تسفي هيفتز»، لإبلاغه بأنه «أقنع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بعدم قصف منطقة غوش دان ( تل أبيب الكبرى)، التي كان نصر الله تعهد بقصفها في عبارته الشهيرة: ما بعد بعد حيفا». وكان «أولمرت»، ورئيس أركانه  «دان حالوتس»، هددا يومها علناً بأن «إسرائيل ، وإذا ما قصف حسن نصر الله منطقة غوش دان، لن تدمر بيروت، ولكن دمشق، وستهدم القصر الرئاسي على رأس بشار الأسد بسبب سماحه بمرور الصواريخ الإيرانية إلى لبنان». (أستطيع الآن أن أشكر المرحوم «وليد المعلم»، وزير الخارجية، الذي زودني برسالة خاصة أرسلها له الدكتور «غيث أرمنازي» من لندن حول الاجتماع بين «فواز الأخرس» والسفير الإسرائيلي «تسفي هيفتز» والملحق العسكري «شلومو كوفمان» في فندق « رويال غاردن» بتكليف من صهره «بشار الأسد». وسبق لي أن أعطيتها لأحد الأصدقاء ونشرها على حسابه قبل سنوات). وفي العام 2007، حين نشرت (على موقعنا) تقريراً عن الاجتماع بين «الأخرس» والسفير الإسرائيلي، أرسل لي «الأخرس» محاميه مهدداً برفع دعوى قذف وتشهير ضدي إذا لم أحذف التقرير، فرفعت بوجهه الوثائق التي أملكها عن القضية، فانسحب من القضية فوراً هو و موكله!
 

الوثيقة الثانية

ـ الوثيقة الثانية التي تحمل تاريخ 27/ 11/ 1998: في هذا التقرير الذي رفعه «علي دوبا» إلى «الأسد الأب» يكشف الضباط والديبلوماسيون، الذين جرى تكليفهم بـ «المراقبة الإيجابية» لابنه و علاقاته مع «آل الأخرس» وابنتهم، أن «إليزا مولر»( ضابطة المخابرات التي ورد ذكرها في الوثيقة الأولى) أمّنت وظيفة لـ «أسماء الأخرس» في «بنك مورغان» الأميركي في لندن، وطلبت منها ترك «البنك الألماني في نيويورك» والعودة إلى لندن للالتحاق بها.  أما وظيفتها الجديدة في لندن فكانت مراقبة الاستثمارات الآسيوية، لاسيما الصينية، في قطاع الصناعات الكيميائية والدوائية . وسيكون عليها أن ترفع تقاريرها السرية إلى شخص يدعى «كولين ماكول»، الذي كان آنذاك عضو المجلس الإستشاري في مؤسسة «أوكسفورد أناليتيكا». وكما يذكر التقرير بحق، فإن هذا الشخص  كان مدير المخابرات الخارجية البريطانية خلال الفترة 1989 – 1994. 
 
تعليقي: ما لا يرد هنا، ويرد في تقرير آخر، هو أن «كولين ماكول» هو من سيصبح «عرّاب زواج أسماء الأخرس من بشار الأسد»، وهو من سيكلفها بخمس مهمات تخريبية – استراتيجية على الأقل، إحداها حل «الحرس الجمهوري» و«إعادة هيكلة الجيش السوري»، كما أشرت خلال السنوات السابقة مراراً. أما من سيعهد له بهذه المهمات فليس سوى شركة استشارات أمنية تدعى «هنري جاكسون سوسايتي The Henry Jackson  Society»، وهي شركة استشارات أميركية – بريطانية و واجهة لأجهزة استخبارات البلدين، بالإضافة لجهاز «الموساد» الإسرائيلي. والرهيب في الأمر أن هذه الشركة هي من ستقدم لـ «برهان غليون»(يوم كان رئيساً للمجلس الوطني السوري) «ورقة عمل أمنية»، تتضمن – فيما تتضمنه – نصيحة بأن يطلب من وزيرة الخارجية الأميركية «هيلاري كلينتون» (خلال اجتماعه الرسمي معها في جنيف، 6 كانون الأول / ديسمبر 2011) أن «تقوم الولايات المتحدة بقصف وتدمير مواقع معينة للجيش السوري»، ليست في الواقع سوى  فروع مركز البحوث العلمية  ومصانعه في المحافظات السورية! لكن ماهو  ألعن من هذا بكثير، فإن هذه الشركة نفسها، وبالتعاون مع «شعبة الاتصالات الاستراتيجية Strategic Communication Service» في وزارة الخارجية البريطانية ( وهي إحدى واجهات المخابرات البريطانية)، هي من ستقوم بتدرييب الإرهابي الجاسوس «أبو محمد الجولاني» في أنطاكيا وأدلب، إعلامياً وأمنياً، وعلى كيفية التصرف الأمني والإعلامي والسياسي بعد الاستيلاء على دمشق، الذي كان يجري التخطيط له منذ الصيف الماضي ( قبيل اغتيال «نصر الله» بحوالي شهر) بين روسيا وتركيا، بمعرفة الجاسوس «علي مملوك»! (راقبوا يد «الجولاني» وساعة «رادو» التي يضعها في معصمه، التي ثمنها 18 ألف دولار. هذه الساعة لها قصة طريفة مع هذه الشركة، وردت في وثائق أخرى تتعلق بلقاءات هذا الجاسوس القذر مع مبعوثين إسرائيليين إليه!!). 
 
ما يلفت الانتباه ، إدارياً وأمنياً، في جميع  التقارير التي كان يرفعها «دوبا» إلى «الأسد الأب» حول «المراقبة الإيجابية لبشار» هو أن جميعها كانت بلا رقم، واقتصرت على تواريخ الإرسال. ومعنى هذا أنها لم تكن تسجل في سجلات البريد الصادر. وما يؤكد هذا أن جميعها رُوّست بعبارة «سري للغاية، يسلم باليد من قبل الضابط المكلف ويفتح بالذات». وهذا يعني أن ضابطاً كان مكلفاً بنقل هذه التقارير «العائلية» الخاصة من «دوبا» إلى «الأسد». لكن «دوبا» كان حريصاً  على وضع نسخ منها في أرشيف الشعبة ، الذي – كما أخبرني أحدهم مؤخراً – أقدم النظام على حرقه في محرقة شعبة المخابرات  العسكرية في «مدرسة ميسلون للمخابرات» بريف دمشق بعد عودة بشار من موسكو بتاريخ 1 كانون الأول / ديسمبر الماضي. وهو ما أقدمت عليه الأجهزة الأخرى ( مكتب الأمن الوطني/ القومي، إدارة المخابرات الجوية، إدارة المخابرات العامة، القصر الجمهوري ، بعض الدوائر المدنية ..إلخ) ، حيث حرقت أراشيفها الورقية الحساسة في الفترة نفسها في «محرقة إدارة المخابرات العامة» و «محرقة رئاسة الأركان»، فضلاً عن تدمير الحافظات ( الهارديسكات الخارجية) التي تحتفظ بالوثائق الرقمية بعد أتمتة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. وآمل أن هذا لم يحصل للأرشيف العسكري المركزي ( المكتب 489/ فرع الشيفرة وأمن الوثائق)، الذي يضم جميع الوثائق المتعلقة بالجيش، عن بكرة أبيها، منذ العام 1920 ( بما فيها حتى الأوراق الثبوتية الخاصة بالشهيد «يوسف العظمة») حتى يومنا هذا. ولن أقول أين تقع الأنفاق الجبلية التي تضم خزائن هذا المكتب، الذي آمل أن لايكون وصل إليه الإسرائيليون حين نفّذوا - بتواطؤ جواسيسهم داخل أعلى هرم النظام - إنزالهم الجوي قرب مصياف  في أيلول / سبتمبر الماضي، وهو ما لم أستطع التأكد منه حتى الآن! 
 
 ـ كما في كل مناسبة من هذا النوع، أتوجه بالعرفان لذكرى المقدم المغدور «علي فاضل» ، رئيس مكتب «غازي كنعان» في لبنان، ثم مدير مكتب نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء «علي يونس»، حتى تصفيته طبياً في مشفى تشرين العسكري في العام 2004 ؛ وإلى العميد الحلبي/ الإدلبي «عمر شرق»، نائب رئيس فرع التحقيق 248 في شعبة المخابرات العسكرية. فلولا هذان الضابطان، وكل منهما لدوافعه الخاصة المختلفة، لم يكن بالإمكان الحصول على جزء كبير من أرشيف شعبة المخابرات العسكرية، وغيرها، خلال السنوات العشر الأولى التي أعقبت إطلاق سراحي في العام 2001. 
 
ـ في التقارير الأخرى التي رفعها «دوبا» إلى «الأسد» حتى قبيل تسريحه بفترة وجيزة  مطلع العام 2000، ثمة عبارات واضحة لا لبس فيها تحذر «الأسد الأب» من أن «البريطانيين ، سيدي القائد العام، يعملون على تدبير زواج الدكتور بشار من الآنسة أسماء الأخرس، وقد اتفقوا على ذلك حين تؤول القيادة إليه من بعدك، بعد عمر طويل.....إلخ» (حرفياً)!! ومن المعلوم أن مرض «الأسد» كان اشتد يومها ، وتبين من  خلال فحوصات لعينات من بوله كان سرقها عملاء الموساد، بمساعدة شركائهم في المخابرات الأردنية، خلال مشاركته في تشييع أخيه الملك الجاسوس «حسين  بن طلال» في عمان، أن أيامه أو أشهره أصبحت معدودة! وليس ثمة شخص أعلم بالبريطانيين من «علي دوبا». فقد كان الشاهد الوحيد على أول لقاء سري جمع «الأسد الأب» مع مدير المخابرات البريطانية « ريتشارد/ ديك وايت» في أيار / مايو 1965 في لندن. ويومها كان «دوبا» ملحقاً عسكرياً في سفارتنا في بريطانيا. وكان هذا سبباً في اتخاذ «صلاح جديد» قراراً بنقله إلى سفارتنا في صوفيا / بلغاريا بعد حركة 23 شباط 1966 مباشرة، ليكون هناك تحت أعين «مخابرات دولة صديقة»! ولكن هذه قضية أخرى.
 
 ـ كان كمين «علي دوبا» على طريق المطار هو المحاولة الثانية الناجحة لاصطياد «باسل» بعد محاولة أولى فاشلة في ألمانيا الغربية ( قبل الوحدة)، راحت ضحيتها قريبتي غير المباشرة، ورفيقة أيام الصبا والمدرسة، «عائدة جبور أحمد»، سكرتيرة السفير السوري «سليمان حداد». وحين أطلق سراحي في 6 أيار / مايو 2001، تحدثت - كما يتذكر ملايين السوريين - مع «بي بي سي» العربية ( لا تزال ملفاتها الصوتية موجودة على موقع الإذاعة) عن المقابر الجماعية التي نبشتها في سفوح «جبل عويمر» و«جبل خشم عنتر» في تدمر قبل اعتقالي، وذكرت قصة «كمين ألمانيا». ويومها أرسلت لي السيدة «أنيسة مخلوف» مبعوثاً خاصاً إلى قريتنا في ريف جبلة مع رسالة تقول فيها  باختصار « سمعت يا ابني ما قلته في الإذاعة. لم تقل إلا الصدق ،أعرف أنهم قتلوا ابني ولم يمت بحادث سيارة قضاء وقدر ...إلخ». وطلبت المساعدة في المعلومات، وكتبت لها ما أعرفه، وما أنا متأكد منه. ولم يكن بإمكاني أن أتصرف إلا بأخلاقي. فأنا لا أستطيع إلا أن أحترم مشاعر الأمهات الثكالى، مهما كنّ، بغض النظر عن موقف هؤلاء الناس من مشاعر أمي وأمهات الآلاف من السوريين. فهذه أخلاقنا وتلك أخلاقهم، كما قال خالد الذكر «تروتسكي».
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

الحكومة السورية الجديدة

مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان: تشكيلة الحكومة خيبت آمال الكثير من السوريين

أثار تشكيل الحكومة السورية الجديدة (29 اذار 2025)، ردود فعلٍ متنوعة، وكان موضع استياء لدى مختلف القوميات والديانات والمذاهب والطوائف في سوريا، من الكورد والدروز والمسيحيين والعلويين وغيرهم. كما أن المسيحيين، بوصفهم مكوناً دينياً أصيلاً في ذلك البلد، غير راضين عن طريقة تشكيل هذه الحكومة، وطبيعتها.