رووداو ديجيتال
في جذوة حالة التوتر الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط جراء الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والجنوب اللبناني، ضمن مواجهة غير مباشرة تقول تل أبيب أنها ترمي إلى الحد من نفوذ وتهديدات إيران؛ تأتي عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة الأميركية، لتطرح سؤالاً حول ما ينتظر العراق من سيناريوهات، لاسيما في ظل تهديدات نقلها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون عن احتمالية توسعة دائرة الحرب لتشمل العراق.
وينطلق ذلك من ما تشكله سياسات ترمب على علاقة الولايات المتحدة التي ترعى بشكل مباشر أمن إسرائيل من جهة، وعلى إيران وأذرعها المتشعبة في المنطقة من جهة ثانية، والتي منها داخل العراق، ونظراً لما عاشته المنطقة من حالة توتر سابقة إبان ولايته الأولى، التي مثلت الحرف الأول تجاه التصعيد ضد إيران، عندما وجّه باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بجانب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، بضربة جوية في بغداد.
إلى ذلك تترقب المنطقة ضمنها العراق بحذر شديد ما يمكن أن يفرزه فوز ترمب بولاية ثانية، لاسيما وأنه الرجل الذي عرف بعدائه الشديد لإيران، ومواقفه المنفعلة تجاه أذرعها، كما باتت توصف، في وقت لا يخفي فيه اهتمامه بالجانب الاقتصادي والذي يحتم وجود بيئة آمنة لنموه، فضلاً عن تركيزه في صراع قد يكون أهم وأوسع بالنسبة إليه وهو التدافع العالمي مع روسيا والصين، الأخيرة تحديداً.
الطابع العام الممزوج بين استخدام القوة المفاجئة والاهتمام بالاقتصاد، الذي تركته سياسيات ترمب خلال ترؤسه للولايات المتحدة في ولايته الأولى، كلها عوامل جعلت من المشهد صعب التوقع، لاسيما في ظل حرب دائرة منذ أكثر من عام، وكل مؤشراتها تشي بالتوسع بدل الانحسار، حسب تأكيدات لمراقبين، لم تغفل وضع العراق الهش في الأساس.
عقوبات متوقعة
على هذا النحو، يقول عضو مجلس النواب العراقي عن لجنة العلاقات الخارجية، حيدر السلامي، لشبكة رووداو الإعلامية، إن "الاحتماليات كثيرة، فضلا عن أن السياسية الأميركية الخارجية قد تكون ثابتة تجاه الدول، والتي يحكمها هي المصلحة الأميركية بالدرجة الأولى، لكن قد تختلف بعض الأمور، لسبب تميز ترمب بانفعالاته وطبيعته التي يمكن أن تغير أسلوب التعامل مع الدول".
ويعرف عن سياسات ترمب ميوله إلى استخدام سلاح العقوبات، بدلاً عن زج الولايات المتحدة في الصراعات والحروب المباشرة، مما يجعل من سلوكه هذا أحد الاحتمالات التي ينتظرها المشهد العام، بضمنها العراق، حيث يمكن يتوقع أن يذهب في هذا الاتجاه ضد خصومه، كما لفت السلامي.
وأشار إلى أن "سيناريو العقوبات مرجح نظراً إلى تصريحات ومواقف ترمب ذاتها، وذلك يعد ممكناً في حال لم يكن في الأساس ضغط على أن تحافظ الولايات المتحدة على سياسة استخدام القوة"، مبيناً أنه "بالنتيجة يفترض أن يحافظ العراق على علاقات متوازنة، ويستمر في توجهه بالسعي وراء خروج القوات المسلحة الدولية التي تقودها واشنطن من البلاد".
ووسط هذا المشهد، بات من غير الواضح التوقع بمستقبل خروج أو استمرار باقي قوات التحالف الدولي في العراق، كما يرى عضو لجنة العلاقات الخارجية، ويشدد على أن "المهم استمرار العراق بسياسة المحافظة على موقفه بخروج هذه القوات، والذي يمثل موقفاً شعبياً".
وبيّن السلامي أنه "بالنسبة إلى الجانب الأميركي، فإن الحاكم الرئيسي للسياسة العامة له هو المحافظة على بقاء هذه القوات، بالتالي قد يكون من الصعب خروجها"، منوهاً إلى أن "استقرار المنطقة أو شعور أميركا بالاطمئنان بأن العراق بات مستقراً داخلياً ولا توجد ارهاصات قد يجعل من خروج هذه القوات".
وخلال الأشهر الماضية، توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق حول انسحاب قوات التحالف الدولي - التي تشكلت عام 2014 لغرض دعم العراق ضد داعش - من العراق، وذلك وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل خلال العامين المقبلين.
بالمقابل، يمثل العراق في الوقت الحالي، أحد الجبهات التي تواجه إسرائيل منها ضربات تشنها فصائل مسلحة تندرج ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده طهران في المنطقة، من خلال الطائرات المسيرة والصواريخ، والتي تسببت غير مرة بمقتل جنود إسرائيليين، وحتى أميركيين، وذلك في سياق دعمها لحركة حماس في غزة، وحزب الله اللبناني، ضمن ما يعرف بـ"وحدة الساحات".
وبناء على ذلك تتوقع إسرائيل أن تستخدم إيران العراق لردها على الهجوم الذي تعرضت له من سلاح الجو الإسرائيلي قبل أكثر من أسبوعين، الأمر الذي دفع واشنطن لبذل جهود دبلوماسية مع بغداد لمنع إيران عن ذلك، حسبما ما نقل مسؤولون أميركيون وإسرائيليون.
الاقتصاد العراقي في "خطر"
بينما تتصاعد التحذيرات من أن هذا السيناريو قد يدفع بالعراق إلى الانزلاق لعمق الصراع، خصوصاً في ظل عودة ترمب، يقول عضو مجلس النواب العراقي ياسر الحسيني لشبكة رووداو الاعلامية إن "انتخاب ترمب أو منافسته عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، لا يغير من الجانب الأمني المتشدد الذي تتخذه واشنطن تجاه الصهاينة".
بيد أن "ترمب نهم جداً حول المشاريع الاقتصادية، وهو جانب قد يدفع إلى اشتداد الحروب التي يتوقع أن تغذيها سياسات ترمب، إذ ينظر ترمب إلى الجوانب المالية قبل كل شيء، الأمر الذي يجعل منه خطراً على الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة، وحتى العراقي".
ويرى الحسيني أن "ترمب متعطش جداً للنيل من الاقتصاد العراقي، وبالتالي أن الأجواء التي تعيشها المنطقة تعد مثالية لتحقيق غاياته، وبناء على ذلك فإن عودة ترمب تثير مخاوف اقتصادية أكثر منها أمنية"، لافتاً إلى أن "كل ما يشاع عن أن دوافع ترمب الاقتصادية بأنها ستبعد شبح الحرب عن العراق بدافع خلق بيئة مستقرة لتحقيق تلك المطامع، غير صحيحة".
وأوضح أن القضية الاقتصادية التي يري البعض بأنها ستشفع للعراق من خلال تقديم الأموال "لا تناسب حجم العراق، ذلك لأن الشعب العراق صاحب موقف ومتبنيات وقدم الكثير من الشهداء وتصدى للكثير من العدوان، بالتالي من غير الممكن الانسياق كأذلاء لرغبات ترمب".
وشدد الحسيني على أن "موقف الردع يجب أن يكون حاضراً لردع أي تهديدات اقتصادية، لاسيما من قبل إيران، ذلك لأن أميركا تفهم جيداً هذه اللغة، وهو ما سيحقق استقراراً اقتصادياً وأمنياً"، لافتاً إلى أن "الشرق الأوسط خصوصاً من قبل إيران هناك مصدات لسياسات ترمب، وهو ما سيردعه عن العراق"، مؤكداً أن "إيران أكثر من يدافع عن العراق حتى أكثر من السياسيين العراقيين".
صفقة مركبة تنقذ العراق
على الجانب الآخر، رجح الخبير السياسي علي أغوان في حديثه لشبكة رووداو الاعلامية، ثلاثة سيناريوهات يمكن أن توجهها المنطقة وتحديداً إيران، ضمنها العراق، بعد فوز ترمب، وهي أما "تلقي ضربة شاملة قاضية مؤلمة تشمل كل شيء في إيران بدون أي استثناء"، مبيناً أن "هذا الخيار يُدرس من ناحية التكاليف والانعكاسات على النظام الإقليمي والدولي".
والسيناريو الثاني "استمرار أسلوب الضربات النوعية وتصاعد العقوبات الشاملة بشكل كبير ومتطرف على إيران وحلفائها وكل من يقف معها في الخليج والمنطقة العربية وآسيا الوسطى، فضلاً عن تحييد روسيا وربما حتى الصين وكل حلفاء إيران لتضييق الخناق واخضاع إيران للتخلي عن الطموح النووي".
والسيناريو الثالث والذي يمكن للعراق من خلاله أن يجد فسحة لإبعاد نفسه عن أي مخاطر، وهو "الدخول في صفقة بين الإيرانيين والأميركان وشركائهم في المنطقة ضمن شروط سيرسم ملامحها الرئيسة بنيامين نتنياهو، تأتي على رأس هذه الشروط عملية إنهاء أي فاعل عنيف ومسلح أسهم في تطوير عملية طوفان الأقصى".
وأوضح أغوان أن "ترمب إذا ما أقنع إيران بوجود خطر حقيقي، والدخول في صفقة، ستتخلى إيران عن جزء كبير من المنطقة، بالتالي عند حدوث هذه الصفقة يجب أن تكون هناك صفقة هامشية داخل العراق، بأن يتجرأ رئيس الوزراء على إعادة ترتيب الملفات، منها الملف الأمني والعسكري والاقتصادي".
وبناء على ذلك سيتمكن العراق، من إقامة علاقات خارجية ليست مع الولايات المتحدة فقط، إنما مع الصين وروسيا وتركيا، وفق أغوان، الذي بين أن "أي عملية يدخل فيها العراق حالياً تخضع لمعادلة معقدة داخلياً ومن ثم تفشل، بالتالي أن السياسية الخارجية القوية تكون نابعة من السياسة الداخلية القوية وهو ما يتطلب تفعيله".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً