عدنان المفتي لرووداو: كان موقف المثقف العراقي من القضية الكوردية نبيلا واليوم الثقافة تراجعت وسادت الكراهية

05-06-2024
رووداو
الكلمات الدالة عدنان المفتي
A+ A-
رووداو ديجيتال

تحتل مكتبة السياسي الكوردي عدنان المفتي مساحة واسعة من صالة الاستقبال، ومساحة اضافية في مكتبه بالطابق الاول في بيته باربيل، هذا عدا المكتبة الفخمة التي تضم امهات الكتب والمخطوطات الثمينة بمعلوماتها في بيت والده (الديوخانة).
 
وتضم مكتبته الكثير من الكتب العربية، اضافة للكوردية طبعا، وتكاد اعدادها تتساوى، بينها الروايات وكتب السيرة الذاتية والفلسفية والتاريخية، ويصعب على الباحث بين كتبها ان يقول انها مكتبة متخصصة بمواضيع معينة بذاتها، وهذا يعني انه، المفتي، متنوع في اختياراته للكتب التي يقرأها.
 
منذ دراسته الابتدائية وبسبب ثقافته الدينية كونه نشأ في كنف عائلة متدينة، والده كان قاضيا شرعيا وخطيبا في مسجد القلعة الكبير، وخاله قاضيا ايضا، لهذا تعلم اللغة العربية مبكرا واجاد قرائتها، وكانت تُدرس في المدارس وقتذاك، وبدأ بقراءة قصص وروايات بوليسية قبل ان ينتقل لقراءة روايات نجيب محفوظ وغيره، يضاف الى كل هذا فانه في فتوته وشبابه اختلط باصدقائه العرب ببغداد عندما انتقل اليها للدراسة في ثانوية التجارة المركزية وعمل بذات الوقت في جامعة بغداد ونشأت بينه وبين المثقفين العراقيين ومنذ وقت مبكر علاقات طيبة.
 
في الحلقة 11 من البرنامج الحواري "ملفات عدنان المفتي" الذي يُبث من رووداو عربية، يفتح لنا المفتي ملفه الثقافي وعلاقاته مع المثقفين العرب في بيروت، يقول:"كانت علاقتي في بيروت بالمثقفين اللبنانيين والعراقيين جيدة، وكان اصدقائي في الغالب هم العراقيون وكانوا هناك بالمئات، ابرزهم محمد الحبوبي، واسماعيل زاير، وابو ايوب، وادريس، وتحسين الشيخلي، ويحيى الشيخلي.
 
وهناك، في بيروت، التقيت بالشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وزرته في بيته، وكان صديق مام جلال وصديق الشعب الكوردي، وحتى اليوم نتداول اشعاره الرائعة والمعبرة عن اوضاع الشعب العراقي، عربا وكوردا، كما عنده قصائد رائعة عن كوردستان.
 
وفي قصيدة يرد فيها على مام جلال، فعندما كان الجواهري في براغ كتب مام جلال له رسالة قال له فيها(لماذا لا نسمع صوتك، لماذا لا تغرد؟) فرد الجواهري عليه بقصيدة طويلة جميلة جدا، بدايتها:
 
شوقأَ "جلال" كشوق العين للوسن
كشوق ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري
وأنت مني محلَّ الرَّوحِ في البدن
وأنتَ منْ قلّةٍ يسخو الزَّمانُ بها
تستلُّ من كثرةٍ عبءُ على الزمن
شوقاً إليك، وأن ألوَتْ بنا مِحنٌ
لم تدرِ أنّا كفاء الضُرِّ والمحن
لم تدر أنَّ فراقَ الصامدينَ لها
هو اللقاءُ على نهجٍ من السنن
 
وما زلت احفظ هذه القصيدة عن ظهر قلب، واذا اركز الان استطيع قرائتها كلها، لاني استخدمتها في احدى رسائلي الى مام جلال عام 2011، عندما كان هو في بغداد وانا في اربيل. حيث لم اكن استطيع مناقشة بعض المسائل في الاجتماعات فكتبت له رسائل تعبر عن واقعنا وعن علاقتي ببعض المشاكل وقتذاك، وبضمنها استشهدت بشعر الجواهري وقلت له انا اعيد عليك ما قاله الجواهري، مثلا:
 
ناشدتني ولبَعضِ النشْدِ معتبةٌ
وربّ مَعتبة من سيئ الظِّنن
 
هذا بعد ان كلفني باستلام منصب وانا رفضت هذا التكليف، وهكذا كل موضوع بيننا كنت استعين باشعار الجواهري لانني اعرف حبه له ولقصائده.

 

 

معد فياض وعدنان المفتي أمام كتبته

 

 
نسأل المفتي: في حلقة سابقة قلت انك التقيت بالشاعر الفلسطيني محمود درويش، في برلين عندما كان مع ياسر عرفات، هل كان هذا اللقاء مصادفة وسريع؟ وهل التقيتم به ثانية في بيروت؟
 
يرد قائلا: "كان مصادفة ولم نكن اصلا نعرف بوجود درويش، ولم التق به ثانية، مع انه كتب عن الكورد، وكنت قد حفظت له قصيدة جميلة وطويلة منذ ان كان عمري 16 سنة يقول في مقدمتها:
 
‎معكم
‎معكم قلوب الناس
‎لو طارت قذائف في الجبال
‎معكم عيون الناس
‎فوق الشوك تمشي .. لا تبالِ
‎معكم عبيد الأرض
من خصر المحيط إلى (الشمال)
‎معكم أنا معكم أبى
‎وزيتوني وعطر البرتقال
‎معكم عواطفنا.. قصائدنا
‎جنوداً في القتال
‎يا حارسين الشمس.. من أصفاد أشباه الرجال
‎ما مزقتنا الريح.. إن نضال أمتكم نضالي
‎إن خر منكم فارس.. شدت على عنقي حبالي
 
يصف المفتي علاقة المثقف العراقي بالقضية الكوردية بـ"المتميز"، يقول: "امانة اتحدث، وهنا لا اتحدث عن الواقع الحالي، حاليا الوضع يختلف تماما.. كان موقف المثقف العراقي متميزا واخلاقيا ونبيلا بشكل عام، شعراء وكتاب وفنانين مسرحيين وموسيقيين وتشكيليين وصحفيين، وعلينا ان نقر بان الحزب الشيوعي العراقي لعب دورا كبيرا في دعم الثورة الكوردية، لان الحزب الشيوعي كان يضم عددا هائلا من المثقفين العراقيين المتاثرين بمبادئ الحزب في مجال العدالة وحقوق الانسان، ولا ننسى ثورة 14 تموز والدستور الذي صدر وقتذاك الذي ينص بان العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن. والعراق الذي تاسس سنة 1921 يختلف عن دول الجوار فالمثقف العراقي متقدم فيما يتعلق بالقضية الكوردية ويختلف عن المثقفين العرب".
 
ولكن "استثني من ذلك مصر، لان لها حالة خاصة كمثقفين وككتاب لانها استقبلت قبل اكثر من 100 عام مثقفين كورد خاصة من تركيا، وميزة مصر انها دولة منفتحة على خلاف الدول العربية الاخرى، وكل من يذهب الى مصر من مختلف الجنسيات سيصبح مصريا بعد سنوات قليلة مع الاحتفاض بانتمائه".
 
ويشير الى ان: "الحزب الديمقراطي الكوردستاني كان حزبا واحدا موحدا ويهتم بالعلاقات العربية الكوردية كثيرا، وهذا ما تؤكد عليه ادبياته وشعاراته ويحاول ان ينسجم مع الجانب العربي والوضع الثقافي في العراق. وحتى سنة 1958 كانت الاستجابة ضعيفة من قبل الاحزاب العراقية العربية في التفاعل مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي، بزعامة كامل الجادرجي، وكذلك الحزب الشيوعي وكانت الاحزاب القومية العربية ترفض التعامل مع الاحزاب او الحركات الكوردية، مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب، وكانت تتوجس او تتخوف من الحركة القومية الكوردية وتعتبرها حركة انفصالية حتى من صارت جبهة الاتحاد الوطني عام 1956 وكان للحزب الديمقراطي الكوردستاني تحالف مع الحزب الشيوعي، وهكذا كانت العلاقة مع جبهة الاتحاد لان الاخرين عندهم فيتو على الديمقراطي الكوردستاني".
 
ونوه الى ان:" الشعب العربي في العراق كان في تلك الفترة والفترات اللاحقة مؤيدا لحقوق الشعب الكوردي والكثير من المناضلين العرب دخلوا السجون بسبب مواقفهم المؤيدة للحركة الكوردية التي هي الاخرى فتحت ذراعيها بعد 8 شباط 1963 للمناضلين الشيوعيين الذين فلتوا من السجون والتعذيب ولجأوا الى جبال كوردستان وقاتلوا ضمن حركة الانصار مع البيشمركة وكذلك في معركة هندرين في الستينيات بشكل فعال".
 
نسال المفتي: ماذا عن الاوضاع اليوم؟ يقول: "الان مع الاسف لا استطيع ان اقول الوضع نفس الشيء فقد تغيرت الامور وتراجعنا كثيرا. الثقافة تراجعت سيادة عدم الثقة وشكوك البعض بالبعض الاخر وهذه نتاج الاوضاع الحالية والتدخلات الخارجية بعد سقوط النظام..خلال سنوات النظام كانت هناك ممارسات فاشية وكان النظام يستخدم الاسلحة الكيمياوية لكن الشعب كان يتواصل مع بعضه حتى الاكراد الذين هجرهم النظام الى جنوب العراق وجدوا حضنا واسعا من العراقيين وهناك حكايات كثيرة من هذا النوع. اليوم تشيع ثقافة الكراهية وهي السائدة. انا عندي قناعة بان الشرير هو الذي يمكن ان يبرز والان انا اسميها ثقافة (الشرور) وثقافة الكراهية والغاء الآخر وهذه الحالة اثرت على وضعنا في كوردستان ايضا ولكن بدرجة اقل باعتبار نحن نعتبر انفسنا كجزء منفصل ثقافيا واجتماعيا الى حد ما لكننا ايضا نتأثر اكثر مما نؤثر".
 
وعن قراءاته يقول السياسي الكوردي عدنان المفتي: "انا اقرأ اليوميات (السير الذاتية) للسياسيين، قرأت يوميات مام جلال وكاك مسعود، ومؤخرا السيرة الذاتية لصديقي فاروق ملا مصطفى، واحب قراءة الروايات خاصة للكاتب الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا، وللروائي امين معلوف وللمصري يوسف زيدان والكاتب العراقي الذي هو صديقي علي بدر، وآخرين. انا عاشق للسينما منذ كنا نعيش في قلعة اربيل ، وكذلك في بغداد ودمشق ونادرا ما كان يفوتني فيلم جيد، وفي الموسيقى اسمع بالتاكيد الموسيقى الكوردية القديمة والجديدة والعربية عندي اغاني عبد الحليم حافظ هي المفضلة".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب