رووداو ديجيتال
رغم القصف الشديد على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الجاري، لم تنفذ إسرائيل بعد تهديدها باجتياح قطاع غزة لـ"تغيير خارطة الشرق الأوسط" كما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.
واوجهت قوات إسرائيلية تقدمت باتجاه حدود قطاع غزة ليل الجمعة الماضية، برد قوي من جانب المسلحين الفلسطينيين أجبرها على التراجع ولم تحقق أي تقدم ميداني رغم أنها كانت مدعومة بقصف أرضي وجوي وبحري باتجاه القطاع المحاصر منذ العام 2006.
من هنا جاءت التساؤلات في أكثر من اتجاه: هل تقدر إسرائيل فعلا على اجتياح غزة الذي تحاصره تماما منذ 23 يوما، وتمنع دخول الغذاء والدواء الماء إليه؟ وهل بلغت الفصائل الفلسطينية مستويات جديدة من القوة غير المعلن عنها وعبّرت عنه من خلال "طوفان الأقصى"؟
من وجهة نظر حماس وداعميها، فإن جوابهم عبارة واحدة مفادها: "إسرائيل ضعيفة ونحن أقوياء". هذا ما خلص إليه على الأقل ممثل الحركة في لبنان أسامة حمدان عندما تحدثت إليه رووداو.
ليل الجمعة الماضي، عزلت إسرائيل أكثر من مليوني فلسطيني في غزة عن العالم الخارجي، حيث قطعت في خطوة غير مسبوقة الاتصالات والإنترنت، وعلى إثر ذلك، عاشت غزة الممتدة على مساحة 365 كيلومترا، حالة من الذعر، حيث شهدت أعنف ليلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، إلا أنه ورغم ذلك لم تنجح في اجتياح القطاع.
هذا المشهد، عكس صورة عن تخبط الموقف الإسرائيلي، وهو ما عزا القيادي بحركة حماس، وممثلها في لبنان، أسامة حمدان، إلى عدة أسباب، منها الانقسام داخل القيادة الإسرائيلية، وتحديدا بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وقيادة الجيش حول هذه العملية.
حمدان قال في حديث خاص لشبكة رووداو الإعلامية، اليوم الأحد (29 تشرين الأول 2023)، إن "ما كان تحليلا حول وجود خلاف بين نتانياهو وقيادة الجيش الإسرائيلي، بشأن العملية البرية، أصبح اليوم حقيقة، وهو ما تأكد من خلال تغريدة كتبها نتانياهو في هذا الخصوص، ثم ما لبث إن حذفها".
وكان نتانياهو قد حذف تغريدة، كتبها ليل السبت الأحد، في موقع "إكس" (تويتر سابقا)، انتقد فيها رئيسي جهاز الأمن العام (الشاباك)، والاستخبارات العسكرية (أمان)، والجهات الأمنية الإسرائيلية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال في تغريدته، إنه "لم يقدم له أي طرف تحذيرات بنية حماس للحرب، حيث كانت تقديراتهم بأن الفصائل الفلسطينية مردوعة ووجهتها للتهدئة، وهذه التقديرات قدمت لي مرة تلو المرة، وللكابينت من الجهات الأمنية والاستخباراتية".
حذف نتانياهو لتغريدته، جاء بعد تعرضه، إلى هجوم واسع النطاق من داخل الحكومة وخارجها، بعدما تملص من أي مسؤولية إزاء الفشل أمام هجوم حركة حماس المباغت في 7 تشرين الأول الجاري.
علاوة على ذلك، يشير حمدان، إلى أن السبب الثاني حول تأخر العملية البرية الإسرائيلية، هو "قلق قيادة جيش الاحتلال، مما يمكن أن يواجه قواتهم في حال دخول غزة، نظرا إلى ما تعرض له في معارك سابقة من مفاجئات المقاومة التي لم يكن يعرف عنها أي شيء".
من جهتها تطورات الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحديدا في الضفة الغربية، وتداعياتها على مستوى استنزاف الجيش "الصهيوني" والضغط عليه، تشكل سببا ثالثا، كما يؤكد القيادي في حماس، ويضيف، أن "القلق من إمكانية تطور موقف المقاومة في لبنان والمنطقة، إذ أنها كانت واضحة، بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تصاعد العدوان، يمثل هذا بدوره أيضا سببا في تخبط الموقف الإسرائيلي حول عمليته البرية ضد غزة".
فهذه العوامل كلها تدفع إلى تأخر العملية، وربما تعني تراجعا في حدة الموقف "الصهيوني" بالذهاب إلى عملية واسعة، كما يرى حمدان، الذي اعتبر أن "المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي" تدفع الشعوب والمقاومة لتمسك بحقها، وعدم التنازل عن مطالبها بأنه لا حل من دون انتهاء الاحتلال.
من ناحيته، العميد المتقاعد إلياس حنا، قال لشبكة رووداو الإعلامية، إن "حماس عندما اختارت تنفيذ عملية طوفان الأقصى، لا شك أنها كانت قد تحضرت لسيناريو سيء وهو العملية البرية، بالتالي عندما تكون حماس قد تحضرت لذلك، وهي تحضر أرضيتها العسكرية منذ العام 2007، طبيعي سيجعل إسرائيل لن تذهب لهذا المسرح".
بالتالي إن الجيش الإسرائيلي بالأساس قد يكون بصدد تنفيذ عمليات محدودة، وإن القصف جزءا من التحضير لذلك، بهدف الضغط في ملف الرهائن، وفق حنا الذي أشار إلى أن، إسرائيل قد لا تكون تريد حربا، بقدر ما تريد عمليات معينة تصب في صالح إضعاف حماس، خصوصا مع النظر إلى استعداد الأخيرة لذلك.
إلى ذلك، كان الجيش الإسرائيلي قد توغل مساء الجمعة بعدة محاور في شمال وشرق قطاع غزة، وحافظ على وجوده يوم السبت في مواقع محددة، وسط اشتباكات ضارية وغير مسبوقة مع المقاتلين الفلسطينيين.
بهذا التقدم الحذر، ومع استمرار الحديث عن العملية البرية، ربط مراقبين، تحركات الجيش الإسرائيلي بشأن اجتياح غزة وإنهاء حماس، بعملية تحرير محافظة الموصل شمالي العراق، من سيطرة تنظيم داعش عام 2017، والتي أشرف الجيش الأميركي على خطتها، التي اعتمدت على تقطيع مسرح العمليات، وتأمين المناطق تباعا، قبل التقدم نحو اقتحام الأخرى، بإشارة إلى أن التوغل الإسرائيل عند هذا الحد، يهدف لتصفير منطقة معينة قبل التقدم لما يليها، وهو ما يؤكد أن عملية اجتياح غزة قرارا لا رجعة فيه.
حول ذلك، قال حمدان: "يمكن أن يكون ذلك تحليلا معقولا لو نجح جيش الاحتلال الإسرائيلي في التقدم داخل الأراضي الفلسطينية، لكنه حتى اللحظة لم ينجح رغم محاولاته المتعددة، ونعتقد أنه لن ينجح"، كما أن "مساحة غزة وعدد سكانها الذي لا يمكن مقارنته بما جرى في الموصل".
ويضيف، أن "المعادلة في الموصل مختلفة، إذ أن أبناء الشعب العراقي غادروا المدينة، ولم يبق سوى مقاتلون واجههم ووقف ضدهم كل الشعب العراقي، أما في فلسطين المقاومة جزء من الشعب، وبما أن الشعب الفلسطيني صادم ومقاوم لا يمكن لإسرائيل تطبيق الفلسفة الأميركية على غزة".
الخبير العسكري إلياس حنا، من جهته يذهب مع هذا الرأي، ويستبعد إمكانية استنساخ إسرائيل للسيناريو الذي يسمى بحروب المدن بـ "الحصارات الصغيرة"، وذلك لعدة أسباب، منها طبيعة الموصل الجغرافية والسكانية والعمرانية، التي أطالت من أمد الحرب فيها من 3 أشهر إلى 9 أشهر مع آلاف القتلى بين المدنيين والقوات الأمنية ومسلحي داعش، مؤكدا أن الوضع بغزة يختلف، خصوصا من ناحية تحضير حماس للأرضية منذ سنوات طويلة على العكس من داعش.
وسط هذا المشهد، لفت ممثل حماس في لبنان، إلى أن "عملية طوفان الأقصى، أثبت أهميتها على مستوى مستقبل المنطقة، ذلك لأن ما جرى أثبت أن هذا الكيان الصهيوني ليس كيانا طبيعيا كما حاولت الإدارة الأميركية أن تسوق له، وتوجد له حالة طبيعية من خلال التطبيع".
حمدان اختتم حديثه قائلا، إن "ما حصل بطوفان الأقصى، أكد أن هذا الكيان شاذ ولا مستقبل له في المنطقة، لذلك نجد رغبة أميركية في دفع إسرائيل لاجتياح غزة وإنهاء حماس مقابل أي ثمن، لأن ما جرى يناقض المخطط الأميركي لترتيبات المنطقة، وأسقط فكرة التطبيع الذي بني على مخطط أميركي يهدف للبقاء في المنطقة".
في الأثناء، وبينما يواصل الجيش الإسرائيلي قصفه لقطاع غزة لليوم الثالث والعشرون على التوالي، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسام بالتعاون مع باقي فصائل المقاومة الفلسطينية التي اقتحموا خلالها المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، مما أسفر عن مقتل 1400 شخص بنهم 310 عسكريا، وأسر 022 آخرين؛ سجلت اليوم الأحد، عودة لشبكة الاتصالات والإنترنت.
يأتي ذلك في وقت ارتفع فيه عدد قتلى الفلسطينيين إلى أكثر من 8 آلاف قتيل، وما يقارب 20 ألف جريح، بينهم 3342 طفلا، و2062 سيدة، و460 مسنا، بحسب أحدث إحصائية للصحة الفلسطينية في غزة، بالإضافة إلى نزوح ما يربو إلى نحو مليون ونصف من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً