56 عاماً على نكسة حزيران.. عدنان الباجه جي كشف أسرار وقوعها: عبد الناصر وعدني بالنصر.. فكانت الكارثة

06-06-2023
معد فياض
الكلمات الدالة فلسطين اسرائيل مصر عدنان الباجه جي
A+ A-
معد فياض

بهدوء مرت يوم أمس الذكرى الـ 56 لما أطلق عليها العرب تسمية "نكسة حزيران"، بينما اسمتها إسرائيل بـ"حرب الايام الستة"، وهي ذكرى الحرب التي حدثت بين العرب واسرائيل في 5 حزيران عام 1967 حيث حققت فيها اسرائيل انتصارا كبيرا واحتلت اراضي شاسعة في شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات جولان.
 
بقيت تفاصيل كثيرة وسرية من هذه الحرب والمقدمات التي سبقتها غير معلنة او معروفة لعموم العرب، خاصة من الأول من حزيران وحتى الخامس منه وفي اليوم التالي، ففي 3 حزيران، زار وفد عراقي عمان والقاهرة للتوقيع على معاهدة الدفاع المشترك المصرية والاردنية وبذلك أصبحت ثلاثية. وفي عمان، أعلن الملك حسين في مؤتمر صحفي عقده الساعة 12 ظهرا، انه يتوقع نشوب الحرب خلال اليومين القادمين، وفي القدس عقد احمد الشقيري مؤتمرا صحفيا ودعا فيه إلى الجهاد ضد إسرائيل. لكن لقتال اندلع فجر 5 حزيران عام 1967، وتبادل كل من مصر وإسرائيل الاتهامات حول البادئ بالهجوم، واستدعت معها انعقاد واحدة من أطول جلسات مجلس الأمن إذ دامت جلسته 12 ساعة.
 
لكن الدبلوماسي العراقي المعروف عدنان الباجه جي، رئيس الوفد العراقي الدائم لدى الامم المتحدة، وعميد الدبلوماسسين العرب في المنظمة الاممية، وقتذاك، كشف لي، ضمن سلسة حوارات اجريتها معه لكتابة جزء من مذكراته في ابو ظبي عام 2017، رحل في تشرين الثاني عام 2019، تفاصيل دقيقة شهدها بنفسه وكان جزءا منها عن بداية هذه الحرب "النكسة"، وتنفرد رووداو بنشرها هنا.
 
قال الباجه جي: "في عام 1967 وردتنا معلومات من الاتحاد السوفياتي بوجود تحشدات إسرائيلية على الحدود السورية. فاستنجد السوريون بعبد الناصر، كون إسرائيل ستهاجمهم فاستُدرج الرئيس المصري لسحب القوات الدولية التي كانت موجودة بين الحدود المصرية والإسرائيلية منذ عام 1957 فوق الأراضي المصرية من غير أن تؤثر على سيادة مصر، ذلك لأن إسرائيل، التي لم توافق على وجود هذه القوات فوق أراضيها، وجدت انسحاب هذه القوات فرصة مناسبة لشن هجومها في 5 حزيران 1967، وهذه الحرب كانت بالدرجة الأولى نتيجة تدهور العلاقات الأميركية المصرية".
 
عبد الناصر وعدنا بالنصر على إسرائيل
 
الباجه جي هنا يتحدث عن حقائق وأحداث عاشها وكان جزءاً منها، وليس عن معلومات إعلامية، يقول: "نحن ذهبنا إلى مصر قبيل الحرب في مايو (أيار) 1967 وكان معنا ضمن الوفد وزير الدفاع شاكر محمود شكري، وسألت وزير الدفاع عن الأوضاع والاستعدادات العسكرية المصرية، فقال: أنا أرى الدفاعات المصرية قوية ومن الصعب على إسرائيل اختراقها. وهذا ما جعلنا نطمئن، ثم قابلنا الرئيس عبد الناصر وسألته بنفسي، وقلت: سيادة الرئيس هل تتوقعون حدوث الحرب؟ فأجاب: أنا أعتقد أن نسبة حدوث الحرب هي 80%. ثم سألته عن استعدادات مصر لهذه الحرب، فأجاب: نحن مستعدون لهذه الحرب، ولكن إذا تدخل الأميركيون فإن السوفيات وعدونا بالتدخل لصالحنا، وإذا لم يتدخل الأميركيون فنحن نستطيع محاربة إسرائيل. كانت إسرائيل وقتذاك تهدد وتتوعد، إذ اعتبرت غلق الملاحة في قناة السويس يشكل عاملاً لنشوء حرب".
 
ويستطرد الباجه جي قائلا: "ثم التقيت وزير الخارجية المصري محمود رياض، وهو صديق لي، فقال إن: مجلس الأمن سيبحث موضوع الحرب وأرجو أن تذهب إلى هناك لدعم القضية.. يعني أن أعود إلى الأمم المتحدة إذ لم يتمكن هو من ترك مصر وقتذاك، فذهبت إلى نيويورك وألقيت كلمة في مجلس الأمن، وكذلك تحدث وزير خارجية لبنان جورج حكيم، وقلت في كلمتي، وبناء على التطمينات التي تلقيتها في مصر: إننا مستعدون لخوض الحرب ومع ذلك نتمنى تسوية الأمور سلمياً. في نفس اليوم دعاني الممثل الدائم للولايات المتحدة في مجلس الأمن، السفير آرثر غولدمان، وهو يهودي أميركي، إلى إفطار صباحي في بيته بنيويورك ووافقت، فذهبت صباح اليوم التالي وصادف الأول من يونيو 1967 وتناولنا طعام الإفطار، وقال لي: عليكم أن تعملوا بشتى الطرق لمنع نشوب الحرب لأن إسرائيل أقوى بكثير مما تتصورون. وكان هذا نص كلامه، وأكمل قائلاً: لهذا إذا دخلتم الحرب ضد إسرائيل الآن فالنتائج ستكون غير مضمونة بالنسبة لكم، وأنا أردت أن أحذركم فقط. فقلت له إن: كل جهودنا باتجاه إيجاد حل سلمي للأزمة ولهذا نحن أيدنا مقترح الأمين العام بأن تكون هناك فترة هدنة حتى تهدأ الأمور وتتم مناقشتها. فاستطرد ممثل الولايات المتحدة قائلاً: أرجو أن تستمر في جهودك الطيبة هذه وأنا اتفقت مع وزير الخارجية الأميركي لتلتقيه في واشنطن وكذلك لتلتقي مع الرئيس جونسون اليوم. خرجت من بيت غولدمان وتوجهت مباشرة إلى واشنطن وكان معي السفير العراقي في الأمم المتحدة، ناصر الحاني". (الدكتور ناصر الحاني أول وزير خارجية بعد تولي حزب البعث السلطة في 17 يوليو (تموز)عام 1968. والمخطط الرئيس لتولي البعث السلطة. تم عزله من منصبه بعد عام ونصف العام ووضع تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتم قتله من قبل المخابرات العراقية  الذي كان اسمه جهاز حنين الذي أسسه وترأسه صدام حسين).

 

 

عدنان الباجه جي: عبد الناصر وعدني بالنصر على اسرائيل

 

يقول الباجه جي: "في واشنطن سمعنا من وزير الخارجية الأميركي ذات الكلام الذي كان قد أبلغني إياه غولدمان. ثم التقيت الرئيس جونسون الذي قال: أؤكد لك أننا حذرنا إسرائيل بأنها إذا قامت بأي عمل عسكري استفزازي فسوف نقف ضدها، وفي نفس الوقت إذا أنتم (العرب) بدأتم بالحرب أو قمتم بأي عمل عسكري فسوف يكون موقفنا معادياً لكم ونقف ضدكم".
 
قبل أيام من لقاء الباجه جي بالرئيس الأميركي، من الحزب الديمقراطي، ليندون جونسون، كان جونسون قد التقى وزير خارجية إسرائيل، حسب ما يوضح الباجه جي، قائلاً: "عرفنا بعد ذلك أن وزير خارجية إسرائيل ابا ايبان كان قد التقى الرئيس جونسون قبلنا بأيام، وأن الرئيس الأميركي أبلغه: بوجوب البحث عن حل سلمي للأزمة، فقال له وزير خارجية إسرائيل: رغم كل شيء إذا حدثت الحرب واستولينا على أراض عربية هل ستجبروننا على الانسحاب منها مثلما فعل الرئيس أيزنهاور عام 1957 بالانسحاب من غزة وسيناء؟ فأجابه الرئيس جونسون قائلاً: كلا لن نجبركم إذا بدأ العرب الحرب. فأجابه ابا ايبان:هذا ما نريد أن نعرفه".
 
عاد الباجه جي إلى نيويورك، وفي صباح اليوم التالي، وقبل أن يشرب قهوته، "رن جرس الهاتف في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم 5 يونيو (حزيران) 1967، وكان المتصل السفير الإيراني في الأمم المتحدة، وهو صديقي، وقال لي: إن الحرب بينكم وبين إسرائيل قد بدأت. ارتديت ملابسي على الفور واتجهت إلى مبنى الأمم المتحدة الذي كنت أسكن قريباً منه. من هناك حاولت الاتصال بمحمود رياض في القاهرة، وبعد عدة محاولات تمكنت من الحديث معه وسألته عن الأوضاع، فقال: هناك بعض الخسائر البسيطة في القوة الجوية لكن موقفنا العسكري جيد. ثم توالت الأخبار عن حجم الكارثة التي لحقت بالجيش المصري والجيوش العربية، حيث أبيدت القوة الجوية المصرية تماماً، والقوات الإسرائيلية تزحف من غير أن يوقفها أحد، والجيوش العربية صارت بلا غطاء جوي يحميها".
 
يغلف الحزن صوت الباجه جي وهو يكمل حديثه: "عقد اجتماع لمجلس الأمن، ولم نكن نعرف القرار الذي سيتم اتخاذه، حيث دعت أميركا إلى وقف إطلاق النار فقط، بينما طالبت الكتلة المؤيدة للعرب بوقف إطلاق النار وانسحاب الجيوش المتحاربة إلى قواعدها الأصلية، لكن أميركا عارضت ذلك بقوة، بل عرفنا فيما بعد أن الاستخبارات الأميركية جهزت إسرائيل بمعلومات لوجستية ومخابراتية مهمة، وهذا ليس بغريب على واشنطن التي دعم جميع رؤسائها إسرائيل منذ قيامها. وبينما كان النقاش يدور في أروقة مجلس الأمن من غير انعقاد أي اجتماع، وافقت مصر على وقف إطلاق النار، واجتمع المجلس وأصدر قراره بوقف إطلاق النار من غير ذكر أي شيء عن الانسحاب. ولم يبذل الاتحاد السوفياتي أي جهود باتجاه إجبار إسرائيل على الانسحاب، فالسوفيات لم يريدوا الدخول في مواجهة مع أميركا، وأدركوا أن العرب قد خسروا الحرب، لهذا فضلوا أن تبقى الأمور هكذا ويتم بذل جهود دبلوماسية وإجراء مفاوضات لاحقاً".

وقف إطلاق النار
 
اعتبر قرار وقف إطلاق النار فقط من غير إجبار إسرائيل على الانسحاب كارثياً، ووقع كصدمة قوية على عموم الجماهير العربية، وعلى الباجه جي خاصة، يقول: "في اجتماع مجلس الأمن جاءني ممثل مصر في الأمم المتحدة وقال لي إن: محمود رياض يطلب منك عدم الوقوف بوجه قرار وقف إطلاق النار، فقلت له: هذا لا يجوز، بعد أن تمت طمأنتنا بالقاهرة بأنكم مستعدون للحرب ووعدتمونا بالنصر يحدث كل الذي حدث، هذا ما يصير. وطلبت الكلمة وقلت إن: هذا القرار مجحف بحق العرب واعتراف بالعدوان الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن خطابي كان مختصراً، ثلاث دقائق، فإن ردود فعل أميركية شعبية واسعة جاءت إثر هذه الكلمة، إذ وصلتني مئات البرقيات التي تؤيدني، ناهيك عن ردود الفعل الشعبية العربية. كان موقفي هذا بناء على آرائي وموقفي القومي الثابت من غير أن أستشير الحكومة العراقية ببغداد، أو أي جهة عربية أخرى، وعندما عدت في اليوم التالي إلى العراق قلت للمسؤولين هناك: إذا أنتم ضد هذا الموقف أرجو إعلامي لأترك منصبي كوزير للخارجية، فالاعتراف بالأمر الواقع يعني الاعتراف بضياع فلسطين لأن الإسرائيليين احتلوا كل فلسطين بدءاً بالقدس ومن ثم غزة والضفة الغربية وسيناء".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب