عدنان المفتي لرووداو: نتائج اتفاقية الجزائر كارثية.. الشاه أول من خاننا ونحن غدرنا بأنفسنا

19-05-2024
معد فياض
A+ A-

رووداو ديجيتال 

في حوار سابق مع الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني لخص لي النتائج الكارثية لاتفاقية الجزائر عام 1975، بين شاه ايرام محمد رضا بهلوي، والرئيس العراقي الاسبق صدام حسين والتي تسببت بفواجع للعراق وايران ومنطقة الخليج العربي واجزاء من العالمين العربي والغربي. 
 
قال: "لو ان صدام حسين تفاوض معنا، الاكراد، ومنحنا حقوقنا القومية المشروعة لكان حافظ على سيادة العراق على اراضيه ومياهه وحافظ على حياة اكثر من مليون عراقي متجنبا الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت وتدمير حاضر ومستقبل العراق"، مستطردا بحديثه:" لكنه ضحى بالعراق ومستقبله حتى يحرم الشعب الكوردي من حقه بالحياة وحقوقه القومية المشروعة..كان سيكسب الكورد بان يشعرهم بانهم مواطنين حالهم حال اي عراقي".
 
التأثيرات الكارثية لاتفاقية الجزائر عام 1975 ما تزال سارية وربما ستبقى لفترة طويلة من الزمن..هنا في الحلقة الخامسة من البرنامج الحواري"ملفات عدنان المفتي" والتي تقدم من خلال شبكة رووداو، يكشف لنا السياسي الكوردي عدنان المفتي وبمنتهى الصراحة عن نتائج هذه الاتفاقية على الكورد وقتذاك.
 
يقول: "كان وقع آثار هذه الاتفاقية علينا ، بصراحة، مهولة ..لانه لم يكن احد يتوقع ان يحصل الذي حصل. لم نكن نتوقع الاتفاق بين صدام حسين وشاه ايران..كان هذا خارج حدود المتوقع.. خارج حدود العقل بالنسبة لنا وبالنسبة لفهمنا لصدام، وقت ذاك". موضحا:" لاحقا فهمنا صدام اكثر او اننا وحسب ادراكنا السياسي وقتذاك كنا نعتبر ذلك شبه مستحيل، واعني الاتفاق بين الشاه وصدام، لانهما جبهتان مختلفتان تماما، صدام قومي عربي ويعتبر العروبة مذهبه، وشعار حزبه (امة عربية واحدة) وهو من امم النفط واتفق مع الاتحاد السوفياتي وتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي ضمن الجبهة الوطنية.. بينما شاه ايران له علاقات ستراتيجية مع اميركا والدوائر الغربية واسرائيل، ونحن وقتذاك لا داعم لنا سوى ايران، لهذا لم نكن نتوقع ما حدث، بل العكس كنا نتوقع في اية لحظة تُفتح باب المفاوضات بيننا وبين الحكومة العراقية، لكن الذي حدث مفاجأة و لا نعرف مقدماته مسبقا، بالرغم من انه كانت هناك اشارات حول اجتماعات بين اطراف عراقية وايرانية تجري في انقرة والقاهرة وفي اكثر من عاصمة..لم يكن عندنا اي علم عن الاتفاقية ولا حتى رسالة تحذير من الحكومة العراقية".
 
يعترف المفتي بانه لم يكن :"في موقع يسمح لي معرفة ذلك لكن من المؤكد في المفاوضات التي سبقت الحرب في 1974 كان هناك نقاش تضمن تهديد او تحذير من الجانب العراقي موجه لنا .. لكننا لم نكن نتوقع ان تصل الامور الى هذا الحد، كنا نؤمن بان النظام العراقي سيخسر الحرب معنا وانه ليس قادرا على مواجهتنا خاصة وان غالبية الشعب الكوردي، وليس المقاتلين فحسب، كانوا يؤيدون الثورة وقد التحق قسم كبير منهم بالجبل، وصحيح ان المعارك لم تكن بالطريقة التي نتوقعها او نتمناها لكننا عرفنا لاحقا في الاشهر الاخيرة قبل اتفاقية الجزائر ان الجيش العراقي كان منهكا، وغير قادر على مواصلة القتال ويفتقر للعتاد وكذلك منهار نفسيا .. وبصراحة كنا مشغولين ولم ننتبه للطريقة التي يجب ان نفكر او نبحث في السياسة الخارجية ولا حتى السياسة الاميركية، كنا نعتقد بأننا سننتصر رغم الصعوبات. من جانب آخر كانت الطائرات العراقية تقصفنا و تشن الهجمات في معظم الجبهات وان الالاف من الذين التحقوا بالجبل اضطروا إلى ترك المناطق المحررة الى خارج الحدود".
 
ترى، ماذا كان يعني مفهوم النصر بالنسبة لكم، أسال المفتي عندما تقول سننتصر..ماذا يعني ذلك؟ ان يتوقف القتال؟ ان تاخذوا حقوقكم التي تقاتلون من اجلها؟ يجيب  قائلا:"الانتصار هو ان يتوقف القتال وتبدأ المفاوضات مع الحكومة العراقية، كان هذا هو النصر بالنسبة لنا، ان تقبل الحكومة العراقية بمطالبنا فيما يتعلق بمفهومنا للحكم الذاتي، لان الحكومة العراقية اعلنت الحكم الذاتي من جانب واحد والذي نحن رفضناه ولم نوافق عليه لاننا كنا نريد حكم ذاتي بصلاحيات اكثر وبضمنها ضم كركوك والمناطق الاخرى التي بقيت خارج حدود الاقليم، وعندما شعر النظام بانه غير قادر على مواصلة القتال ومواجهة الظرف الخطير حسب تحليلاتهم بدأوا المفاوضات مع ايران في تركيا و ربما في مصر ، في لقاء للرئيس المصري الراحل انور السادات مع ممثل او مندوب الحزب الديمقراطي الكوردستاني اشار لهذه المعلومة قبل شهر او شهرين من اعلان الاتفاقية والقيادة الكوردية لم تكن مهتمة ولم تدرك حقيقة المخاطر".
 
أسأله وبوضوح: الرئيس انور السادات أبلغكم او اشار الى وجود مفاوضات بين العراق وايران ولم تهتموا بها اليس هذا قصور ازاء معلومات خطيرة؟!، فيجيب بصراحته المعهودة: "أنا شخصيا لا اتصور ان السادات أبلغنا بهذا الوضوح، ربما قال انا انصحكم بان تنتبهوا، ربما بهذا السياق لانه كان حريصا على علاقاته مع الحكومة العراقية ولا يريد ان يكون هو السبب في الاعلان او فضح هذه الاجتماعات او هذا السر.. ومعظم اللقاءات حصلت في انقرة حسب ما علمت، وعبر ممثلين عن الطرفين وكذلك في اميركا ايضا عبر اتصالات بين ممثلين عن العراق وايران. قبل ايام من اعلان الاتفاقية كانت هناك زيارة للرئيس  ملا مصطفى بارزاني الى طهران  للقاء شاه ايران وكان برفقته محسن ده زئي وشفيق قزاز الذي كان ممثل بارزاني في طهران والدكتور محمود عثمان، وعندما اعلنت الاتفاقية كنا مندهشين كلنا ومذهولين وخائفين بصراحة،  لانه حسب اعلان الاتفاقية ان ايران ستغلق الحدود وانها لن تدعمنا وهناك عفو عام من العراق عن المسلحين أو الذهاب الى ايران..اتذكر انه في ذات الوقت ان قسم كبير منا لم يكن يتوقع الحسم، وبعد ايام من اعلان الاتفاقية وبينما كان بارزاني ما يزال في طهران صار اجتماع للجنة المركزية ونحن عرفنا انه كان هناك اجماع على مواصلة القتال والاستمرار في الدفاع ولكن الامر تُرك للرئيس بارزاني عندما يعود من طهران".

 

 

لا يتوفر وصف.
صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي و رئيس الجزائر هواري بومدين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
يسترجع السياسي الكوردي عدنان المفتي الاجواء التي كانت سائدة وقتذاك وتتلبسه ذات المشاعر القاتمة، يرد على سؤالي حول ما يعتقده عن من غدر بهم في هذه الاتفاقية، يقول: "الشخص الاول االذي غدر بنا هو شاه ايران، ونحن انفسنا غدرنا بانفسنا طبعا، لم نفكر بالطريقة التي كان يجب ان ندافع بها عن انفسنا، وان ندرك المخاطر، تركنا الامر للتحالفات الموجودة واعتقدنا باننا في موقع قوي ومدعومين، وان ايران واميركا متعاطفتان معنا، بعد ذلك فهمنا ان هذا الدعم  والتعاطف لم يكن مباشرا وانما بطلب من شاه ايران الذي بالتأكيد حرص على المحافظة على مصالح بلده وعندما وجد هذه الاتفاقية ستكون في صالحه وتحقق مطالبه في شط العرب وترسيم الحدود وان العراق سيتوقف عن دعم المعارضة الايرانية في عربستان وضفار وفي مناطق اخرى، الى جانب الكثير من المسائل فتخلى عنا، اما بالنسبة لصدام فهو تخلى عن مبادئه في الدفاع عن سيادة العراق والحفاظ على الارض العربية وشط العرب والمفهوم الوطني والسياسي في حماية الشعب العراقي وحقوقه ومصالح بلده مقابل ان يتخلى شاه ايران عن دعمنا".
 
وأكد ان صدام حسين: "بدلا من ان يفتح حوار سري مع ايران في انقرة وغيرها كان الافضل والاجدى ان يبعث للاكراد رسائل لفتح حوار شبه سري معنا مثلما كان يحصل دائما.. كنا وقتذاك نحن وعوائلنا تحت وطأة القصف، وكان، صدام، يعرف ان هذه الاتفاقية تتطلب منه تغيير سياسته فيما يتعلق بعلاقته مع الاتحاد السوفياتي حتى في جبهته مع الحزب الشيوعي العراقي، فبعد 1975 ونتيجة اتفاقية الجزائر وانهيار الحركة الكوردية اصيب بغرور كبير وتصور انها نهاية العالم بالنسبة للسلطة وبدأ بمضايقة الحزب الشيوعي.. والوضع النفسي عندنا كان سيئا جدا ومع ذلك كان الاكراد مصرين على المقاومة وخاصة الشباب الذين كانوا يقولون هذه فرصتنا لانهاء علاقتنا بشاه ايران التي لم نكن نريدها لكن الجغرافية فرضته علينا منذ بداية الثورة وان ينفتح امامنا المعسكر الاشتراكي والتقدمي وقت ذاك، وممكن ان يساندنا".
 
التأريخ القريب ما يزال يتلبس تفكير المفتي ومن اجواء هذا التاريخ القاتم، يقول:"السؤال الذي كان يششغلنا هو: كيف نقاوم؟ القيادة اقترحت تقسيم كوردستان الى جبهتين، ونتحول الى حرب عصابات وان تنقسم القيادة الى مجاميع لكن لم تتخذ او تحسم اية قرارات في انتظار عودة الرئيس بارزاني من طهران، وصار عند كل شاب، من طلبة وخريجي واساتذة الجامعات والمهنيين من مهندسين واطباء والعدد الكبير من الضباط الذين التحقوا بالثورة، وغيرهم،  بندقية  كلاشنكون وبقوا يقاتلون في الجبهات، اي ان القتال لم يتوقف".
 
لكن الموقف كان قد حسمه الزعيم ملا مصطفى بارزاني بعد عودته الى كوردستان، يقول المفتي:" عندما عاد بارزاني عقد اجتماعات مع قيادته اولا ثم مع وجهاء من مختلف الشرائح مهندسين واطباء ومثقفين وشخصيات وناقش معهم حول ما يمكن عمله وكيف؟ وكانت قيادته طاغية فهو يتحلى بقوة شخصية وكارزما وبعد عودته توقفت الناس عن السؤال ماذا نعمل منتظرين قراره الحاسم، حتى يوم 19 آذار 1975، توصل الى قناعة بوقف القتال لاننا لا نستطيع مواجهة العراق وايران ، خاصة وان اميركا تخلت عنا وليس معنا اي احد، وكيف يمكن ان نستمر؟ وبدأت المشاكل والخلافات فيما بيننا وتفكيرنا توقف في منطقة حرجة، بين الذهول وخيبة الامل.. خيبة امل كبيرة في كل شيء وما كنت اشعر به في تلك الايام لم اشعر به حتى اليوم من الاحساس بالهزيمة والفشل والنقمة على كل  شيء.. على النظام العراقي والنظام الايراني وعلى وضعنا الداخلي".

 

لا يتوفر وصف.
عدنان المفتي في الجبل

 

يكشف المفتي عن انه "لم يكن هناك دعم لنا بل كان هناك تعاطف من دول اوربية من خلال صحفيين يترددون علينا وينشرون قصص صحفية عن الثورة الكوردية، وكانت هناك علاقات مع فرنسا، فالرئيس الفرنسي شارل ديغول كان قد استقبل ممثل الثورة الكوردية واستلم منه رسالة، وكذلك كان هناك تعاطف كبير من قبل الدول الاسكندنافية  واميركا عبر أعضاء برلمان، اما عربيا فكانت هناك علاقت مع مصر من خلال ممثلية في القاهرة منذ عام 1963 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما زار الوفد العراقي ومن ضمنه جلال طالباني والتقى عبد الناصر وتفهم القضية الكوردية.. الغريب في الامر ان طالباني قال لعبد الناصر باننا كل ما طالبنا من الحكومة العراقية بحقوقنا خلال المفاوضات يقولون ان عبد الناصر لا يوافق على منح حقوقكم بالحكم الذاتي كونه قومي عربي ويعتبر ذلك اخلال بالوحدة العربية ونحن نريدك ان تدعم حقوقنا، فضحك عبد الناصر وقال له: والله دول كذابين انا عندما اتحدث معهم(الحكومة العراقية) عن الوحدة العربية،  يقولون نحن لا نستطيع ان نعمل وحدة عربية لان الاكراد راح يطالبون بالانفصال.. واقترح عليه ان يعود ويطالب بحقوق الاكراد وقال له:(وانا ادعم قضيتكم).. بعد سنوات قرأت مقابلة لعبد الناصر مع صحيفة اللوموند الفرنسية يتحدث فيها عن القضية الكوردية وقال فيها( انا ارى الحل داخل العراق ضمن النظام الفيدرالي الموجود في يوغسلافيا، وقتذاك، والمهم ان العراق لا يتقسم لكن الشعب الكوردي موجود).. وانا اتصور ان تاثير حواره مع مام جلال واضحة في هذه التصريحات.. كانت لنا ايضا علاقات مع سوريا ولكن بمستوى اقل، وفي لبنان كانت لمام جلال علاقات مع الرئيس كمال جنبلاط ، جذوره كوردية، وقد زار كوردستان فيما بعد عام 1970 والتقى ملا مصطفى بارزاني وكان شخصية مهمة ومؤثرة.وهناك جمعية للاكراد في لبنان وعددهم اكثر من 100 الف من الاكراد الاتراك الذين هاجرو خلال وبعد الحرب العالمية الاولى وكانوا يشكلون دعم واسناد للقضية الكوردية، اضافة الى علاقات مام جلال  مع الفصائل الفلسطينية التي لجأت الى لبنان ثم صار لهم تاثير هناك وشكلوا سلطة داخل السلطة اللبنانية، ومام جلال كان قد التقى  بمعمر القذافي وابدى تعاطفا مع القضية الكوردية وبني عليه لاحقا علاقات شخصية جيدة، لكن كل هذه العلاقات لم تكن تجدي نفعا أو تستطيع ان توقف تأثير اتفاقية الجزائر1975 الكارثية على الثورة الكردية  ولا على الشعب الكوردي. 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب