رووداو ديجيتال
في اواسط السبعينيات وحتى عقد الثمانينيات اندفعت مئات الالاف من العوائل العربية من بغداد وبقية محافظات وسط وجنوب العراق، لاسباب اقتصادية او حسب توجيها حزبية بعثية، للانتقال الى كركوك حيث كانت الحكومة، وحسب قرارات مجلس قيادة الثورة، تمنحهم قطع اراضي سكنية مع منحة مالية لبناء مساكن لهم بشرط نقل سجلات نفوسهم الى محافظة التأميم، كركوك، بينما تم تهجير قرى كوردية باكملها ومنح اراضيهم لعشائر عربية من وسط وجنوب العراق تنفيذا لخطة استهدفت لتغيير الديموغرافي للمحافظة واقليم كوردستان وتعريبها.
الاسبوع الماضي، وبالتحديد يوم 21 كانون الثاني 2025، مرر مجلس النواب العراقي، في جلسة مثيرة للجدل وضمن ما اطلقعليه قوانين السلة الواحدة، تشريع الغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاص بمصادرة الاراضي ، الخاصة بالكرد والتركمان في كركوك وفي مناطق اقليم كوردستان واعادتها الى اصحابها.
لكن عز الدين طالباني، من سكان كركوك، الذي تمت مصادرة اكثر من 50 الف دونم من اراضيه عام 1975، في قضاء داقوق بمحافظة كركوك و منحها مع مئات الالاف من الدونمات للعشائر العربية القادمة من وسط وجنوب العراق، لا يتوقع ان الامور سيتم حلها بهذه السلاسة واعادة املاكهم لهم بين ليلة وضحاها، فهو يتوقع ان تأخذ العملية" أكثر من 10 سنوات، إذ ليس من السهولة ان يترك شخص وعائلته ارض حصل عليها وفق قرارات حكومية وعمل وعاش فيها على مدى 50 عاما ويقول لي تفضل هذه ارضك ويرحل".
طالباني الملم بقصص السيطرة على اراضي الكورد والتركمان وفق قرارات مجلس قيادة الثورة، بكل تفاصيلها، قال لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الاربعاء 29 كانون الاول 2025، أن:" الاستيلاء على اراضينا تمت وفق قرارات لمجلس قيادة الثورة وليس بقرار واحد، وقرارات هذا المجلس (المنحل) تحولت الى قوانين، بل لها سطوة وقوة اكبر من القوانين الحكومية".
ويشير بدقة بالارقام والتواريخ والاسماء والعناوين الى المناطق التي تمت مصادرتها " بعد النكسة التي لحقت بالثورة الكوردية نتيجة اتفاقية الجزائر عام 1975، صدر في تموز من العام ذاته قرار مجلس قيادة الثورة رقم 369 في تموز 1975 وبموجبه استولت الحكمة على 135 الف دونم ابتداءا من قضاء دبس في كركوك وهي منطقة فيها ثروات طبيعية، نفط وغاز، اضافة الى انها ارض زراعية خصبة، وشملها مشروع ري كركوك ، ومقاطعتين في (ألتون كوبري) وتمدد الى اطراف كركوك (حمزلي) و(صاري كية) و(منطقة 90)، وكذلك منطقة (ياي چي) و(تركلان) و(طوب زاوة)، وشنل نفس القرار منطقة (ليلان) التابعة لها (ساري تبة) و(يارنجة) حتى قضاء داقوق وصولا الى قضاء (طووز خرماتو) الذي كان تابعا لكركوك، وعدة مقاطعات في (آمرلي)". مستطرا " كل هذه الاراضي صادرتها الدولة، وتم تخصيص مساحات واسعة منها كمجمعات سكنية للعشائر العربية القادمة من وسط وجنوب العراق، وتم توزيع الاراضي عليهم بموجب قانون الاصلاح الزراعي الذي لا علاقة له بالاستيلاء على اراضي مستملكة وتوزيعها على العشائر العربية، بل ان قانون الاصلاح الزراعي لسنة 1970 نظم ملكية الاراضي فصادر جزء من اراضي الاقطاعيين، واحدهم جدي، ووزع بنسب متساوية اراضي للفلاحين الذين لم يكونوا يمتلكون مترا واحدا". وان كل ما حدث من قبل مجلس قيادة الثورة هو" اغتصاب لاراضي الكورد والتركمان، ولحقتها قرارات اخرى، لمجلس قيادة الثورة، صدرت عام 1976، برقم 824، الذي بموجبه تمت مصادرة 40 الف دونم في 9 مقاطعات في قضاء داقوق حصرا. ثم صدر قرارين في منطقة (سركران)، وملحقاتها وامتد حتى خانقين ومندلي في ذات العام 1975، وفي قرى (قورة تو) وغيرها حتى خط التماس مع حدود ايران، وهي مناطق غنية بالنفط، وتمت السيطرة عليها وترحيل اهلها الكورد الى جنوب العراق". مضيفا " وفي كركوك كانت عدة مقاطعات تابعة للتركمان قد استولت عليها الحكومة، قسم من هذه الاراضي تم تسجيلها باسم وزارات: الدفاع والنفط والمالية والزراعة ، وفي نفس الوقت خولت الحكومة وزارة الزراعة لابرام العقود مع الفلاحين من العشائر العربية الوافدين من وسط وجنوب العراق ونقل سجلات نفوسهم الى كركوك وكانت هذه شروط الدولة حسب قرارات مجلس قيادة الثورة آنذاك".
ينبه عز الدين طالباني الى ان:" هذه الاجرارت بقيت ثابتة ولا تتغير ولا احد يستطيع الاعتراض عليها والمطالبة بارضه والا يتم سجنه وترحيله، حتى سقوط النظام عام 2003، وبعد انتهاء مجلس الحكم وتشكيل الحكومة المؤقته، حكومة اياد علاوي، وكتابة الدستور والاستفتاء عليه عام 2005، ورد مادتين تتعلق مشكلة هذه الاراضي المصادرة وتوزبعها على الوافدين هي، المادة 140 في الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، ولمعالجة اضرار مكتب شؤون الشمال، وهيئة النزاعات الملكية التي تتعلق بالاراضي المصادرة حسب قرارات مجلس قيادة الثورة التي اصبحت بمثابة القانون في الدولة والقانون لا يُلغى الا بتشريع قانوني من قبل مجلس النواب او من قبل هيئة النزاعات الملكية عبر المحاكم، وكذلك معالجة مشاكل بقية الاراضي (المطفئة) بعد عمليات الانفال خلال الثمانينات في الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988) وفي عمليات الانفال وترحيل الكورد ، يسمونها (الاراضي المطفئة) والمحجوزة والمصادرة التي بلغت مساحتها 900 الف دونم، وتشمل القرى التي اطلق عليها مصطلح الحزام الامني، وهذه ايضا تم تسليمها للعشائر العربية وتزويدها بالمعدات الزراعية وحفر الآبار في المناطق غير الاروائية ومنحهم المال من اجل الاستقرار بهذه المناطق التي تم تهجير اهلها الكورد حتى حدود جمجمال".
وبتفصيل اكثر يوضح عز الدين طالباني " ان القرارات المتعلقة بمناطق الحزام الامني صدرت من قبل مكتب شؤون الشمال الذي كان مسؤوله طه ياسين رمضاتن ثم علي حسن المجيد، وليس من مجلس قيادة الثورة التي صادرت قراراته 300 الف دونم في كركوك وحدها حيث احيلت قضاياها الى هيئة النزاعات الملكية وتولت عام 2005 استلام الطلبات وتمكنت من معالجة قضايا بسيطة ومحدودو وبخجل ، بينما تخصصت المادة 140 لمعالجة عواقب ومشاكل المناطق المنتنازع عليها والمناطق المؤنفلة".
ويستطرد طالباني بالحديث عن تفاصيل ازمة الاراضي المصادرة او المستولى عليها بسبب قرارات مجلس قيادة الثورة" في عام 2010 حشد بعض النواب العرب في البرلمان العراقي تكتلا قويا ضد اعادة الاراضي المصادرة في كركوك واقليم كوردستان الى اصحابها الشرعيين من الكورد والتركمان بحجة ان هذه الاراضي ملكا لوزارات الدفاع والمالية والنفط، وحرضوا هذه الوزارات للتمسك بحقوقها والاعتراض على قرارات المحاكم وتوكيل محامين لابقاء سيطرتهم على الاراضي (حرصا على المصلحة العامة) وتم تشريع قانون حقوق الوزارات في هذه الاراضي ومصادرتها وتم تمرير هذا القانون باغلبية الاصوات وللاسف ان البرلمانيين الكورد لم يستوعبوا خطورة وتبعات هذا القانون ووافقوا عليه وتمت المصادقة عليه من قبل اللجنة القانونية النيابية ومن قبل رئيس الجمهورية فيما بعد".
وكشف طالباني " نحن لنا في داقوق 50 الف دونم، 25 في منطقة الطالبانية ومثلها في الداقوقية وكلها مصادر من قبل مجلس قيادة الثورة، ولست متفائلا باستعادتها بسهولة حيث ستكون هناك مشاكل مع العرب الموجودين فيها وفي اراضي اخرى منذ 50 سنة وحصلوا عليها بقرارات حكومية ولا نتوقع خروجهم بسهولة او بطريقة سلسة، الا اذا عملت الحكومة بجدية لبسط الامن وتكليف القوات الامنية او الجيش لسحب الاراصي منهم واعادتها لاصحابها الشرعيين، لكننا على يقين ان هذا لن يتم بسبب معرفتنا بتوجهات احزاب الحكومة". وخلص الى انه" ما فائدة صدور قوانين عن البرلمان اذا لا تطبق او اذا لا تتحمل الحكومة مسؤولية تطبيقها ومنع اية احتكاكات بين اصحاب الارض والمسيطرين عليها..ولا نتوقع تنفيذ هذه القوانين قبل مرور 10 سنوات على اقل تقدير".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً