رووداو ديجيتال
"الجبايش"، أمّ أهوار العراق، طبيعة فريدة من نوعها تعجّ بالحيوانات والطيور، كما تصطف الجواميس وهي تقتات على القصب الذي نما في الأهوار.
كانت في فترة ما مركزاً سياحياً مهماً، لكن الآن وبسبب شح المياه بات السكان يشعرون بالسوء، وتفر مئات العوائل سنوياً جراء الجوع والعطش، من موطنها التاريخي.
نفق في الصيف الماضي نحو سبعة آلاف جاموس بسبب الافتقار إلى الماء، ولم يبق من الجواميس غير القليل الذي تم نقله إلى مدن العراق الأخرى.
الجفاف في الجبايش يذكر بقرار صدام حسين في العام 1991، عندما تم حجب المياه عن الأهوار عقاباً على انتفاضة عشائر المنطقة.
القسم الذي يعيش على صيد الأسماك، ينشرون شباكهم في المساء، ويجمعون السمك في الصباح، وبهذا الصدد قال شابان لشبكة رووداو الإعلامية إنهما "كانا في السنوات السابقات يجمعان ثلاثة صناديق من السمك، لكنهما سيكونان الآن ممتنين إن عادا بنصف تلك الكمية. الناس هنا تقول إنها لا تريد غير الماء، فإن توفر الماء، لا يريدون من الحكومة رواتب ولا مساعدات".
تؤمن أنهار العراق 90% من المياه للبلد، لكن السياسات المائية للدول المجاورة للعراق أدت إلى تراجع سنوي في مناسيب مياه هذه الأنهار، ففي العام 1970 كان يتدفق إلى العراق في السنة الواحدة 80 مليون متر مكعب من المياه، هذه الكمية تراجعت الآن إلى 50 مليون متر مكعب.
ففي إطار مشروع (غاب)، أنشأت تركيا 22 سداً كبيراً و45 سداً صغيراً على نهري دجلة والفرات اللذين يمثلان العصب الرئيس لمياه العراق، ولكي تملأ خزانات تلك السدود بالكامل تحتاج تركيا إلى قطع مياه النهرين عن العراق سنتين كاملتين. كذلك إيران، أنشأت في إطار مشروع (كرمةسير) 14 سداً يمكنها تخزين 1.9 مليار متر مكعب من المياه، الأمر الذي زاد من جفاف نهر دجلة، كما تخطط إيران من خلال حفر مجموعة أنفاق طولها 150كم لتغيير مسار الأنهار التي تصب في أراضي إقليم كوردستان والعراق، باتجاه مدن جنوب إيران، والنتيجة هي تعطيش أهوار العراق بينما سكانها الجياع المنهكون بانتظار ورود الماء من الدول المجاورة.
فمنسوب نهر الفرات انخفض كثيراً مقارنة بالسابق، إلى جانب ذلك تشاهد على شواطئ النهر الكثير من الأسماك النافقة بحيث أن رائحتها التي تزكم الأنوف تمنعك من المرور بالمكان كما خف الغطاء النباتي لدرجة كبيرة.
كما أن الجواميس التي تعد ثروة حيوانية ضخمة، هي أيضاً ليست بمأمن من الجفاف، فيبلغ وزن الواحدة منها نحو طن، وإلى جانب لحومها فإن ألبانها غنية بالبروتين والكالسيوم. تكون حياة السكان مضمونة عندما تكون المياه وفيرة، حيث تخرج في الصباح إلى الأهوار وترعى بين القصب حتى المساء، إلا أنها تعاني ظروفاً صعبة وقاسية في الصيف حيث تنفق منها العشرات بل المئات.
يقول مالكوها إنهم يرافقون الجواميس، وفي حال لم تقدر على مواصلة الحياة يجدون أنفسهم مضطرين للهجرة إلى المدن.
يعيش في قضاء الجبايش، نحو 55 ألف نسمة على أطراف الهور، 60% منهم فلاحون وصيادون، لكن الجفاف نال منهم جميعاً، وتشير إحصائيات منطمة الهجرة إلى أن نحو 3500 عائلة هاجرت من الأهوار في العام 2022، وحسب قائممقام قضاء الجبايش هاجرت 1200 عائلة من هذا القضاء وحده.
يعيش السكان في محيط الأهوار حياة قاسية، وكلما انخفض منسوب المياه كلما خلت جيوبهم وزاد يأسهم.
الشيوخ والشباب يعملون معاً، لكنهم كما يقولون يبيتون في أحيان كثيرة بلا عشاء. يتعلمون منذ الصغر أسلوب العيش في الأهوار.
يشار إلى أن العراق واحد من خمس دول هي الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، وإنشاء السدود على نهري دجلة والفرات من قبل الدول المجاورة تسبب في تعطيش الأهوار وجفاف قسم من الأنهار.
هاجرت آلاف من العوائل من محيط الأهوار، لكن هذه هي البداية فقط، ويتوقع في حال لم يتم العثور على حل للوضع، أن ينزح نحو مليون عراقي عن ديارهم خلال العقود المقبلة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً