معد فياض
نرتقي اليها وهاماتنا منحنية باتجاه قمتها، واعيننا ترنو الى الفضاء الذي يتقرب منها ويكاد ان يحتضنها وهي ثابتة في موقعها منذ اكثر من ستة الاف عام.. نرتقي الى قمتها خطوة إثر خطوة ونتأمل كل احجارها وصخور سورها وآجر بيوتها..نغرق في التاريخ..فهنا تاريخ الكورد، وهنا تأسست حضارات، وقامت معارك وصمد اهلها دفاعا عنها ضد اعتى جيوش العالم حفاظا على اقدم مستوطنة بشرية ما زالت تنبض بالحياة.
قلعة اربيل، أو أربا ايلو، أو قەڵای ھەولێر ( قلعة هولير)، التي تقف بشموخ وسط عاصمة اقليم كوردستان، تراقب عبر شرفاتها وشبابيكها الزمن الذي يمر قربها وتطور الحياة دون ان ترضخ لاي مساس ولو بطابوقة واحدة من بيوتها التاريخية..فمهما تطورت اربيل كمدينة وتحضرت وتوسعت، تبقى قلعتها هي عنوان حضارتها.
جزء من التراث الانساني
في 21 حزيران 2014 أُدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو UNESCO، قلعة اربيل على قائمة التراث الانساني العالمي، وبدأت جهود حثيثة لاعادة اعمارها وتأهيلها تحت اشراف المنظمة الاممية.وتحولت القلعة الى ورشة بناء وفق مخططات ودراسات واستشارات معماريين ومؤرخين وباحثين تراثيين لاعادة مجدها بدون النيل من خارطة ازقتها او التأثير على طرازها المعماري.
بحسب نهاد لطيف قوجا، مدير الهيئة العليا لاحياء قلعة اربيل فإن: "نسبة ما تم انجازه من اعمال اعادة الاعمار والتأهيل بلغ ما بين 25 الى 30 بالمائة، بضمنها انجاز اعمال البنية التحتية التي انتهينا منها تقريبا، والتي تشمل مد المجاري وانابيب المياه الصالحة للشرب وكابلات الكهرباء والانترنيت وغيرها وهذا انجاز مهم جدا بالنسبة لنا.
قوجا أكد في حديثه لرووداو اليوم الاثنين، 3 تموز 2023، ان:"كل عمليات اعادة اعمار وتاهيل قلعة اربيل تتم تحت إشراف اليونسكو"، موضحا حول تمويل المشروع:" حتى الان ليس هناك تمويل حكومي بسبب الاوضاع الاقتصادية في اقليم كوردستان التي تتعلق باجراءات العراق(بغداد) حاليا، لهذا فان الجزء الاكبر من تمويل عمليات اعادة اعمار قلعة اربيل مقدم من كار كروب(الشيخ باز)، وجزء مقدم من السفارة الاميركية واليونسكو". منبها الى انه:"عندما تم وضع مخططات اعادة تاهيل قلعة اربيل خمنوا التكاليف المتوقعة ستكون 130 مليون دولار، واليوم وبسبب الظروف الاقتصادية الدولية فانا متاكد ان الكلفة سوف تتصاعد الى 160 مليون دولار".
حريصون على تراثها
عمليات اعادة اعمار وتأهيل قلعة اربيل تتم:"ببطأ وعناية وحذر من قبل فريق من المهندسين والبنائين المهرة المتخصصين بالتراث المعماري الكوردي وجميعهم من اربيل، علاوة على ذلك ان ازقة(درابين) القلعة ضيقة ولا مجال لدخول السيارات، مع حرصنا بان تاتي النتائج متميزة، وهذا يعني ان العمل يسير بطيئا". متوقعا ان:"ننتهي من عمليات اعادة الاعمار والتأهيل لتكون القلعة جاهزة خلال الخمس او العشر سنوات القادمة لاستقبال الزوار".
يوضح نهاد لطيف قوجا ، مدير الهيئة العليا لاحياء قلعة اربيل، وهو يصف تفاصيل قلعة اربيل قائلا:" انا اصلا من القلعة وولادتي في قلعة اربيل، يعني (هوليري اصلي)"، مضيفا: "كان هنا في القلعة خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات 630 بيت، بقي منها حاليا 420 بيتا، منها 250 بيتا تستحق او تتحمل اعادة تعميرها وتتمتع ببنية تحتية ممتازة وهذه سيتم اعادة اعمارها، اما بقية البيوت فتحتاج الى وقت اطول واموال اكثر". وفقا للتعداد عام 1995، بلغ عدد سكان القلعة 10.000 نسمة يعيشون في 247 منزلا. اما مساحة القلعة الكلية فتبلغ 131 الف متر مربع.
مشاريع ثقافية
غالبية ازقة قلعة اربيل حاليا مغلقة بسبب عمليات اعادة الاعمار والبناء، لكن ذاكرتي، وانا اتطلع لتلك البيوت التي هي في طور الاعمار، تاخذني عندما كانت هذه الازقة تضج باصوات الاطفال وهم يلعبون هنا وهناك، وروائح الاكلات تنبعث من مطابخ البيوت حيث كانت الحياة تتدفق في القلعة، اليوم "ليس هناك سوى عائلة واحدة تسكن قلعة اربيل"، حسب ايضاح قوجا "لتبقى بوصفها اقدم مستوطن بشري في التاريخ، لا نريدها ان تخلوا من السكان، لهذا ضمن مخطط اعادة تأهيلها سنسمح باقامة ما بين 50 الى 70 عائلة فيها سواء ممن كانوا من سكانها الاصليين او ابنائهم او احفادهم، او بعض الموظفين العاملين في القلعة، وحسب توصيات اليونسف، اي ان الموضوع قانوني، لتبقى الحياة فيها نستمرة ومتدفقة".
وفي توضيح اوسع، يقول مدير الهيئة العليا لاحياء قلعة اربيل:"اي مواطن من سكنة القلعة الاصليين او من غيرهم يتعهد لنا باعادة اعمار وتاهيل بيت معين وفق خططنا سيتمكن من السكن بهذا البيت، والموضوع ينطبق على المؤسسات والمشاريع الثقافية والسياحية، اذا ارادوا بيت معين فيمكنهم تسديد تكاليف اعادة اعماره وتاهيله واستغلاله وفق البرامج التي وضعناها، اي اننا لن نمنح اي بيت او عقار مجانا على الاطلاق".
وأشار إلى أن "خططنا وبالتعاون والتنسيق مع اليونسكو ان تتحول البيوت الى تكون مراكز ثقافية ومسارح وصالات عرض تشكيلي وصالات موسيقية ومكتبات ومقاهي ومطاعم لتقديم الاكلات التراثية وورش للصناعات الشعبية". مستطردا بقوله:" حاليا يوجد مسرح في قلعة اربيل وتقام عليه عروض موسيقية، ومركز ثقافي عن تاريخ القلعة ومتحفين، وسنعيد ورشة صناعة السجاد اليدوي التراثية والتي كانت موجودة اصلا في القلعة، كما نخطط اقامة مهرجانات ثقافية وفنية واخرى فلكلورية للاطعمة والازياء".
جميع المواقع الاثرية والسياحية في العام تستوفي اجور باهضة من زوارها، لكن الدخول الى قلعة اربيل مجاني حتى اليوم، يوضح نهاد لطيف قوجا قائلا:" لقد وضعنا في برامجنا تحديد سعر تذكرة الدخول الى قلعة اربيل وسيتم تنفيذ هذا الاجراء السنة القادمة بعد ان ننتهي من تاهيل الشارع الوسطاني وانجاز بعض المشاريع".
أقدم مستوطن بشري
حسب المصادر التاريخية فان موقع قلعة اربيل يعود إلى وقت مبكر من العصر الحجري الحديث ،حيث عُثرت على أجزاء من الفخار يرجع تاريخها إلى تلك الفترة على سفوح التل. وهو دليل واضح على الاستيطان السكاني ويأتي من العصر الحجري النحاسي مع شقف تشبه الفخار في فترتي العبيد وأوروك في الجزيرة وجنوب شرق الأناضول على التوالي. بالنظر إلى هذا الدليل على الاستيطان المبكر، فقد سميت القلعة أقدم موقع مأهول باستمرار في العالم.
وظهرت أربيل لأول مرة في المصادر الأدبية حوالي 2300 قبل الميلاد في أرشيف إبلا. وفقًا لـ جوفاني بيتيناتو، فهو مذكور في لوحين باسم "أربيلوم".وكانت المدينة في البداية تحت السيطرة السومرية إلى حد كبير من 3000 ق. م، حتى ظهور الإمبراطورية الأكادية (2335-2154) ق. م التي وحدت الأكاديين والسومريين في بلاد ما بين النهرين تحت حكم واحدو.في وقت لاحق استولى إريدوبيزير، ملك جوتيوم على المدينة في عام 2200 قبل الميلاد، والذين يعتبرون من أسلاف الكُرد.
وصف المؤرخ شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحَمَوي (574 - 626 هـ، في كتابهِ (معجم البلدان)، أربيل وقلعتها قائلا: "أن أربيل هي قلعة ومدينة في فضاء واسع من الأرض".
بوابات القلعة
كانت قلعة اربيل، التي ترتفع اكثر من 30 مترا فوق سطح البحر، تضم ثلاثة سلالم على منحدراتها الشمالية والشرقية والجنوبية، تؤدي إلى أبواب المنازل الخارجية المبنية على الحافة. في الأصل، لم يكن هناك سوى منحدر واحد هو المنحدر الجنوبي الذي يطل على بوابة ضخمة مقوسة تؤدي إلى ساحة صغيرة مفتوحة، والتي بدورها تؤدي إلى أربعة أزقة رئيسية متشعبة في كل الاتجاهات مثل أغصان الشجرة.
ورغم صغر حجمها، قسمت القلعة إلى ثلاثة احياء سكنية، هي: سراي والتكية وطوبخانة الگورانین. سكنت العائلات الكبيرة والبارزة منطقة السراي، وخصصت منطقة التكية لمنازل الدراويش، وعاش في طوبخانة الحرفيون والمزارعون.
كانت لقلعة اربيل ثلاثة بوابات، هي: الشمالية وكانت بوابة ضخمة مقوسة وتسمى قديما باب عمكا وكانت أعظم أبوابها الذي سد في وقت ما ، وفي سنة 1926 أو 1927 فتح أحمد افندي متصرف أربيل باب في القسم الشمالي من القلعة ولا يستبعد ان يكون في مكان الباب القديم أي باب عمكا وسمي بالأحمدية نسبة إليه.
اما البوابة الغربية فكانت تقع في محلة طوبخانه بين دور خربة واغلقت في زمن بعيد جدا وقد اتخذت المسافة الواقعة بين موقع الباب إلى حافة القلعة داراً سكنية و بعد ان تهدمت الدار وجداره الغربي على حافة القلعة فان لجنة تطوير القلعة قد أعاد بناء الجدار، ولا يُعرف سبب غلق هذه الباب فقد كانت موجودةً في عهد المؤرخ ابن المستوفي المتوفى سنة 1239م.
وكانت البوابة الجنوبية تمثل برجاً عظيماً للقلعة، هدم في سنة 1956 خوفا من انهياره ، وحل محله فيما بعد هيكل حديث بني سنة 1979 ، وقامت الهيئة العليا لإحياء قلعة أربيل بتنفيذ مشروع اعادة انشاء البوابة الكبرى في عام 2015 وهي بوابة ضخمة مقوسة.
والباب الشرقي للقلعة ظاهرة من بعيد ذو باب حديدي، في الماضي كانت تقع على مسافة 18مترا عن يمين دار(بيربال اغا) حيث ينزل من هناك طريق إلى أسفل القلعة وكان الناس يظنون ان ذلك الطريق قد فتح في القلعة في أواخر العهد العثماني و لم يكونوا يعرفون ان ذلك الطريق ينحدر من الباب الشرقي كان موجودا قبل تسعة قرون أو في عهود ما قبل الإسلام. اليوم لقلعة اربيل ثلاثة أبواب هي: الباب الكبيرالجنوبي ، والباب الشمالي ( الأحمدي )، والباب الشرقي.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً