رووداو ديجيتال
في ورشته الصغيرة بمدينة الموصل العراقية، ينهمك عبد الحق إسماعيل في صناعة دف تقليدي، حيث يلف قطعة من الجلد الطبيعي بعناية حول إطار خشبي، متبعاً خطوات دقيقة تضمن جودة الصوت والأداء.
يقول إسماعيل، الذي يمارس هذه الحرفة منذ عقود، إن الإطار يلعب دوراً حاسماً في جودة الدف، موضحاً: "يجب معالجة الإطار بالملح لحمايته، ثم تجهيز قبضة للإمساك، قبل تثبيت الحلقات التي تحسن الصوت والشكل العام للدف". ويفضل أن يكون الإطار مصنوعاً من خشب الكستناء أو الجوز، حيث يتم تشكيله بأقطار تتراوح بين 43 و50 سنتيمتراً.
أما الجلد المستخدم في صناعة الدف، فيؤكد إسماعيل أنه طبيعي بالكامل، وغالباً ما يكون من جلد الغنم أو الماعز، لكل منهما خصائصه. ويوضح: "جلد الغنم يصدر صوتاً جيداً في الصيف، بينما يكون جلد الماعز أكثر ملاءمة للشتاء".
قبل استخدامه، يتم نقع الجلد في الماء لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات حتى يصبح أكثر مرونة، ثم يُمدد بعناية على الإطار ليجف في الهواء أو تحت أشعة الشمس، وبعد ذلك يُزال الفائض منه.
ورغم التطورات التي شهدتها صناعة الآلات الموسيقية، لا يزال الدف يحظى بمكانة بارزة في التقاليد الدينية بالعراق والمنطقة، خاصة في الموصل، حيث تحيي التكايا الصوفية والمساجد فعاليات دينية يُستخدم فيها الدف على نطاق واسع.
يشير إسماعيل إلى أن الموصل تكاد لا تخلو من تكية صوفية، حيث تُقام حلقات الذكر والاحتفالات الدينية، مضيفاً: "في هذه المناسبات، يُستخدم الدف كعنصر أساسي في الإنشاد والمديح".
ويؤكد أحمد عبد الله، المنشد في الطريقة الصوفية الكسنزانية بالموصل، أهمية الدف في الطقوس الصوفية، قائلاً: "دوره لا يقتصر على إضفاء الإيقاع، بل يساعد على تنظيم تحركات المستمعين خلال جلسات الذكر".
ويضيف عبد الله أن ارتباطه بالدف يتجاوز كونه مجرد آلة موسيقية، قائلاً: "أعتبره جزءاً من روحي، فهو يتناغم معي في جميع حالاتي، سواء كنت حزيناً أو سعيداً، وأستطيع التعبير عن مشاعري من خلاله".
بهذه الحرفية والتقاليد العريقة، تستمر صناعة الدف في الموصل، محافظةً على إرث موسيقي وتراثي يمتد عبر الأجيال.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً