رووداو ديجيتال
كان صدام حسين قد قال للقادة الكورد في مفاوضات 1991:"ما عدا الانفصال سنوافق على كل مطالبكم وكل شيء قابل للتفاوض"، والكورد ما ارادوا الانفصال، بل طالبوا بحقوقهم المشروعة، وحقوق الشعب العراقي فيما يتعلق بالحريات وتحقيق الديمقراطية، لكن لم تتحقق ايا من مطالبهم في الحكم الذاتي والحقوق القومية. ترى هل كان صدام ونظامه جادين في التفاوض مع الكورد، ام ان هذه المفاوضات تمت لاغراض المناورة لكسب رضا المجتمع الدولي لرفع العقوبات التي فرضت عليه بسبب غزوه للكويت؟ وهل اهدرت القيادة العراقية وقتها، اكثر من 42 يوما، لاغراض الاعلام وتحسين صورتهم امام الرأي العام الدولي؟.
في الحلقة 13 من البرنامج الحواري"ملفات عدنان المفتي" الذي يُبث من خلال رووداو عربية، نتعرف على الجولة الاخيرة من مارثون مفاوضات الجبهة الكوردستانية مع النظام العراقي، ورد علي حسن المجيد على الدكتور محمود عثمان عندا سأله عن مصير 182 الف من الكورد المؤنفلين..وكيف انهى صدام الحوار بفرض الحصار على الشعب الكوردي.
يقول:"في اجتماعنا في شقلاوة لاحظنا ان النظام العراقي تراجع عن الكثير من وعوده وعن النقاط التي سبق واتفقنا عليها في اجتماعاتنا ببغداد، مثل الديمقراطية والمناطق المتنازع عليها".وينفي المفتي ان يكون التدخل التركي قد افشل هذه الجولة من المفاوضات، قائلا:" لا ..في الحلقة السابقة تحدثنا عما اخبرنا به طارق عزيز من ان تركيا افشلت مفاوضات عام 1984، لكن الموقف التركي كان ايجابيا في مفاوضات 1991 حيث كانت تركيا جزءا من التحالف الدولي وقاعدتها انجرليك كانت مقر لطائرات التحالف لحماية المنطقة وضمنها كوردستان لهذا لم تكن عائقا في هذه المفاوضات". مضيفا بان:" تركيا لم يكن لها تاثير سلبي بل العكس حكومة توركت أوزال كانت منفتحة على القضية الكوردية وقتذاك واستقبلت الرئيسين مام جلال ومسعود بارزاني وتحدثت عن القضية الكوردية وكذلك عن اكراد تركيا واشار، الرئيس الراحل توركت اوزال، الى أن هناك 12 مليون كوردي يعيشون معنا فكيف يمكن ان نتجاوزهم) ..لا اعتقد ان مفاوضات 1991 تاثرت بالموقف التركي".
يضيف المفتي قائلا:"بعد نهاية المباحثات في شقلاوة عاد الوفد العراقي ثم ذهبنا نحن بوفد آخر الى بغداد برئاسة كاكا مسعود وكان معنا ايضا مام جلال وكذلك الدكتور محمود عثمان وفؤاد معصوم وسامي عبد الرحمن وجوهر نامق وروج و كان الوفد العراقي يتالف من عزة الدوري وطارق عزيز وعلي حسن المجيد وحسين كامل".منبها الى ان:"المتحدث الاكثر تاثيرا في الفريق العراقي كان عزة الدوري لكن الاكثر مداخلة هو طارق عزيز ومداخلاته كانت مؤثرة وكان يفلسف موقفهم، وكانوا عندما يريدون التراجع عن مسالة فيتصدى لها عزيز ويتحدث عن التاريخ وما الى ذلك ليساعدهم على قول ما يريدونه.. والاخرين كانت لهم مشاركتهم بما يتعلق الامر بهم".
يسوق لنا المفتي مثلا يوضح درجة استخفاف الجانب العراقي بالحقائق وبارواح الضحايا الكورد، يقول:" خلال المفاوضات سال محمود عثمان موضوع المؤنفلين وقال نريد موقف رسمي من الحكومة حول مصير 182 الف ضحية اذا كانوا، ميتين او بعضهم احياء، نحن بحاجة الى قرار رسمي لان هناك امور كثيرة معلقة حول قضايا الاحوال الشخصية والارث ..هنا حاول طارق عزيز تمييع المسالة وقال ليش ما تسالون الرفيق علي حسن المجيد، هنا انتفض علي حسن المجيد من مكانه ووقف ويبدو انه كان مستفزا من كلام طارق عزيز، وقال: (اريد اقول كلمتين، اولا انا جئت مسؤولا في الشمال، سنة 1985 والسياسة المطبقة من قبل القيادة في الشمال، ايضا لم يقل كوردستان، كانت قد بدأت سنة 1983 اي انا جئت وهناك سياسة كانت مرسومة وتمارس منذ سنتين قبلي وانا لم انفذ اي قرار من عندي بل هذه قرارات القيادة وانا نفذتها ، شعرنا بان الجو مكهرب، ثم وجه كلامه لنا وقال: انتم اخوانا الاكراد هواية تبالغون ،ترة همة ما يتجاوزون الـ 100 الف واحد)".
نسال المفتي فيما اذا كانت هناك خلافات فيما بين اعضاء الفريق العراقي المفاوض؟، يجيب قائلا:"انا شعرت بذلك لكن بوجود صدام لم تكن هناك خلافات، لكن بالحديث عن التفاصيل فمن المؤكد كانت توجد خلافات، حتى بالطرح والمناقشة. مثلا اسلوب طارق عزيز بختلف عن اسلوب عزة الدوري وعلي حسن المجيد او حسين كامل..نعم كان دبلوماسي ومثقف وهو اكثر وضوحا لابراز سياسة حزب البعث ويعرف ماذا يريد..بعد ان استمع الدوري لكلام المجيد وبادر بالقول: (يا اخوان علينا اليوم مناقشة الامور الحالية لايجاد الحل) ..في اللقاء التالي غاب علي حسن المجيد وحضر اللقاء الذي بعده".
ويشير المفتي الى اننا:"كنا ماخذين حريتنا بالطرح والحديث خاصة بالاجتماعات الرسمية، وكذلك وفي اللقاءات غير الرسمية التي كانت تتم مساءا بعد نهاية المفاوضات وخلال دعوات العشاء التي تمت مرة من قبل طارق عزيز ومرة عزة الدوري ومرة من قبل ابناء صدام، عدي وقصي سوية دون ان يتم اي حديث معهما". مؤكدا بانه :" لم تتم دعوتنا كوفد من قبل صدام حسين، بل استقبل مام جلال وكاكا مسعود منفردين. وهنا لي ان اذكر هذه الحادثة تتعلق بالدكتور محمود عثمان حيث كان في موسكو في 28 نيسان، وهي مناسبة عيد ميلاد صدام حسين ونشر الاعلام صور الاحتفالات وضمنها كيكة عيد الميلاد كبيرة جدا، وفي مؤتمر صحفي علق عثمان على هذه الكيكة مستذكرا مقولة لملكة فرنسا ماري انطوانيت عندما قالوا لها بان الشعب جائع وليس عنده خبز فردت عليهم لياكلوا كيك ، في اشارة الى كيكة عيد ميلاد صدام، وتمت معاتبة الوفد الكوردي خلال المفاوضات التي دامت 42 يوم وقالوا لهم لماذا يتحدث رفيقكم بهذه الطريقة ونحن هنا لنتفق؟.كان عندهم موقف سلبي من عثمان واعتقد هذا سبب عدم لقاء صدام بالوفد الكوردي حيث كان الدكتور ضمن اعضاء الوفد المفاوض".
يتابع السياسي الكوردي في ملف المفاوضات الحديث عن مسار اللقاءات بين وفد الجبهة الكوردستانية ووفد الحكومة العراقية، موضحا:"كنا نجتمع احيانا 4 مرات اسبوعيا، وذات مرة تناقلت وسائل الاعلام خبر عن انقلاب في موسكو وان الحزب الشيوعي السابق سيعود ويعيد تشكيل الاتحاد السوفياتي من جديد، وكنا في انتظار الاجتماع ولم يحدث لثلاث مرات وصار عندنا تقييم بانهم ينتظرون كيف ستؤول الامور في موسكو وهل ستذهب الامور لصالحهم وبالتالي كيف يتصرفون معنا وهذا تسبب ببرود في العلاقات بيننا وبين الوفد العراقي المفاوض وادى الى ان تبقى المسائل عالقة ومنها مواضيع الديمقراطية والحريات". مضيفا:" كانوا يقولون لنا نحن نحكم العراق سوية لكن علينا ان نمشي خطوة خطوة، لكنهم تراجعوا حول ما ابدوا من مرونة بما يتعلق بموضوع كركوك وقالوا اتركوا كركوك للمستقبل لبناء الثقة والتطبيع، قلنا من الافضل ان نعود الى كوردستان ونجتمع كجبهة كوردستانية ونقيم ما تحقق خلال المفاوضات".
وحول طرق تنقلهم كا بين اربيل وبغداد، يوضح المفتي:"كنا ننتقل بواسطة السيارات ما بين اربيل وبغداد لانه كان هناك حظر على الطيران ، حتى عندما جاء الوفد العراقي الى اربيل وصلوا بواسطة السيارات وعندما تحدثوا عن السيادة علق الدكتور محمود عثمان، وهو معروف بتعليقاته الساخرة، قال لهم عن اي سيادة تتحدثون وانتم لم تستطيعوا السفر بواسطة الطائرة داخل العراق.. بصراحة كانوا مرنين بهذا الجانب ويتقبلون مثل هذه النكات".
يواصل المفتي حديثه قائلا:"عدنا الى اربيل وكان هناك خلاف بين اطراف الجبهة الكوردستانية حول تقييم المباحثات.. المفاوضات لم تنقطع بيننا وبين بغداد وكانت هناك برقيات وزيارات، لكن الخلافات بيننا اصبحت اكثر ظهورا خلال التقييم". مضيفا:"للحديث عن اسباب فشل الخلافات اذكر هنا في شهر تشرين الاول من نفس العام كنت في زاخو في طريقي للسفر الى الخارج عندما اتصل بي آزاد برواري وكان مع كاكا مسعود في زاخو ودعاني للحضور، وقال ان كاكا مسعود يدعوك حيث وجه دعوة لمنظمات المجتمع المدني الاجنبية وكان مقرها في زاخو وذهبت وطلب مني البقاء وقال: دعنا ندردش سوية لوحدنا، بعد الدعوة سالني عن رايي حول المفاوضات بمعنى ما العمل الان؟ قلت ان النظام العراقي لم يمنحنا ما نريده، فقال دعنا نستفتي الناس بما توصلنا اليه في المفاوضات؟ واذا الشعب وافق فنمضي ونوقع على النقاط التي توصلنا اليها، قلت عفوا كاكا مسعود الشعب لا يعرف تفاصيل الاتفاق والراي لا يعكس الحقيقة، وانت اذا ظهرت للناس وقلت انا اؤيد هذا الاتفاق فالناس الذين معك سوف يؤيدون الاتفاق، واذا قال مام جلال او دكتور محمود وقالوا لا نؤيد الاتفاق فالناس الذين يؤيدونهم سوف يرفضونه.واقترحت تنظيم مؤتمر عام يدعى اليه من الف الى 1500 شخصية من قيادات كل الاحزاب والشخصيات الثقافية والاجتماعية ونتحدث معهم عن تفاصيل المفاوضات ونستمع لهم ونمضي مع ما تقرره الاغلبية، ولا ننسى ان الوضع تغير ما بين بداية المفاوضات فالحكومة العراقية غيرت رايها ونحن كنا محاصرين واليوم عندنا افاق فالمجتمع الدولي بدأ يؤيدنا ويدعمنا".
يستطرد المفتي بقوله:لكن مفاجآت النظام العراقي كثيرة وليست في الحسبان،خلال حديثنا الرئيس مسعود بارزاني وانا وصلت الى آزاد برواري، وهو عضو مكتب سياسي ومن المؤثرين وكان معنا منذ بداية المفاوضات، برقية من اربيل الى كاكا مسعود تقول ان النظام العراقي بلغ بسحب الدوائر الحكومية الى قضاء مخمور، وكان تحت سيطرة الجيش العراقي، وبعد ربع ساعة وصلت برقية اخرى تقول ان الحكومة العراقية وابتداءا من ذلك اليوم، وكنا في نهاية شهر تشرين الاول، يفرض حصارا على اربيل والسليمانية ودهوك ويمنع دخول المواد الغذائية.. انزعج كاكا مسعود جدا وطلب ارسال برقية الى حسين كامل، كان وزير للدفاع، واستفسروا منه عن هذا الموقف الجديد، بالرغم من ان المفاوضات لم تنقطع، جاء رد حسين كامل بانه لا يعرف اي شيء وقال في برقية بانه في الموصل و(ساعود الى بغداد واستفسر من السيد الرئيس عن الموضوع)". يقول المفتي:" في تصوري ربما هناك اسباب اخرى دعت كاكا مسعود لان يغير موقفه من المفاوضات لانه بلا اي مقدمات فرض النظام الحصار علينا وسحب الدوائر الحكومية ، وتغير التوجه الى ان تدرس الجبهة الكوردستانية الموضوع وصار توجه الى ان تصير انتخابات، وحتى ذلك الوقت كانت الجبهة هي التي تدير الاوضاع في كوردستان وصار اتفاق على وضع قانون انتخابات من قبل الخبراء والقضاة لاجراء انتخابات عام 1992 وهكذا انتهت المفاوضات بهذه الطريقة".
نسال المفتي:اليوم ومن هذا المكان هل تجد ان الجبهة الكوردستانية كانت هي الاخرى متزمتة في بعض الاراء والنقاط وان كان عليها ان توافق على بعض النقاط وتفاوض مستقبلا على اخرى ام ان الذنب كله بفشل المفاوضات يتحمله النظام العراقي؟، يجيب قائلا:"اتصور انه في بداية المفاوضات كان هناك مجال اكثر للوصول الى حلول لانه كانت هناك مرونة من جانب الحكومة العراقية وايضا تفهم وحدة الموقف الكوردي كان واضحا ، لكن الفترة التي استغرقتها المفاوضات اثرت كثيرا على مسارها، اذ تراجع موقف الوفد الحكومي عن بداية المفاوضات وكان صدام قد قال ما عدا الانفصال كل شيء قابل للموافقة والحل، وفي اعتقادي انهم كانوا قد فهموا ان نجاحهم بالمفاوضات سوف يرفع الحصار عن العراق والنظام سوف يسترجع عافيته، ثم ادركوا ان الحصار باق سواء نجحوا او لم ينجحوا في مفاوضاتهم معنا وهذا قصور نظر منهم لانهم كانوا يتصورون ان النظام باق..مرة قلنا لهم انتم فشلتم في الحرب، فرد طارق عزيز وقال نحن انتصرنا، فسالناه ما هو مفهوم النصر من وجهة نظركم، فرد طارق عزيز، من مفهوم ان 33 دولة قررت اسقاطنا ولم نسقط".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً