الباحث هايكو فيمَن: لن يستطيع العراق الحفاظ على حياده بين أمريكا وإيران

29-09-2019
الكلمات الدالة هايكو فيمَن العراق إيران أمريكا
A+ A-

رووداو - أربيل

يمر العراق وإقليم كوردستان والمنطقة عموماً بمرحلة حرجة، فقد بدأت منطقة الشرق الأوسط تخطو خطواتها للدخول في مرحلة ما بعد الربيع العربي. بدأ العراق وإقليم كوردستان، في مرحلة ما بعد داعش واستفتاء 2017، بتنظيم علاقاتهما. الصراع بين إيران وأمريكا وضع الشرق الأوسط على مشارف حرب إقليمية. للبحث في هذه الأوضاع، أجرت شبكة رووداو الإعلامية حواراً مع مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمة الدولية، هايكو فيمن.

كان فيمَن فيما سبق باحثاً في معهد الشؤون الدولية والأمنية الألماني. يعيش منذ 1994 في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في لبنان، وهو خبير في السياسة الداخلية اللبنانية والحرب الأهلية السورية وعراق ما بعد الحرب، كما أن لديه مجموعة أبحاث حول الطائفية والمجتمعات المتصارعة في الشرق الأوسط.

رووداو: انسحب حزب الاتحاد الديمقراطي من المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، لكن الخلافات بين واشنطن وأنقرة مستمرة. هل تعتقد أن الاتفاق الحالي سيصمد طويلاً، خاصة مع عدم انتهاء الخلافات بين أمريكا وتركيا، ومع ترابط المسألة الكوردية في الجانبين التركي والسوري، ومع تجربة خريطة طريق منبج الفاشلة؟ ما هي العقبات الرئيسة برأيك؟

هايكو فيمَن: في الواقع، ليس هناك أي اتفاق (بين تركيا وأمريكا) والموجود عبارة عن ترتيبات أمنية بين الجانبين، لإبعاد السواتر والأسلحة الثقيلة الخاصة بحزب الاتحاد الديمقراطي عن بعض المناطق الحدودية. لكن، حتى نجاح الحل العسكري لن يؤدي إلى اتفاق يمكن أن ينهي قلق تركيا على أمنها الوطني، وهو قلق ناجم عن سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (أو حزب العمال الكوردستاني بمفهوم أوسع) على كل شمال شرق سوريا وتعزيز نفوذه السياسي والعسكري في تلك المنطقة. فطالما استمرت علاقات حزب الاتحاد الديمقراطي مع حزب العمال الكوردستاني واستمرت هجمات حزب العمال الكوردستاني ضد الدولة التركية، فإن أنقرة تنظر بارتياب إلى سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على شمال شرق سوريا. حتى أن إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي أسلحته الثقيلة عن الحدود السورية التركية ليس كافياً. فتركيا لن تقتنع مهما فعل حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب لإثبات أنهم ليسوا منتمين إلى حزب العمال الكوردستاني. الاتفاق يمكن أن يسري طالما بقيت أمريكا هناك، ولا شك أن الوضع سيسوء بمجرد سحب أمريكا قواتها من المنطقة. لهذا فإن الترتيبات الحالية (بين أنقرة وواشنطن) يمكن أن تستمر فترة لكنها غير قادرة على حل المشكلة الجوهرية.

رووداو: ماذا على أمريكا وشركائها الغربيين أن يفعلوا للحفاظ على الاتفاق الحالي بين تركيا وأمريكا بخصوص شمال شرق سوريا؟ ما الذي سيسببه فشل الاتفاق لأمريكا وللكورد ولأمن المنطقة؟

فيمَن: يجب أن تستخدم أمريكا والحلفاء تواجدهم لدفع شركائهم الكورد وحلفائهم الأتراك باتجاه مجموعة إجراءات تبني الثقة بينهما، أي الإجراءات التي يمكن أن تمهد لاستئناف الحوار السياسي. السبيل الوحيد لاستقرار الحدود هو أن تبدأ بالتدريج عملية السلام بين حزب العمال الكوردستاني وتركيا، وسيكون هذا من خلال إعلان وقف إطلاق نار أحادي من جانب حزب العمال الكوردستاني. هناك إشارات صدرت عن قنديل تخبرنا بأن هذا ممكن، لكن ليس معلوماً هل ستقبل تركيا بهذا أم لا. يجب أن تحث أمريكا شركاءها الكورد في هذا الاتجاه، ويجب على حلفائها الغربيين أو شركائها في الناتو حث أنقرة على الرد بإيجابية على تلك الخطوة.

فشل الاتفاق الذي سيظهر على شكل مواجهات وصدامات بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، وبالتالي ستنشغل قوات سوريا الديمقراطية عن جهود التصدي لداعش وتحريك قواتها باتجاه الشمال، ما يعني إبعاد تلك القوات عن وادي الفرات. (وفي تلك الحالة) سيتمكن داعش من تثبيت مواقعه أكثر ويستعيد السيطرة على قسم من المناطق الريفية في محافظة دير الزور.

رووداو: بعد مرور عامين على الاستفتاء، يبدو أن علاقات أربيل وبغداد قد تحسنت، لكن الخلافات على المشاكل القديمة لا تزال على حالها، ومن مشكلة تسويق نفط إقليم كوردستان وحصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة الاتحادية، ومصير المناطق المتنازع عليها. ما هي المبادرة التي على الطرفين اتخاذها للتقدم في حوارهما؟

فيمَن: أظهر الاستفتاء أن هناك مساندة قوية للاستقلال في إقليم كوردستان، لكن الأحداث التي تلته أظهرت أن الدعم الخارجي للاستقلال ضعيف. أدركت أربيل أنها ستفشل في المواجهة المباشرة ضد بغداد، لكنها ستكسب حلفاء من خلال ممارسة السياسة في بغداد. الأمر الذي سيمنع المواجهة المباشرة. قد تكون هذه نقطة جيدة للمساومة، وقد تكون المحادثات للتوصل إلى ترتيبات أمنية في المناطق المتنازع عليها مجالاً جيداً للبدء ببناء أو إعادة بناء الثقة وخلق ظروف يكون فيها الجانبان منتصرين.

رووداو: شكلت حكومة إقليم كوردستان لجنة خاصة بمشاكل المناطق المتنازع عليها والمادة 140، وداعش ينشط في تلك المناطق مع وجود فراغ أمني ناتج عن غياب التنسيق بين القوات الكوردية والعراقية، الأمر الذي أخرج مشكلة تلك المناطق من إطارها المحلي، بين كوردستان والعراق، وجعلها مشكلة إقليمية. ما الذي يجب على الأطراف المحلية والدولية لحل هذه المشكلة الشائكة، أو على الأقل لإبقاء الوضع تحت السيطرة؟

فيمَن: التنسيق لحماية أمن تلك المناطق مهم لمنع عودة داعش. كما يمكن لتلك الإجراءات الأمنية أن تشكل البداية لخلق أجواء يكون فيها الطرفان منتصرين وتبني الثقة بينهما. ما يجب الابتعاد عنه هو وضع يكون فيه أحد الطرفين منتصراً والآخر خاسراً. كما لا ينبغي رسم حدود مشددة وبارزة بين الأشياء التي تزعم أنها تخص أربيل وتلك التي يزعم أنها تخص بغداد، لأن هذا يؤثر على تركيبة المجتمعات المحلية،  وقد يثير العنف. بل يجب تعزيز الحكومة المحلية في إطار خطوة عامة باتجاه اللامركزية في كل العراق، لكي يكون لكل المجتمعات حصة عادلة من السلطة.

رووداو: يبدو أن حكومتي إقليم كوردستان والعراق مصرتان على الاتفاق بشأن تصدير نفط كوردستان وحصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة العراقية. ما هي العوامل التي تؤثر على الحوار بين الطرفين؟

فيمَن: نجاح هذا الحوار والمفاوضات رهن بالوضع العام للعلاقات بين أربيل وبغداد، لكن المهم هو أن تكون الإجراءات المتبعة مؤسساتية لا تعتمد على الاتفاق أو التفاهم بين الشخصيات السياسية، وأن يكون هناك اتفاق على طرق تنفيذها، ويجب أيضاً الاتفاق على المعايير التي تحتاج إلى تغيير (كالتذبذب في أسعار النفط والتغير في قدرات إنتاج النفط والاتفاقيات المبرمة مع الحكومات الأجنبية).

رووداو: انفجرت مخازن عتاد تابعة للحشد الشعبي في العراق خلال الشهر الأخير، واتهمت التقارير الإعلامية على لسان مسؤولين أمنيين، إسرائيل بالمسؤولية، فإن كانت إسرائيل وراء تلك الحوادث، كيف ستكون الآثار على العراق والقوات الأمريكية المتواجدة فيه والصراع بين واشنطن وطهران؟

فيمَن: ستكون النتائج مدمرة جداً. حيث تشعر القوى العراقية الداعية إلى إنهاء الوجود الأمريكي في العراق بأنها حصلت على ذريعة تسهل عليها الأمر، وقد يؤدي ذلك إلى إسقاط الحكومة العراقية الحالية. كما سيزيد هذا من حدة الصراع بين إيران وأمريكا من خلال حلفائهما العراقيين.

رووداو: لماذا توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل؟ وماذا تريد إسرائيل من وراء استهداف الميليشيات المقربة إلى إيران؟

فيمَن: شنت إسرائيل على مدى سنوات هجمات لا تحصى على المواقع التي يقال إنها إيرانية، في سوريا. لذا من المحتمل جداً أن تكون إسرائيل قد وسعت نطاق هجماتها لتشمل العراق. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إيران لن تكون محصنة أينما كانت، في إشارة واضحة إلى حدوث هذا. السبب الأقوى من كل الأسباب هو أن إسرائيل تريد تضييق المكانة الإقليمية وحدود النفوذ الإيراني كلما كان ممكناً وكلما حظي ذلك بتأييد الإدارة الأمريكية.

رووداو: أكدت الحكومة العراقية في مناسبات كثيرة أنها تريد التزام الحياد في الصراع بين إيران وأمريكا، وتحافظ في نفس الوقت على علاقاتها الستراتيجية مع الطرفين. هل يستطيع العراق الاستمرار طويلاً في هذا الاتجاه؟ وما هي الآثار طويلة الأمد للصراع بين واشنطن وطهران على الأمن والسياسة العراقيين؟

فيمَن: لا شك أن الحفاظ على العلاقات الستراتيجية مع طرفي الصراع حركة ذكية. لكن من المستحيل تصور استمرار العراق على هذا المسار إذا اشتد الصراع بين أمريكا وإيران. ففي تلك الحالة، سيتحول الوجود الأمريكي في العراق والعلاقات بين بغداد وواشنطن إلى نقطة خلاف في السياسة الداخلية العراقية نستطيع القول إن حلها سيكون مستحيلاً. بالتالي ستكون نتيجة هذا الخلاف ركوداً سياسياً وشللاً حكومياً، وهذا سيفتح الباب على عدم استقرار جديد في العراق. يجب على بغداد توجيه إشارات واضحة إلى واشنطن والدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد داعش تعلمها بأن مثل هذا السيناريو سيضر كثيراً بالاستقرار في العراق، كما يضر بتوطيد انتصارات الحملة على داعش. يجب أن تسعى بغداد لتعزيز علاقاتها مع جيرانها العرب، وتنوع علاقاتها الاقتصادية، لكي لا يتأثر العراق بسياسة "منتهى الضغط" (الاقتصادية الأمريكية الموجهة ضد إيران) كما يجب على العراق أن يوازن علاقاته مع إيران ما سيخدم المصالح الأمريكية.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب