بغداد تتحول إلى ورشة عمل كبيرة لتعود إلى مجدها

13-04-2025
معد فياض
الكلمات الدالة العراق بغداد
A+ A-
رووداو ديجيتال

قبل أن ندخل برّاً إلى بغداد تذكرت سؤال سائق تكسي كوردي شاب في أربيل عن بغداد، قلت له: مدينة جميلة لكنها تحتاج إلى إعمار.. سألته: هل زرتها سابقاً؟ قال: لا، لكنني أتمنى زيارتها لأنها عاصمتنا.. عاصمة العراق.. هذا الرد منحني شعوراً بالاطمئنان على وحدة العراقيين كشعب وليس كسياسيين.
 
بغداد تبدو اليوم مثل طائر العنقاء وهو يحلّق من خراب متراكم منذ أكثر من أربعة عقود، وبالضبط منذ تسعينيات القرن الماضي حيث فُرض حصار دولي شامل على العراق بسبب تصرفات غير مسؤولة للنظام السابق، ثم إهمال متعمد وبسبب الفساد من قبل الحكومات التي جاءت بعد التغيير عام 2003، لكنها اليوم تخرج من ركام هذا الخراب لتشهد حملات إعمار وبناء ولتعود إلى بغداديتها.
 
العاصمة العراقية بدت، منذ الأميال الاستهلالية الأولى، مثل ورشة بناء وإعمار ضخمة، ومن فارقها منذ سنوات طويلة يتيه في عناوينها الجديدة حيث ارتفعت أبراج المشاريع السكنية وخرائط شوارعها ومجسراتها. "العملية ليست سهلة وتحتاج إلى الكثير من الصبر والوقت، وهذا يتطلب تخصيص ميزانيات جبارة، والنتائج الثانوية هي تغيير مسارات شوارع وازدحامات ومخلفات بناء ومطبات في الطرق.. نعرف كل هذا لكن أمانة بغداد تعمل جهدها لتجاوز هذه الأزمات"، حسب ما أوضحه لرووداو المهندس حيدر محمد في موقع إنشاء مجسر كبير في منطقة (البيجية) قرب المنصور بجانب الكرخ.
 

مجسّر جديد في بغداد

مجسرات عديدة تم إنجازها وافتتاحها في جانبي الكرخ والرصافة لتذليل مشكلة الازدحامات الخانقة، فهناك ما يقرب من 7 ملايين سيارة تتحرك في شوارع بغداد، تضاف إليها عربات الـ (تك تك) والدراجات النارية (الماطور سايكل)، وهذه بحد ذاتها مشكلة تضيف المزيد من استفحال الازدحامات وعرقلة حركة المرور، حسب ما يؤكده شرطي المرور حسن دهش، الذي كان يجتهد بحل الاختناقات المرورية في شارع الرشيد، قرب بناية مركز الاتصالات، قائلاً: "نحن نستطيع السيطرة على حركة السيارات وتوجيهها نحو المسارات المتاحة، لكن من الصعوبة السيطرة على حركة عربات التك تك والماطور سايكل لأنها تتحرك بلا أي انضباط، تفاجئك وهي قادمة من يمين أو يسار الشارع، وفي أحيان كثيرة تسير عكس الاتجاه"، مؤيداً قرارات وزارة الداخلية "بحجز عربات التك تك والماطور سايكل غير المسجلة في دوائر المرور ليتم محاسبة سواقها عند قيامهم بالمخالفات المرورية".
 
عندما علقنا في ازدحام في منطقة الباب المعظم بجانب الرصافة، علّق سائق التكسي قائلاً: "الذنب ليس ذنب الحكومة بل ذنبنا نحن.. سواق السيارات، خصوصي وتكسي، لا يحترمون قواعد المرور ويسوقون سياراتهم كيفما يريدون، قد تقفز أمامك عربة توك توك أو مواطن يعبر الشارع أو ماطور سايكل، وإذا حدث اصطدام بين سيارتي مثلاً وعربة التوك توك أو الماطور سايكل سوف تتم مقاضاتي"، معقباً: "ليس من قبل شرطي المرور أو القضاء بل من قبل عشيرة سائق التوك توك أو الماطور سايكل، ذلك أن قانون العشائر هو المعمول به وهو الأقوى من أي قانون، وسيطالبوني بجلسة عشائرية وتعويضات قد تصل إلى خمسة ملايين دينار أو أكثر، وهذا ما يحدث دائماً هنا". مطالباً بـ "تشديد تطبيق القوانين المرورية ومعاقبة المخالفين، خاصة الذين يقودون سياراتهم وهم غير حاصلين على إجازات قيادة السيارات".
 

بناية مقهى حسن عجمي في شارع الرشيد.. تصوير نورس الفريح)

لشارع الرشيد، وهو أقدم شوارع بغداد، قصة أخرى، البغداديون يتذكرون تفاصيل هذا الشارع العتيد الذي يربط ما بين ساحتي الميدان والتحرير تقريباً، حيث كانوا يتمتعون بالتمشي فيه والجلوس في مقاهيه والتسوق من محلاته التي بدأت تنقرض منذ نهاية التسعينيات، حيث حلّ الخراب بأبنيته ومرافقه وهجرة أصحاب محلات الملابس والمطاعم الأنيقة والمكتبات والمقاهي الراقية، وغلق أشهر علاماته التجارية وصالاته السينمائية، مقابل ذلك حلّ غزو مهن وورش تصليح السيارات والأدوات الاحتياطية وخراب أبنيته والأزقة المتفرعة عنه، ثم هجوم أصحاب (البسطيات) بدءاً من منطقة الميدان حتى الشورجة، وتحولت هذه المتعة إلى مشاعر تثير الأسى والحزن لكل من عرفه في السابق. وساهم إهمال الحكومات، خاصة بعد 2003، وتقصيرهم في حماية تاريخ وتراث شارع الرشيد، بتحويله إلى مجموعة من الخرائب.
 
لكن بقي هاجس البدء بإعمار شارع الرشيد ضاغطاً على المسؤولين العراقيين عامة، وعلى رئيس الوزراء خاصة، الذي اهتم كثيراً بهذا الموضوع، إذ تم تكليف الشاعر عارف الساعدي بالاضطلاع بمهمة الإشراف على إعادة إعمار شارع الرشيد بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025.
 
الساعدي، الذي غالباً ما نراه يتجول في شارع المتنبي وبغداد القديمة المرتبطة بالشارع، السراي الحكومي، كلما سنحت له الفرصة، قال لشبكة رووداو الإعلامية بمناسبة حضوره فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، اليوم الأحد 13 نيسان 2025: "بعد ستة إلى 8 أشهر من اليوم سوف يتفاجأ العراقيون بالتجديد لأبنية شارع الرشيد بحلته الجديدة"، مضيفاً: "بعد أن تم افتتاح المرحلة الثانية من مشروع تطوير بغداد القديمة، في شهر تموز الماضي، من قبل رئيس الوزراء، حيث كان التأهيل رائعاً وأصبح زقاق السراي الرئة الثانية، سياحياً وآثارياً، بعد شارع المتنبي، أطلق رئيس الوزراء المرحلة الأولى لتأهيل شارع الرشيد".
 
خلال زيارتنا قبل أيام لشارع الرشيد، شاهدنا المهندسين والمهنيين منشغلين بأعمال تنفيذ عملية إنقاذ أبنية الشارع الذي تحول إلى ورشة عمل على مدى 24 ساعة، حيث ارتفعت أصوات الآليات وهي تعيد واجهة الأبنية البالية ضمن المرحلة الثالثة مما يعرف بمبادرة "نبض بغداد" التي جاءت بالتزامن مع إعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، بهدف استعادة الوجه الحضاري للعاصمة وتطوير أبرز معالمها التراثية.
 

اعادة اعمار شارع الرشيد

الساعدي أوضح أن: "التأهيل في هذه المرحلة للأبنية الواقعة ما بين ساحة الميدان وحتى تمثال الشاعر معروف الرصافي"، مشيراً إلى أن: "المرحلة الرابعة ستكون من ساحة الرصافي وحتى جسر الأحرار"، منبهاً إلى أن: "المرحلة القادمة ستشهد منع مرور السيارات إلى الشارع، وسيحل مكانها الترامواي، وتدريجياً ستنتشر المقاهي وستوديوهات الرسامين والمكتبات بدلاً من المحلات الهجينة في شارع الرشيد".
 
تأهيل شارع الرشيد يُعد واحدة من أهم المحاور التي يشملها مشروع إعادة الإعمار، نظراً لمكانته التاريخية ودوره في تشكيل ملامح العراق الحديث.
 
روح بغداد تتجدد وتتألق، حيث تشهد العاصمة العراقية عمليات بناء وإعمار في غالبية جوانبها.. بغداد ليست شوارع وحسب، بل ناسها وهم بمثابة الدم الذي يجري في عروقها، وأسواقها ودجلتها، ولنا كتابات قادمة عن بغداد التي "تتبغدد" اليوم.
 
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب