رووداو ديجيتال
في الثامن من كانون الأول 2024، انتهى حكم عائلة الأسد الذي استمر لعقود، مع خروج بشار الأسد من السلطة، ليُفتح بذلك فصل جديد في تاريخ سوريا. هذه المرحلة جاءت بعد سنوات من الحرب والدمار، حيث أصبحت البلاد أفقر دولة في العالم، مع بنية تحتية مدمّرة، وملايين الشهداء والمصابين والنازحين.
في هذا السياق، تحدث ريبال الأسد، ابن عم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وابن رفعت الأسد، ورئيس منظمة الديمقراطية والحرية في سوريا، عن الأسباب التي قادت إلى سقوط النظام، مشيراً إلى الأخطاء التي ارتكبها بشار الأسد، وموضحاً رؤيته لمستقبل سوريا، بما في ذلك الدعوة إلى نظام فيدرالي جغرافي يضمن وحدة البلاد، والانتقال إلى ديمقراطية تمثيلية حقيقية تشمل جميع السوريين.
ريبال الأسد، في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية، استعرض تفاصيل خروج بشار الأسد، العلاقات المتوترة داخل عائلة الأسد، والانقسامات الداخلية التي أسهمت في تفكك النظام، بالإضافة إلى التحديات الجديدة التي تواجه سوريا في ظل سيطرة السلطة الحالية، مما يثير مخاوف حول مستقبل البلاد واستقرارها.
وأدناه نص المقابلة:
رووداو: هل كنت تتوقع أن ينتهي نظام الأسد بهذا الشكل؟
ريبال الأسد: نعم، بالطبع كنا نحذّر منه، نحن منذ سنوات وقبل ما يُسمّى بالربيع العربي، ونحن نحذّر من أنّ ذلك سيحدث إذا لم ينتقل النظام فوراً إلى ديمقراطية تمثيلية حقيقية ومشاركة الشعب، ويكون هناك حوار وطني. فأكيد هذا كان متوقعاً، لأنّه خلال الأربع عشرة سنة الأخيرة من الحرب والدمار أصبحت سوريا أفقر دولة في العالم، الرواتب أصبحت بين 10 و20 دولاراً، والكهرباء تأتي فقط لمدة 15 دقيقة كل خمس ساعات. وأصبح لدينا أكثر من مليون شهيد، وأكثر من مليون مصاب، وأكثر من ستة ملايين لاجئ، وأكثر من ثمانية ملايين نازح في الداخل، وستين بالمئة من البنية التحتية مدمّرة. كان الوضع من المستحيل أن يستمر في الطريق الذي سار عليه النظام.
نحن فرحون، الشعب السوري فرح بذهاب الدكتاتورية ورحيل الدكتاتور، ولكن هناك خوف على القادم لأنّ الذين في الداخل ليسوا ديمقراطيين، بل هم من تنظيم هيئة تحرير الشام (القاعدة) أو جبهة النصرة، وهي القاعدة في سوريا مع عشرات الآلاف من الجهاديين الأجانب الذين لديهم إيديولوجية منحرفة، وكل شيء بالنسبة لهم هو تغيير من الدكتاتورية إلى الثيوقراطية، أي حكم الدين. وهذا الأمر نحن بالطبع كنّا ضدّه، وكنا دائماً نحذّر منه. وكنا نقول نحن لا نريد أن يحدث في سوريا مثلما حدث في إيران قبل خمس وأربعين سنة، هذا الانتقال من الدكتاتورية إلى الثيوقراطية.
نحن لا نطمح إلا إلى ديمقراطية حقيقية تمثيلية مع دستور حضاري يكون جميع المواطنين تحت سقف القانون، بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس. وطبعاً يجب أن يكون هناك استقلال للقضاء، وألا يكون القضاء تحت أي تأثير ديني أو طائفي، لأنّ هذا الأمر سيكون مأساوياً على مستقبل سوريا. كما أننا نريد وحدة الأراضي السورية، ولكن ضمن نظام فيدرالي جغرافي، وهذا ما دعوت إليه منذ سنوات، لأنني أعتقد أنّه بعد الحرب التي حدثت سيكون هذا هو الحل الأمثل لوضع سوريا. وغير ذلك، لا نعرف إلى أي اتجاه قد تذهب الأمور، وربما يكون هناك تقسيم أو أي شيء آخر إذا لم ننتبه ونتوحد كشعب سوري واحد، ويد واحدة، وألا تكون هناك انتقامات مثل التي نشهدها الآن في منطقة الساحل وفي عدة مناطق. فالانتقام يُمارس ضد كل من كان مع النظام، وما يُسمى اليوم فلول النظام. لكننا نعلم أيضاً أنّه خلال السنوات الأربع عشرة الماضية كان هناك قتال من الطرفين، أي من النظام ومن هؤلاء المتطرفين.
رووداو: بعد أن ذهب بشار الأسد إلى روسيا، هل تواصلتَ معه؟
ريبال الأسد: لا، أنا لم يكن لدي أي اتصال معه قبل أن يذهب، يعني أنا لم أره إلا مرة واحدة في حياتي، وذلك في عام 1994، حدثت مشكلة بيننا في ذلك الوقت، وبعدها بشهر أو شهرين كنت مسافراً للدراسة في الولايات المتحدة أثناء ذلك، حاولوا اغتيالي في مطار دمشق الدولي، ثم تم توقيفي من قِبل الحرس الجمهوري لمدة ثلث ساعة، وبعدها والدي، قد رافقني إلى المطار، ثم تواصل مع الرئيس عمي رحمه الله. وبعد عشرين دقيقة تقريباً تمكنت من المغادرة والسفر إلى خارج سوريا، كانت هذه آخر مرة رأيت فيها بشار.
رووداو- من أراد أن يقتلك؟
ريبال الأسد: كان ذلك بسبب حدوث مشكلة بيني وبين ابن عمي أمام فندق شيراتون في دمشق. عندما وقفت هناك، تحدث معي بطريقة سيئة وقال لي وقتها: "ألم تشاهد فيلم ابن عمك يحيى الأسد عن بياكل فلق؟". طبعاً، أنا انصدمت وقتها، كيف يعقل أن يتحدث بهذه الطريقة؟ أنهم ضربوا ابن عمهم أو جعلوا الناس يعذبونه وصوروا فيلماً عنه ووزعوه على الناس. طبعاً، أنا لم أقبل هذا الكلام وأجبته عليه، ونزلت من السيارة وهجمت عليه، لكنه هرب.
بعد ذلك، كان عمي الرئيس، رحمه الله، قد علم بالموضوع ولم يقبل بهذا الأمر، خاصة أنه كان في تلك الفترة يحضّر بشار لتسلم المسؤولية بعد وفاة أخيه. وعرفنا قبل ليلة من سفري أن هناك تحركاً من الحرس الجمهوري باتجاه مطار دمشق الدولي. فاتصل والدي بعمي، رحمه الله، وأخبره أنني مسافر للدراسة في أميركا. فقال له الرئيس وقتها: "دعه يدرس ونفتخر به" ولكن عندما أنهى المكالمة، قال لي والدي: "هكذا قال عمك، ولكنني لست مرتاحاً، لأنه عندما يتحدث بهذه الطريقة ويبدو مبسوطاً، فهذا يعني أنه سيفعل شيئاً".
في اليوم التالي، رافقني والدي وأخواتي ووالدتي إلى المطار. وعندما وصلنا إلى الطائرة النمساوية، دخل الموكب الشخصي للرئيس وحاصروا الطائرة. نزلوا من سيارات المرسيدس والباصات التي كانت تحمل الركاب، وبدأوا بإطلاق النار بكثافة حول الطائرة لمدة ساعتين ونصف. كان على رأسهم العقيد مفيد الرعوان في ذلك الوقت. عندما نزلت من السيارة، كان أحدهم يحمل مسدساً، بينما الآخرون كانوا يحملون رشاشات. قال له أحد الضباط لهذا الشخص الذي يحمل المسدس: هذا هو، أطلق النار عليه فوراً.
عندما دخلوني إلى السيارة، جاء مفيد الرعوان وتحدث مع والدي قائلاً: "احترامي، سيدي، هناك أوامر من الرئيس أنه يريد ريبال". فرد عليه والدي قائلاً: "لقد تحدثت مع الرئيس وقال لي إنه يجب أن يسافر للدراسة ونفتخر به". ولكن مفيد رد قائلاً: عذراً سيدي، أنت تعلم أنني لا أملك صلاحيات لتحريك موكب الرئيس، ولا لتحريك الحرس الجمهوري الموجودين على المدرج. هذا الأمر يحتاج إلى أمر شخصي من الرئيس". وظلت الأمور على هذا الحال لمدة ساعتين ونصف، حتى أقنعت والدي بأن يتركني أذهب معهم. وأخيراً، اقتنع والدي، لكنه قال له: أخبر الرئيس أن أي شخص يقترب من ابني ويؤذيه ولو بشعرة، ستكون هناك مواجهة في كل شوارع دمشق، ولن تكون مثل عام 1984.
رووداو: أنك لم تُقتَل، نجوت سليماً، وها أنت الآن ضيفنا هنا. ريبال الأسد بحسب معلوماتك، كم شخصاً من عائلة عمك حافظ الأسد ذهبوا إلى روسيا؟
ريبال الأسد: أغلب العائلة، أنا دائماً كنت أقول إنه لا يمكننا أن نقول إن عائلة الأسد هي التي كانت تحكم. كان هناك شخصان من عائلة الأسد، هما بشار وأخوه ماهر، وكان هناك عضو في مجلس الشعب اسمه عمار، ولكن البقية، أي الأغلبية، لم يكن لهم علاقة بالحكم، لم يحكموا ولم تكن لديهم أي سلطة في سوريا، بل على العكس، كانوا ملاحقين. الأغلبية كانوا ملاحقين ومضطهدين، واليوم هناك 120 منهم خرجوا من البلاد وهم خائفون بالطبع على الوضع، بسبب الانتقامات التي تحدث.
وبالطبع هناك ثلاثة أو أربعة يُقال عنهم إن لديهم قصصاً أو أعمالاً سيئة، ولكن من بين المئات، من الظلم أن نقول حكم نظام الأسد أو عائلة الأسد بأكملها. لا يمكننا دائماً أن نلوم عائلة بكاملها أو طائفة بكاملها فقط لأن اثنين من هذه العائلة أوصلوا سوريا إلى ما نحن عليه اليوم.
رووداو: بحسب معرفتك، هل هم في موسكو أم أنهم في مدينة أُخرى؟
ريبال الأسد: صراحةً لا أعلم، أعتقد أنه في موسكو، ولكن لا أعرف، كما قلت لك، لأن هذه هي المرة الوحيدة التي التقيت به فيها، ولا يهمني كثيراً أين هو الآن أو أين ذهب. ما أنا متأكد منه أن ما حدث في النهاية كان اتفاقاً روسياً تركياً إيرانياً لإخراجه من سوريا بعدما لاحظوا أنه لم يعد هناك مجال لهذا. لم يرضِ الروس بالطبع في الحوار الذي كانوا يطالبون به، سواء الحوار مع أردوغان قبل الانتخابات التركية أو بعدها. ونفس الشيء مع الإيرانيين عندما ابتعد عنهم خلال الحرب على غزة ولبنان، لم يدلي بأي كلمة معهم ولم يقف بجانبهم. لم يكن لديه أي نية للبقاء مع حلفائه.
ليس هذا فقط، بل بدأ يعطي مواقعهم في داخل دمشق. وكما تتذكر، حدث قصف على مواقع تابعة لهم، بما في ذلك ضباط إيرانيون وحلفاؤهم. فهم الإيرانيون أنه كان يخونهم، ونفس الشيء بالنسبة للروس. وكان متوقعاً، لأن هناك دولاً كانت تطلب من إدارة بايدن رفع العقوبات في عشرين الشهر عن النظام، كما تعرف، هذه العقوبات تنتهي عشرين الشهر، أي في الأسبوع الماضي. وكان الرئيس الأميركي سيقرر إما تجديدها أو رفعها. ولهذا السبب، أرادوا تسريع هذه الخطة قبل الوصول إلى العشرين من الشهر، لأنهم كانوا قد وعدوا حلفاءهم أنه سيبتعد عن إيران وسيطرد الإيرانيين من سوريا. ولهذا السبب، أرادوا إخراجه بهذه السرعة.
وكما تعلم كان موجوداً في موسكو عندما بدأت الأحداث، وقيل له من روسيا أن يعود إلى دمشق ويأمر كل القوات بالانسحاب من حلب، ثم من حماة، ثم من حمص. وقالوا له إنهم بهذه الطريقة سيأخذونه كلاجئ إنساني. ولكنهم أرادوا صراحةً أن يذلوه بهذه الطريقة، ومنعوه من أن يلقي أي خطاب لشعبه أو حتى يحذّر عائلته. ترك خائفاً، والجميع يعلم الآن ويقول إنه جبان وغدّار، وخان من وقفوا معه. وسمح لهؤلاء، أي الإسلاميين المتطرفين، بالدخول إلى دمشق وكل مدن سوريا.
رووداو: كل احد يتوق إلى معرفة مكان وجود ماهر الأسد، فهو من جهة ابن عمك، ومن جهة أخرى أخو بشار الأسد. هل لديك معلومات عنه مكان وجوده؟
ريبال الأسد: علمنا، مثل كل العالم، أنه استطاع الخروج قبل يوم، أي أنهم خرجوا قبل يوم. وكما رأيت، الفرقة الرابعة لم تواجه بأي شكل، واختفوا. بمعنى أنك ترى اليوم أن جميع الضباط الكبار، قادة الفرق والألوية، كلهم اختفوا. فأنا أعتقد أيضاً أنه كان هناك انسحاب منظم وإخلاء منظم بإشراف روسيا. وأكيد أن جميع هؤلاء الضباط الكبار الموجودين أصبحوا اليوم في روسيا. لا أعلم إذا ما خرج ماهر معهم في نفس الوقت أو انتقل إلى دولة أخرى، ولكن ما أعرفه بالتأكيد هو أنه قبل يوم تم إخلاء جميع المواقع وانسحبوا.
رووداو: الآن كيف هو وضع عائلتكم هناك في سوريا؟
ريبال الأسد: الوضع، كما قلت لك، مأساوي. ليس فقط بالنسبة للعائلة، بل للجميع. كما تعلم، لا يمكننا أن نلوم عائلة أو طائفة أو فئة فقط لأن فردين من هذه العائلة أو هذه الطائفة كانا يحكمان البلد، بينما الأغلبية الباقية وضعهم مأساوي. كما قلت لك، باستثناء ثلاثة أو أربعة أو خمسة أفراد سيئي السمعة من عائلة الأسد، فإن الأغلبية فقراء، لا يملكون وظائف، ومضطهدون، وممنوعون من العمل أو امتلاك أي شغل. كما تعلم، النظام يحتكر كل شيء، ولديه حيتان من كل الطوائف، وبعضهم انتقل الآن إلى العمل مع هيئة التحرير.
أما بالنسبة للعائلة، فالأبناء لم يستفيدوا. على سبيل المثال، عندما يتحدث أحدهم عن الانتقامات، فماذا عن الضباط أو العسكريين الذين قيل لهم إن هؤلاء الذين نواجههم هم متطرفون إرهابيون يقطعون رؤوس الناس وتم عرض أفلام وتقارير من الأمم المتحدة تُظهر أنهم والنظام استخدموا السلاح الكيماوي، وأنهم ارتكبوا جرائم حرب. هؤلاء الناس، عندما يُؤمرون بأن يدافعوا عن وطنهم أو أن يواجهوا مصيراً مأساوياً، ماذا كان بإمكانهم أن يفعلوا؟
هذا ما حدث، انسحب النظام ودخل هؤلاء، ورأينا ما يحدث من انتقامات وقتل وسحل الناس في الشوارع. بالطبع، الناس لم تكن سعيدة بالنظام. لا يمكن لأحد أن يصدق أن هناك إنساناً في العالم لا يريد الحرية والديمقراطية، أو يحب الدكتاتورية والفقر والعيش في خوف. ولكن في الوقت نفسه، الناس لا تريد الانتقال من السيء إلى الأسوأ. واليوم، للأسف، نحن في وضع سيء جداً، لأن هناك انتقامات واسعة على كل من كان تابعاً للنظام.
كيف يمكن معالجة هذا؟ هذا أمر واسع جداً. كما قلت لك، إما أن نحاسب الجميع أو نحاسب من ارتكب الجرائم من كلا الجانبين. وهذا يعني مئات الآلاف من الأشخاص، لأنه لا يوجد بيت في سوريا لم يفقد أحداً، لا يوجد بيت في سوريا ليس فيه شهيد أو جريح. هذا مستحيل. لا توجد عائلة إلا وقد عانت. لذلك، إما أن نحاسب كل العالم، أو أن نكون منطقيين ونقول: لقد أسقطنا النظام، والآن يجب أن ننتقل إلى ديمقراطية حقيقية تمثيلية، ونعمل على مصالحة وطنية وعفو عما مضى.
بالطبع، لا يمكننا أن ننسى الماضي، ولكن يجب أن نتعلم منه حتى لا نكرر نفس الأخطاء ونعود إلى دوامة القتل والإجرام التي حدثت خلال السنوات الأخيرة أو تحت حكم الدكتاتورية. يجب أن نتسامح مع بعضنا البعض ونعيش معاً كإخوة في الوطن. يجب أن نرفض التفرقة والانتقام، وأن نكون شعباً حضارياً ونثبت للعالم أننا قادرون على بناء ديمقراطية حقيقية تمثيلية مع دستور حضاري تقدمي. علينا أن نظهر للعالم أننا شعب حضاري، سوريا هي مهد الحضارات، ويجب أن نكون منارة للعالم. علينا أن نبني دولة متقدمة تُلهم العالم، وليس أن نعود مئة أو مئتي عام إلى الوراء، بجلب عشرات الآلاف من الشيشان والصينيين (الإيغور) والأوزبكستانيين والتركمان ومن القوقاز وأوروبا ومن جميع أنحاء العالم. هذا ليس ما يريدوه الشعب السوري. الشعب السوري يطمح دائماً، مثل جميع شعوب العالم، إلى الأفضل، وليس إلى الرجوع إلى الماضي.
رووداو: بحسب رأيكم، ما الخطأ الذي ارتكبه بشار الأسد، وأنهى به عهده؟
ريبال الأسد: الخطأ الأساسي كان أنه لم يستمع لصوتنا عندما قلنا له في عام 2011 يجب أن تسمح بوجود الأحزاب، يجب أن تسمح بحرية الإعلام، يجب أن تعمل على حوار وطني، يجب أن نحقق انتقالاً سلمياً وتدريجياً نحو الديمقراطية التمثيلية الحقيقية. للأسف، لم يقم بذلك. وبدلاً من أن يستجيب لمطالب الشعب الذي كان يطالب فقط بالحرية والديمقراطية، وهي أمور طبيعية، بدأ بإخراج الإسلاميين الجهاديين من السجون.
كل هؤلاء الموجودين اليوم كانوا في السجون السورية. قام بتسليحهم وسمح لهم بتشكيل جماعات بهدف أن يُظهر للعالم وللشعب السوري بشكل عام أن التغيير سيؤدي إلى قدوم هؤلاء. أراد أن يوصل رسالة مفادها أن الحرب ليست مع أشخاص ديمقراطيين يطمحون للحرية والديمقراطية، بل مع مجرمين إرهابيين. أراد أن يقول "إما أنا أو هؤلاء".
للأسف، لم يسمع منا، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. حتى أن العالم وصل إلى نقطة قال فيها إن هؤلاء أفضل منه.
رووداو: كان والدك رفعت الأسد شخصاً مهماً جداً، في سوريا. عائلتكم، أو البعث، أتشعر بأنهم قد مارسوا ظلماً شديداً بحق الكورد كثاني أكبر قومية في سوريا؟
ريبال الأسد: النظام، كما قلنا، كان نظاماً ديكتاتورياً، وبالنسبة للعائلة، نعود لنقول إن هناك شخصين أو ثلاثة من العائلة، ولا يمكننا أن نقول إن كل عائلة الأسد سيئة. في كل عائلة قد يكون هناك شخص سيئ، لكن في المقابل هناك أشخاص جيدون. نعم، حزب البعث في سوريا كان يمتلك أفراداً، وحتى داخل العائلة الواحدة قد تجد شخصاً سيئاً وعشرة أشخاص جيدين. قد يكون هناك شخص حرامي وأخوه طبيب، أو أخ مهندس، أو خريج سجون. لذلك، لا يمكننا أن نقول دائماً إن كل العائلة سيئة، ففي كل العائلات يوجد السيئ والجيد.
نحن نتحدث عن نظام ديكتاتوري، وكان على رأسه ديكتاتور. وبعد ذلك، كما رأينا، جاء بشار ومعه أخوه، وكانا هما الحاكمين. لكن حتى حزب البعث نفسه انتهى منذ فترة طويلة. حزب البعث انتهى فعلياً في الفترة ما بين 1980 و1985. كان آخر مؤتمر قومي لحزب البعث في عام 1980، وهو أعلى سلطة في الحزب، آخر مؤتمر قومي عُقد في 1980، وآخر مؤتمر قطري عُقد في 1985.
بعد خروج الوالد، في آخر مرة خرج فيها، لأن الحزب لم يكن كما كان، حيث أصبحت السلطة مستأثرة منذ فترة طويلة. منذ السبعينيات والثمانينيات، كان هناك أقطاب حتى داخل الحزب نفسه.
رووداو: هل تشعرون بأن الكورد قد ظُلِموا خلال ذلك الحُكم؟
ريبال الأسد: طبعاً، بعد أن ترك الوالد الحكم في عام 1984، قاموا بسجن ضباطه وجنوده، وطردوهم من منازلهم في دمشق، وقاموا بملاحقتهم وتعذيبهم. كما قلت لك، حتى أنا ابن أخو الرئيس، رحمه الله، حاول قتلي. في عام 1999، عندما كان الرئيس، رحمه الله، مريضاً وكانوا يهيئون بشار لتولي الحكم، قاموا بضرب منزلنا في اللاذقية بالراجمات والصواريخ والدبابات والبوارج البحرية والمروحيات. وفي النهاية، رموا غازاً عليهم لإجبارهم على الخروج، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى. فإذا كان الواحد يفعل ذلك مع عائلته وأهله وشعبه، ماذا يمكن أن يُتوقع منه؟
رووداو: كيف ترى مستقبل الكورد في سوريا؟
ريبال الأسد: أنا دائماً كنت أنادي بضرورة أن تكون سوريا موحدة، كما قلت سابقاً، وأن يكون هناك فيدرالية جغرافية، لأن الفدرالية هي الحل الوحيد اليوم، خاصة بعد الحرب، الذي يمكن أن يحمي الجميع. الفدرالية تتيح لنا أن نعيش تحت سقف واحد دون أن تكون هناك انتقامات. نحن نعلم أن إخواننا الكورد عانوا كثيراً من النظام، ونعلم أيضاً أن إخواننا الكورد قدموا الكثير من التضحيات عندما حاربوا داعش والمنظمات الإرهابية.
اليوم، إخواننا الكورد أصبحوا يشكلون، من وجهة نظر الأتراك، خطراً، لأن تركيا تخشى من القواعد الأميركية والدعم الأمريكي لإخواننا الكورد، وتخشى أن يكون لهذا أثر في المستقبل على الشرق الأوسط الجديد، الذي بدأ يتشكل منذ الحرب الأولى على العراق في عام 1991، حيث بدأت تتغير معالم الشرق الأوسط.
الأتراك يخافون من مشروع كوردستان الكبرى، الذي يعتقدون أن الجزء الأكبر من أراضيه سيكون من تركيا، لأن إخواننا الكورد في تركيا يتجاوز عددهم العشرين مليوناً. والدولة الثانية التي تشعر بالقلق أيضاً هي إيران. هاتان الدولتان، تركيا وإيران، اتفقتا على العمل معاً للضغط على إخواننا الكورد، ولإخراج القوات الأميركية من سوريا.
رووداو: تحدثتَ عن كوردستان الكبرى، هل ترى أن جزءاً من كوردستان الكبرى في سوريا، نحن نسميه (روجافآى كوردستان)؟
ريبال الأسد: هذا الأمر الذي تحدثت عنه في مقابلات سابقة، وقد طُرحت عليّ أسئلة حوله عدة مرات. حسب ما أرى، كل دول المنطقة تعمل بالطبع ضد هذا المشروع، وسيحاربوا إخواننا الكورد بكل ما يستطيعوا، وسيتفقوا ضد إخواننا الكورد لمنع تحقيق هذا الأمر. لهذا السبب، أكرر القول إن إخواننا الكورد في سوريا أظهروا وعياً كبيراً، ورفضوا أن تكون لديهم منطقة يُطلق عليها "منطقة كوردية"، لقد طالبوا دائماً بالفيدرالية، والفيدرالية، كما قلت سابقاً، ليست شيئاً خاصاً بالمناطق التي يتواجد فيها إخواننا الكورد فقط، بل هي حل لسوريا بشكل عام.
الفيدرالية ليست تقسيماً. إن كان بشار الأسد، في السابق، يقول إن الفدرالية تعني التقسيم، واليوم الأشخاص الجدد يعيدون نفس الكلام بأن الفيدرالية تعني التقسيم. هذا يُظهر أنهم متخلفون ولا يعرفون ما تعنيه الفدرالية. مع أنهم يستطيعون الاطلاع على العديد من الدول في العالم، مثل سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، التي تعمل بنظام فيدرالي. وهذا النظام لا يعني التقسيم، بل على العكس، يُمكن الجميع من العيش معاً في مساواة تحت سقف القانون، بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس.
كما قلنا، يصبح الجميع مواطنين سوريين متساوين في الحقوق، مثل إخواننا الشركس، وإخواننا الأرمن، وإخواننا التركمان السوريين، وكذلك كل الطوائف: العلوية، والشيعية، والسنية، والدرزية، والإسماعيلية، والمرشدية، والمسيحيين، والمسلمين. إذا استطعنا أن ندرك أن هذه الفسيفساء الجميلة التي نمتلكها هي عنصر قوة وليس عنصر ضعف، فسيكون ذلك رائعاً. أما إذا استمر كل طرف في الانعزال والتفكير في نفسه فقط، مثلما نرى اليوم بعض الأشخاص الذين يرددون شعارات طائفية ويعيشون على خلافات تاريخية، فهذا لن يأخذنا إلى أي مكان.
لا يمكننا أن نبقى نحارب على أمور من التاريخ، مثل من كان يجب أن يكون الخليفة، وما إلى ذلك. هذا الأمر يجب أن نضعه خلفنا. يجب أن نتطلع دائماً إلى المستقبل، وكيف يمكننا اللحاق بالدول الحضارية. سوريا تأخرت كثيراً، وفي السنوات الأربع عشرة الماضية تراجعنا مئة عام إلى الوراء. لم نعد نستطيع تحمل هذا التراجع بينما العالم يتقدم.
انظر إلى دول الخليج، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، كيف أصبحت من أجمل دول العالم. عندما أزور وأتنقل بين دول العالم، من أميركا إلى الصين وغيرها، أرى الجميع ينتقل إلى الإمارات. انظر أيضاً إلى المملكة العربية السعودية، كيف يقود الأمير محمد بن سلمان جهوداً عظيمة لنقل المملكة إلى المستقبل. وقد حقق نجاحاً كبيراً، وقضى على الإسلاميين المتطرفين، وتمكن في فترة قصيرة جداً، بعمر الدولة من تحقيق هذا التحول الكبير.
العالم اليوم يتجه إلى السعودية للاستثمار والعمل، وكذلك إلى الإمارات. حتى العراق، رغم معاناته الكبيرة، حققت منطقة إخواننا الكورد في العراق، كوردستان العراق، تقدماً هائلاً، أصبح لديهم إعمار كبير وتقدم وأمن وأمان. الناس يعيشون هناك بأمان وراحة، وهذا ما كنا نريده لسوريا.
سوريا كانت في مرحلة من التاريخ منارة للعالم. كان الناس يأتون ويقولون: انظروا إلى جمال سوريا، انظروا إلى التعايش والسلام. ولبنان كان كذلك. اليوم، أصبحت دولاً مدمرة وفقيرة ومتراجعة. هذا ما يجب أن ننتبه إليه ونستيقظ له. لا يمكننا أن نستمر بمشاهدة هذه المشاهد المأساوية. بعد أن تخلصنا من النظام الدكتاتوري، أصبحنا نشاهد عروضاً عسكرية مثل تلك التي تقوم بها حماس أو طالبان في أفغانستان، ولكن هذه المرة في شوارع دمشق.
رووداو : والدك، رفعت الأسد في مكان آمن؟
ريبال الأسد: نعم سافر منذ فترة طويلة.
رووداو: هل تحاولون أن تتواصلوا مع أحمد الشرع؟
ريبال الأسد: كيف يمكن للمرء أن يجلس مع أشخاص يقتلون أهله وشعبه؟ كيف يمكن أن يجلس مع أشخاص بنوا عقيدتهم على تصفية الآخر وعلى إقصائه؟ كيف يمكن أن يجلس مع من يكفّر الآخرين؟ هل من المعقول أن يجلس أحد مع شخص يكفّره؟ كيف يمكن أن أحاور شخصاً يكفّرني؟ هذا أمر غير طبيعي. يظهر شخص ويقول إن هذا كافر، والكافر عندهم يجب أن يُقتل. كيف يمكن أن نتعامل مع هذه العقيدة؟ هذه هي عقيدة القاعدة وداعش، وهذه هي أيديولوجيتهم المنحرفة.
لهذا السبب طالبنا بأن يظهروا ويقولوا: "نحن لا نحمل هذه العقيدة، لقد تغيرنا بالفعل"، ليس فقط من قبل القادة ولكن أيضاً من قبل التابعين. ولكن هذا أمر مستحيل. عندما أشاهد أفلامهم وفيديوهاتهم، أرى أنهم ليسوا أشخاصاً ديمقراطيين على الإطلاق. هؤلاء يطالبون بقتل الأقليات وقتل الطائفة العلوية وقتل إخواننا الكورد. رأينا بالأمس فيديو يظهرهم وهم يطلقون على الآخرين عبارات مثل "يا خنازير"، ويستخدمون لغة شنيعة وهم يهاجمون الديمقراطية والدولة العلمانية. يقولون: "سنريكم ما هي العلمانية".
كيف يمكن أن يتعايش المرء مع هؤلاء الأشخاص؟ أشخاص مدرجون على كل قوائم الإرهاب في العالم؟ كيف يمكن أن يتعامل المرء مع هكذا أشخاص؟ هؤلاء قتلة ومجرمون. كما قلت لك، ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري. هم والنظام ارتكبوا جرائم. لدينا فيديوهات موثقة من الإعلام في جميع أنحاء العالم تُظهر كيف يقطعون رؤوس الناس، وكيف يصلبونهم، وكيف يقتلونهم. ليس فقط في الماضي، بل عبر السنوات الـ13 أو الـ14 الماضية. حتى بعد دخولهم إلى دمشق، لا يزالون يومياً ينشرون فيديوهات تُظهر هذه الأفعال.
بدلاً من أن يتصرفوا بشكل حضاري، إذا كان لديهم شخص ملاحق كان مع النظام، فإن أي شخص حضاري يستدعيه بأمر قضائي، ويوقفه بكل احترام، ويرسله إلى التحقيق مع توفير محامين له، ويقدمه للعدالة. ولكن ما نراه هو سحل الناس في الشوارع، وتقطيع الرؤوس، وأفعال لا يراها المرء إلا في الأفلام هذا جنون.
كيف يمكن أن يتحدث المرء معهم؟ إذا قالوا إنهم يريدون دولة ديمقراطية حقيقية، فليظهروا لنا ذلك. ليس بالكلام، بل بالدستور الذي يمكنهم تقديمه. على سبيل المثال، في مقابلة مع الشرع الجولاني على الـ"بي بي سي"، كلما سألوه سؤالاً يقول: "هذا يُقرره غداً اللجنة القانونية، أنا لا علاقة لي بذلك". سألوا عن الحجاب، فقال: "هذا تقرره اللجنة القانونية". فماذا لو أحضر مئة شخص من رجال القانون الذين كانوا معه في إدلب والنصرة، وأعدوا قوانينهم على هذا الأساس؟ كل سؤال يُجيب عليه قائلاً: "ليس وقته الآن". هل هذه هي سوريا؟ متى سيكون الوقت المناسب؟ متى سنتحدث إذن عن الديمقراطية التي طمحنا لها جميعاً الشعب السوري بأكمله الديمقراطية الحقيقية التمثيلية متى سنتحدث عنها؟
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً