رووداو ديجيتال
تناقصت أعداد الكورد الإيزديين في بغداد، ولاسيما بعد 2003 لعدة أسباب، أبرزها أمنية وأخرى متعلقة بطبيعة عملهم، في حين تعرض نحو 300 منهم الى القتل.
الإيزدية ديانة معترف بها رسمياً في العراق، والتي يرجع أصولها إلى ما قبل الميلاد، وكان يقدر اعدادهم في العراق بنحو 550 الف نسمة، لكن هاجر ما يقارب 100 الف منهم بعد هجوم تنظيم داعش على مناطقهم بمحافظة نينوى في آب 2014 حسب ارقام مكتب انقاذ الايزيديين التابع لحكومة اقليم كوردستان.
رجل الأعمال الكوردي الإيزدي غازي بسو، يقول في مقابلة مع شبكة رووداو الاعلامية بهذا الصدد، إن "الكورد الإيزديين كانوا في بغداد منذ حقبة الستينيات، لكن الفترة بين الثمانينات والتسعينيات شهدت تواجد الإيزديين في العاصمة العراقية بكثرة".
ويستدرك أنه "وبسبب الظروف التي مرت على البلد منذ أحداث الحرب العراقية – الإيرانية، ومن ثم سقوط النظام السابق عام 2003، وبعدها الحرب الطائفية، أدت الى نزوحهم بشكل شبه كامل عن بغداد، حيث لم يبق منهم في بغداد إلا نحو 10 عوائل"، لافتاً الى أن "العوائل الإيزدية التي بقيت في محافظة بابل قليلة جداً جداً حسب معلوماتي، وربما لا تتجاوز الثلاث عوائل".
بخصوص طبيعة عملهم في بغداد، يوضح غازي بسو أنه "ومنذ مجيء الكورد الإيزديين الى بغداد والمحافظات الجنوبية دخلوا مهنة الخدمات السياحية كالمطاعم والفنادق والنوادي".
ويبيّن أنه "وبسبب الطائفية التي حصلت في البلد وغياب الأمان، تعرض الكورد الإيزديون الى الاضطهاد من حيث الجانب الأمني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما يخص مهنتهم المتمثلة ببيع الكحول والتي شهدت عدم مقبولية من عدة شرائح بالمجتمع، حيث تم غلق منتجعات سياحية بشكل عام مثل بحيرة الحبانية وبحيرة ساوة، وكذلك أثرت ظاهرة رفض المدنية في البلد على وجود الكورد الإيزديين في بغداد وجنوبي العراق".
وينوّه الى أن "أغلب الكورد الإيزديين توجهوا بعد خروجهم من بغداد، قبل عملية الابادة في عام 2014، الى سنجار، ولكن بعد هذا التاريخ توجهت أغلبيتهم المطلقة الى اقليم كوردستان، وحتى من غادر منهم الموصل توجّه من هناك الى اقليم كوردستان".
ويرى رجل الأعمال الكوردي الإيزدي أن "الوضع في اقليم كوردستان أفضل بالنسبة للإيزديين من عدة نواحي، مثل لغتهم الكوردية الأم، حيث ينسجمون كثيراً مع الأجواء الموجودة في كوردستان، كما أن مناطقنا الأصلية التي ننحدر منها هي أصلاً كوردستان، لكن الذين قدموا الى بغداد كان هدفهم العمل، خصوصاً وأن العاصمة كانت تتوفر فيها في حقبة الثمانينيات فرص عمل بشكل أكبر من المحافظات الجنوبية".
أما بشأن حالات الاغتيال للكورد الإيزديين في بغداد، يقول غازي بسو أنه "حدثت حالات اغتيال للكورد الإيزديين في بغداد بالجملة، ولاسيما بعد عام 2010، حيث تشير المعلومات الى مقتل نحو 300 إيزدي في بغداد لأسباب تتعلق بعملهم المتمثل ببيع المشروبات الكحولية ورفضاً للمدنية"، مستشهداً بواحدة من تلك الحالات "ما حصل في عام 2011 حيث راح نحو 10 من الكورد الإيزديين ضحايا عملية قتل، وغيرها من الحوادث أثناء تنقلهم من مكان الى آخر".
تضرر 300 ألف عامل بقطاع السياحة
بخصوص عملهم في القطاع السياحي، يوضح غازي بسو أنه "ومنذ بداية هذه السنة كان يعمل نحو 10 الاف كوردي إيزدي في الأماكن السياحية، وأكثر من هذا العدد من غير الإيزديين، وبالتالي كانوا مستفيدين من العمل في المرافق السياحية المتعلقة بيع المشروبات الكحولية".
ويستدرك أنه "منذ بداية هذه السنة حصلت اجراءات صارمة ضد هذه المرافق السياحية وتم غلقها، لذا تضرر نحو 300 ألف شخص يعملون بهذا المجال، سواء بائع أو ناقل أو عامل".
رجل الأعمال الكوردي الإيزدي، يدعو "رئيس الوزراء والدولة العراقية وأصحاب الشأن الى إعادة النظر بهذا الأمر، وفتح المجال أمام قطاع السياحة، على اعتبار أنها حرية شخصية"، مؤكداً أنه في حال "تم السماح لهذا القطاع بالعمل مجدداً سينشط القطاع السياحي، ويدر دخلاً جيداً لخزينة الدولة، لاسيما وأن هذا القطاع المهم والحيوي تعرض الى دمار هائل، بينما الكثير من الدول حولنا مثل تركيا والامارات يستفيدون من القطاع السياحي ويعتبرونه عصباً مهماً لاقتصاد الدولة".
تمثيل الكورد الإيزديين في البرلمان
بخصوص تمثيل الكورد الإيزديين في مجلس النواب العراقي، يرى غازي بسو أن "تخصيص مقعد واحد في مجلس النواب العراقي للإيزديين هو غبن آخر لحق بهم، على اعتبار ان عدد الإيزديين في العراق ليس أقل من 500 ألف مواطن، وبالتالي فهذا التمثيل لا يوازي حجمهم".
ويوضح أنه "في 2010 تم تكليف محامي بالمطالبة القانونية من خلال المحكمة الاتحادية فيما يخص وجود غبن بالتمثيل النيابي للإيزديين، وفي وقتها أقرت المحكمة بمنح الإيزدية أكثر من ثلاثة مقاعد، لكن للاسف لم يتم الاهتمام بهذا القرار ولم يتم تنفيذه، وبقي المقعد الوحيد لهم في البرلمان العراقي".
أما بشأن وضع الكورد الإيزديين في اقليم كوردستان، من الذين غادروا بغداد، يقول رجل الأعمال الكوردي الإيزدي إن "الذين تركوا بغداد وتوجهوا الى اقليم كوردستان عملوا في عدة قطاعات، منها السياحة والزراعة والثروة الحيوانية والمقاولات واستثمار أراضيهم بالمشاريع المختلفة".
وضع سنجار "ضبابي"
كما يرى أن "الوصع الأمني الحالي في سنجار ضبابي وغير واضح، وهنالك تدخلات، علماً أن قضاء سنجار هو أكبر قضاء في العراق لكن لحد الآن لم يتم الاتفاق على إدارة حكومية له"، موضحاً: "لو يوجد حس بهذا الجانب، لتم وضع حل له وعادت العوائل الى مناطقها".
"من الجانب الاقتصادي لا توجد بنية تحتية اقتصادية، وبالتالي لا يشجع ذلك على عودة النازحين الى سنجار"، حسب غازي بسو، الذي يضيف أن "الكثير من العوائل عادت الى مناطقهم، لكنها لم تجد اهتماماً فيها على المستوى المطلوب".
ويؤكد على أنه "من المفترض بالمهتمين بهذا الشأن، وضع خطة لإعادة إعمار البنى التحتية، كي يتمكن النازحون من العودة الى بيوتهم، ولكي لا ينزحوا مرة ثانية"، محذراً من أن "الأهالي مقبلون على فصل الشتاء، لذا ينبغي بالقائمين على هذا الملف الاسراع بانجاز مستلزمات عودة النازحين".
قام داعش بتدمير حوالي 80 في المائة من البنية التحتية العامة و70 في المائة من منازل المدنيين في مدينة سنجار والمناطق المحيطة بها، فيما الافتقار إلى الخدمات الأساسية والمأوى المناسب في المناطق الأصلية يعني أن تحقيق حلول دائمة للنزوح للإيزديين الذين عادوا وأولئك الذين يرغبون في القيام بذلك ليس بالأمر السهل.
"الخدمات في سنجار ليست بالمستوى"
ويعتقد أن "الوضع الموجود من حيث الخدمات ليس بالمستوى المطلوب"، منتقداً "وجود صراع اقليمي بين عدة أطراف دولية في سنجار".
ويلفت غازي بسو الى أن "وزارة الهجرة والمهجرين أعلنت عدة مرات عزمها غلق مخيمات النازحين، لكن من دون توفير البديل، وهو ما يضر بالناس"، مؤكداً أن "هنالك حالات كثيرة من النزوح العكسي المتمثل بعودة النازحين الى مناطقهم الأصلية، لكنهم وعندما لم يجدوا البنى التحتية والخدمات، عادوا الى مناطق نزوحهم مجدداً، خصوصاً وأن الأهالي مقبلون على موسم الشتاء ولم يتم تجهيز المطلوب لحد الآن".
رجل الأعمال الكوردي يوضح أن "الكثير من العوائل النازحة توسعت، حيث تزوج الأبناء وأصبحت العائلة كبيرة، لذا هم بحاجة الى بيت آخر، لكن للأسف لا يتم النظر الى الأمر بشكل ايجابي".
كما يقول غازي بسو أن "الكورد الإيزديين يشعرون أنهم تعرضوا الى ظلم كبير سابقاً، وبعد عام 2003 أيضاً، لذا ينبغي الحفاظ على هذا المكون الأصيل الذي تعد جذوره مغروسة داخل الأرض منذ الاف السنين"، مشدداً على "ضرورة توفير متطلبات الحياة لهم للبقاء في أرض آبائهم وأجدادهم".
لاتزال البنية التحتية لسنجار مدمرة، مما أدى إلى تحديات في الوصول إلى المياه الصالحة للإستخدام والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم والتي تجبر العوائل على التركيز على تلبية احتياجاتهم الملحة بدلاً من إعادة بناء حياتهم بشكل هادف.
الهجرة الى أوروبا وأميركا وأستراليا
بشأن هجرة الكورد الإيزديين الى خارج العراق، يبيّن غازي بسو أن "هنالك عدداً غير قليل منهم هاجروا الى أوروبا، ولاسيما الى المانيا والسويد والدنمارك وهولندا وفرنسا، كما أن البعض منهم هاجر الى استراليا وأميركا عبر المنظمات".
ويضيف أن "هنالك رغبة للمهاجرين بالعودة الى العراق، لكن الأمر يحتاج الى ايجاد عوامل استقرار لهم وبنى تحتية ومتطلبات الحياة".
بخصوص تعويض الكورد الإيزديين عما لحق بهم، يرى غازي بسو: "لم يتم تعويضهم من قبل الحكومة العراقية عما جرى لهم من الناحيتين السياسية والمعنوية، كما أن هنالك منحة بأربعة ملايين للأسر النازحة لا أعتقد أنها تساوي شيئاً يستحق".
حول عدد المفقودين منهم، يوضح أن "هنالك عدداً غير قليل ربما يصل الى نحو 3 آلاف كوردي إيزدي لازال مفقوداً أو بيد بقايا تنظيم داعش، كما أن هنالك من تم ترحيلهم معهم الى بعض الدول مثل تركيا ودول شمال افريقيا، فيما لازال البعض منهم في مخيم الهول السوري".
"معاقبة خطاب الكراهية"
ويعتقد أن "مستقبل الكورد الإيزديين في العراق مرتبط بتشريع بعض القوانين، منها معاقبة خطاب الكراهية وتكفير الآخرين، وهو أحد النقاط المهمة، وكذلك توفير مستزلمات الحياة والبنى التحيتة لمناطقهم، وتعيينهم في دوائر الدولة والمؤسسات العسكرية والدوائر الأمنية وغيرها، كأي مواطن عراقي آخر، ولكي لا يشعر بأنه مواطن من الدرجة الثانية".
غازي بسو، يدعو الحكومة العراقية الى "تقييم الحالة التي حصلت على الكورد الايزديين وتعويضهم بما لحق بهم من ضرر وغبن، وخاصة بعد أحداث عام 2014، وكذلك أوجه الدعوة الى اقليم كوردستان بهذا الصدد".
كما يدعو الكورد الإيزديين الى "البقاء في أراضي آبائنا وأجدادنا، وأن نتحمل الجور والظلم الذي تعرضنا له"، معرباً عن الأمل بـ"تغير الأوضاع".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً