معد فياض
اقامت اسرائيل الدنيا ولم تقعدها بسبب عرض الفيلم الاردني (فرحة)، والذي يجسد قصة حقيقية حدثت عام 1948، خلال الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، او عام النكبة. سياسيون إسرائيليون يمينيون انتقدوا وهاجموا الفيلم لأنه أظهر مذبحة عائلة فلسطينية.
فيلم فرحة الذي يعرض حاليا على شاشة نيتفليكس (Netflix) كتبته واخرجته دارين سلام، وهو أول فيلم روائي طويل لها(92 دقيقة). استنادا على قص حقيقية روتها صديقة لوالدة سلام تعيش لاجئة في سوريا، عن تجربتها خلال النكبة التي طرد فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم، ومن إنتاج: ديمة عازر وآية جردانة (شركة صندوق الحكايا للإنتاج الفني بالأردن) TaleBox، ومقرها في عمان، وشارك في إنتاجه كل من Laika Film & Television وChimney، وكلاهما مقرهما في السويد. ولعب بطولته كل من: كرم طاهر(فرحة)، أشرف برهوم(ابو فرحة)، تالا قمورة(فريدة ابنة عم فرحة)، فراس طيبة(والد فريدة) علي سليمان(ابو وليد)، سميرة الاسير(أم محمد)، ومجد عيد(ابو محمد).

لقطة من فيلم(فرحة)
والفيلم يحكي قصة الطفلة فرحة ، 14 عاما، والتي تعيش مع والدها مختار احدى القرى الفلسطينية قبل الاحتلال، وهي تختلف عن قريناتها كونها تتطلع للتعليم والمعرفة ومغادرة القرية للالتحاق بالمدرسة في المدينة مع ابنة عمها، فريدة، التي كل ما زارت القرية والتقت بها شجعتها على تحقيق حلمها وتحدثها عن المدرسة في المدينة، معارضة فكرة الزواج المبكر اسوة ببقية بنات قريتها، وبحكم تطلعاتها وقوة شخصيتها التي اكتسبتها من خلال المطالعة تقنع والدها بفكرتها وتحقيق حلمها بالدراسة، وفي اليوم الذي تصعد فيه سيارة عمها مع ابنته وزوجته للتوجه الى المدينة يهجم الجيش الاسرائيلي على القرية، فتتخلى عن حلمها وتترك السيارة لتقف مع والدها.
يجتاح افراد الجيش الاسرائيلي القرية ويقتلون اي فرد يصادفونه بينما يرحل الجميع تاركين بيوتهم وحلالهم، وهنا يضطر والد فرحة الى حبسها في غرفة المؤونة ويغلق الباب عليها بالقفل لتكون بعيدة عن اعين الاسرائيليين ويعدها بالعودة قريبا، لكنه لم يعد، وتبقى فرحة حبيسة الغرفة الضيقة التي لا يربطها بالعالم الخارجي سوى كوة صغيرة في اعلى الجدار وباب مغلق عليها من الخارج.

فرحة تراقب مقتل العائلة الفلسطينية من شق الباب
لا تعرف فرحة كم من الساعات او الايام مرت عليها وهي بعزلتها، حيث تتغذى على الجبن والزيتون المحفوظ في الغرفة، بينما تمد يدها من خلال الكوة لتشرب بعض مياه المطر، وخلال ذلك تبذل اقصى ما في جهدها محاولة تحطيم الباب الخشبي الذي يفصل بينها وبين الفضاء الخارجي، حتى تسمع اصوات في باحة الدار، تتطلع من خلال الشقوق الموجودة في الباب فتكتشف وجود عائلة فلسطينية، اب وزوجته الحامل وطفلتين، تراقب اضطرار الاب لمساعدة زوجته في انجاب الطفل الذي اسماه محمد، هنا تتجرأ لمناداة ابو محمد من خلال الكوة وتخبره بما حدث لها وكيف ان والدها اغلق الباب عليها واختفى، وبينما يحاول ابو محمد كسر الباب تدخل قوة من الجنود الاسرائيليين ومعهم دليل فلسطيني غطى وجهه كي لا يتعرف عليه اهل بلدته كونه خائن.
تتعرض العائلة، بما فيهم الام التي كانت قد وضعت طفلها توا والطفلتان للتفتيش والمعاملة القاسية، وبالرغم من ان الدليل(الخائن) يطلب من الضابط، آمر المجموعة، تركهم كونهم مسالمين ولا يحملون اي سلاح، الا ان الضابط يأمر باعدامهم رميا بالرصاص فورا، ويبقى الطفل الرضيع وحيدا فوق الارض بعد ان يمتنع احد الجنود من قتله. كل هذه الاحداث المرعبة التي جرت خلال دقائق راقبتها فرحة من خلال شقوق الباب التي لم يقرب الجنود الاسرائيليين منها كونها، الباب، مقفلة من الخارج ولا احد يشك بوجود اي شخص بداخلها.
تصاب فرحة بالذعر وبصدمة قاسية للغاية خاصة مع سماعها بكاء الطفل الرضيع ومراقبتها له وهو يموت تدريجيا دون ان تقوى على فعل اي شيء لمساعدته، مع استمرارها بمحاولاتها لتحطيم ولو جزء من الباب..في الصباح تعثر عن طريق الصدفة على مسدس مع رصاصاته مخبأ في كيس(شوال) العدس الذي كبته ونثرته على الارض مع بقية المؤونة خلال نوبة من الغضب والعصبية، فتبادر في محاولة اخيرة الى اطلاق النار على قفل الباب من الداخل لتتحرر من سجنها الذي دام ليومين او ربما اكثر، وكانها كانت معتقلة منذ سنوات.
كان اول مكان تتجه له بعد ان تروي عطشها في البيت، هو شلال وعين ماء كانت تتزود منه بالماء مع صديقاتها الصبايا، تقف تحت سيل الماء لتغتسل من كل للادران التي لحقت بها، فعليا ومجازيا، ومن ثم تأخذ طريقها خارجة من القرية التي بدت مخربة وفارغة، لنقرأ تعليق اخيريظهر على الشاشة يعلمنا بانها "وصلت اخيرا الى سوريا، وانه لم يتم العثور على والدها الذي يُعتقد انه قتل على ايدي الاسرائيليين."
جاء اداء الممثلة الاردنية كرم طاهر، مواليد 2004،(فرحة) مفاجئا، لا سيما وانها تقف امام الكاميرا للمرة الاولى كما انها لم تدرس التمثيل، وعندما طلبت منها شقيقتها الممثلة نور طاهر المشاركة في تجارب الاداء لفيلم يحتاجون فيه ممثلة بعمرها تقريبا، استبعدت الفكرة، لكنها عادت وشاركت في تجربة الأداء والتي على حدّ قولها لم تسِر على ما يُرام، إذ توجّب عليها التكلم باللهجة الفلاحية والتي بالمناسبة لا تتقنها على الإطلاق، فهي خريجة مدارس منتسوري الدولية في عمّان وتتحدث الإنجليزية بطلاقة.
بعد بضعة أسابيع، بلغها أنه قد تمت الموافقة عليها لتأدية دور البطولة وهو أمر لم يكن بالحسبان. فهي قد قدّمت تجربة الأداء دون أن تعرف أنها ستقوم بدور البطلة "فرحة"، لكن النتائج جاءت جيدة جدا.
بالرغم من ان غالبية الاداء والحوار كان من تأدية كرم طاهر، وكان من الممكن ان يصيب ذلك المتلقي بالملل لكنها لعبت على التنويع الصوتي بما يناسب الحالة التي تؤديها، كما تحركت بتلقائية ممثلة لها تجربتها، ومن المؤكد ان المخرجة دعمتها كثيرا سواء بالتدريب او بتوجيه الملاحظات. وقد نشاهد هذه الممثلة الشابة في ادوار اخرى ما دام انها لعبت منذ اول خطواتها بطولة فيلم يعتمد عليها كممثلة، وادت دورا مركبا، تنقلت فيه بين الطفلة البريئة والصبية القوية، والفتاة الحزينة المصدومة.
فلم فرحة المرشح رسميا لتمثيل الاردن في مسابقات اكاديمية السينما الاميركية(الاوسكار) ضمن الافلام الاجنبية، كان قد عرض لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي في 14 أيلول 2021 ، كما تم عرضه لاحقًا في بوسان وروما، كما حصل على جائزة تقديرية خاصة من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2021 بالسعودية.وفي 7 تشرين الثاني2022، في مهرجان أيام فلسطين السينمائية في رام الله في فلسطين، وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في الدورة الـ 12 من مهرجان مالمو للسينما العربية (Malmo Arab Film Festival)2022 في السويد، وجائزة أفضل فيلم أورو متوسطي يتناول قضايا المرأة، حيث حصد جائزتي افضل مخرجة(دارين سلام) وافضل ممثلة(كرم طاهر) في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة 2022 بمصر.
عندما بدأ عرض الفيلم على نيتفليكس(Netflix) في الاول من كانون الاول الجاري، 2022، أدان العديد من المسؤولين الإسرائيليين الفيلم وانتقدوا نتفليكس لبثه وهددوا بمقاطعتها . وصار الفيلم وصانعيه، اولهم الكاتبة والمخرجة دارين سلام، هدفًا لحملة تصويت منسقة على موقع IMDb ، إذ تعرضوا لمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك ان اسرائيل لم تتحمل عرض الجرائم التي اقترفتها بحق الفلسطينيين منذ اكثر من نصف قرن في شريط سينمائي اعتمد قصة حقيقية وليست سيناريو متخيل او ملفق.

الممثلة كرم طاهر(فرحة) على اليمين مع المخرجة دارين سلام
كانت المفاجأة ان تقوم شاشة نيتفليكس( Netflix) التي يتابعها ويشترك بها ملايين المشاهدين حول العالم بعرض الفيلم ليطلع المتلقين على بعض الجرائم التي اقترفتها اسرائيل بحق الفلسطينيين وقتلهم او تهجيرهم، مع ان فيلم(فرحة) عرض نموذجا واحدة من تلك الممارسات الاجرامية.
موجة الغضب التي اجتاحت اسرائيل بسبب عرض فيلم(فرحة) في صالات العرض وعلى منصة نيتفليكس دفعت وزير الثقافة الاسرائيلي، هيلي تروبر، الى التصريح بان " فيلم (فرحة) يصور أكاذيب وافتراءات، وعرضه في دار عرض إسرائيلية وصمة عار".، بينما قال وزير المالية بالحكومة الاسرائيلية المنتهية ولايتها، أفيغدور ليبرمان: "من الجنون أن نتفليكس قررت بث فيلم هدفه كله خلق رواية كاذبة وتحريض ضد الجنود الإسرائيليين". وأضاف أنه سينظر في سحب تمويل الدولة من مسرح السرايا في بلدة يافا، ذات الغالبية العربية، التي عرضت الفيلم، بينما علق مدير دار عرض، مسرح السرايا، محمود أبو عريشة قائلا: "جاء ردنا على التحريض ضد الفيلم بأننا مضينا في عرضه".
عن فيلم(فرحة)، قالت مؤلفة ومخرجة الفيلم، دارين سلام، في تصريحات صحفية:"هذا الفيلم أول عمل سينمائي روائي طويل أكتبه وأصوره، إلى جانب عدد من الأفلام القصيرة، منها ما يحكي قصصا من النكبة الفلسطينية مثل :الببغاء، الظلام في الخارج، وأفلام تناقش قضايا مجتمعية وقضايا المرأة العربية"، مشيرة الى انها:" استوحت قصة الفيلم من قصة حقيقية كانت قد روتها أمها لها حول الصبية (رضية) التي صار اسمها بالفيلم(فرحة) عندما التقت بها في أحد المخيمات السورية، وحكت تلك الفتاة ما جرى معها في النكبة وكيف ان والدها حبسها في غرفة ضيقة كي يحميها من الاسرائيليين ووعدها بأن يعود لها سريعا، لكنه لم يعد، ويسود الاعتقاد لدى الأهل بأنه إما مات أو فقدت آثاره في الشتات، ولا يُعلم مصيره للآن، ولكن الفتاة خرجت من الغرفة ولجأت إلى سوريا، وشاركت قصتها المؤلمة والمؤثرة مع والدتي، وحينما تزوجت أمي وأنجبتني وكبرت، سردت لي القصة التي بقيت معي وتأثرت بها، ولهذا قررت كتابتها وتحويلها لفيلم سينمائي."
تكشف دارين سلام قائلة:" إن الفيلم أغضب الجانب الإسرائيلي لأنه يخاطب المشاهد الغربي، خاصة في ظل حالة التعاطف من المشاهد الأوروبي والغربي، فقد كنت أرى بكاء المشاهدين وتعاطفهم مع بطلة الفيلم خلال العروض، إضافة لترسيخ مصطلح النكبة عند المشاهد العربي والغربي".
كاتبة القصة الاردنية، بسمة النسور، ووزيرة الثقافة الاردنية سابقا، تساءلت عن :" مبرّر هذه الهجمة(الاسرائيلية) الشرسة على فيلم (فرحة)، الذي يُعرض حالياً على (نتفليكس)، ويمثل الأردن في المنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وقد سبق عرضه في عدة مهرجانات دولية، وحقق جوائز عربية."، مشيرة الى ان:" الفيلم يروي ملمحاً بسيطاً من المأساة الفلسطينية، من باب حرية التعبير والحق في إبداء الرأي."، مذكرة بان:" من باب هذا الحق بالذات، أُنجزت على مدى سنين أفلام ضخمة الإنتاج عن معاناة اليهود في أوروبا، كما دأبت هوليوود على تكريس صورة نمطية بشعة عن العربي الإرهابي المتخلف المعادي للسامية، الظالم المتجني على الصهيوني اللطيف الذي تعرّض للاضطهاد والإبادة. وبالتالي، من حقه، من باب التعويض، اغتصاب أرض وتشريد شعب ليس له أي ذنب."
مخرجة فيلم(فرحة)، دارين سلام، كاتبة ومخرجة أردنية، حاصلة على درجة الماجستير في الفنون السينمائية، وحائزة على عدة جوائز، بالإضافة لاختيارها ضمن برنامج مواهب مهرجان برلين عام 2021، وحازت على زمالة الفنان المقيم لعام 2017 في مدينة الفنون الدولية. كانت امام تحديات كثيرة من اجل انجاح فيلمها، في مقدمتها ان غالبية احداث الفيلم تدور في غرفة ضيقة وقد ابعدتنا كمتلقين من الشعور بالملل بسبب محدودية المكان بان غلبت الحدث واشغلتنا بمجريات القصة وحالت دون وقوع المشاهد في مطبات الملل، وقد نجحت في ذلك، حيث تقول:" إن أبرز التحديات التي واجهتها في إنجاز الفيلم هي المسؤولية التاريخية في رواية قصص اللاجئين، والخيار الإبداعي في تصوير الجزء الأكبر من الفيلم في ذات الغرفة ودون أن يمل المشاهد".
التحدي الثاني موضوعي للغاية ويتعلق في ان غالبية الاعمال الدرامية التي تناولت قصص النكبة او القضية الفلسطينية كانت عبارة عن مسلسلات تلفزيونية، او افلام انتجت بواقع الدراما التلفزيونية ولم يتم التعامل معها بحرفة سينمائية، كما انها كانت موجهة للمتلقي العربي بينما فيلم(فرحة) موجه للمشاهد الغربي والعربي، وايضا توفقت سلام في هذا الموضوع.
بقي ان نعرف ان مشاهد الفيلم تم تصويرها بالكامل في الأردن نهاية عام 2019 في مواقع مختلفة ذات طبيعة متنوعة ومشابهة للقرى الفلسطينية لإعادة إحياء مظاهر الحياة في فلسطين، وأيضاً النكبة عام 1948.

المخرجة دارين سلام تحمل بعض الجوائز التي حصل عليها الفيلم
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً