رووداو – أربيل
قرر عدد من الرجال المصريين تحدي وصمة اجتماعية مصرية ترتبط براقصي الباليه من الذكور، حيث أن عليهم الاعتياد على التعليقات غير المحببة حول مهنتهم، وأيضاً تحمل الأجور المتدنية كي يواصلوا تلبية نداء فن عشقوه.
وقالت أليس دي ناردي، وهي راقصة إيطالية في فرقة باليه القاهرة: "في إيطاليا لا توجد فرص للعثور على عمل كراقص باليه كلاسيكي إلا في مسرح كبير، مثل (تيترو ألا سكالا) في ميلانو، ومن الصعب للغاية العثور على فرقة حكومية، لدينا فرق صغيرة للغاية، وعلى سبيل المثال في مصر لا يزال هناك نشاط للباليه الكلاسيكي، وربما يكون هذا سبب قدوم جميع الأجانب إلى هنا".
وأثارت فرقة باليه أوبرا القاهرة شغف المشاهدين بحكاية عن الصداقة بين رجل بريطاني، وألكسيس زوربا، ذلك الرجل اليوناني المحب للحياة حتى النخاع، وهذه الحكاية بحاجة لراقصين موهوبين ليقوموا بالأدوار الرئيسية.
من جهته أوضح أحد راقصي الباليه، محمد حامد، أن "مهنة راقص الباليه دائماً ما تثير سخرية الآخرين، غير أن تلك التعليقات القاسية لم تمنعه أو تمنع رفاقه من الراقصين الذكور في الفرقة من تشبثهم بممارسة فنهم".
لا شك في أن الرجل يعشق الباليه بصدق، فالأجور متواضعة ومتدنية بالمقارنة بمهن أخرى في مصر، وحتى أفضل الراقصين يتقاضى راتباً متوسطاً.
وتقدم فرقة باليه القاهرة أربع عروض من "زوربا اليوناني"، من إبداع الموسيقي اليوناني، ميكيس ثيودراكيس، كما أن القالب الفني الخاص بتلك المقطوعة الموسيقية بعيد كل البعد عن الموسيقى والرقص العربي التقليدي.
وهناك البعض في هذا المجتمع المحافظ ذو الغالبية المسلمة ممن يرون أن الباليه "عري" صريح، ولكن ها هم الراقصون ينحنون احتراماً وتواضعاً أمام عاصفة التصفيق التي ألهبت أكف المشاهدين.
يزيل راقص الباليه العالمي، أحمد نبيل، وأحد الراقصين الرئيسيين في الفرقة، ألوان التجميل الخاصة بالعرض عن وجهه في غرفة تغيير الملابس، ويؤكد أن التعليقات الإيجابية ونظرات الإعجاب وحرص البعض على مصافحته بعد العرض هي أهم ما في الأمر، كما أن الباليه كان السبب في تعرفه على حب حياته.
في المنزل يرقص مع زوجته الإيطالية، أليس دي ناردي، راقصة باليه هي الأخرى ضمن فرقة باليه القاهرة.
في الفرقة التي تضم ستين عضواً، كل الراقصات تقريباً أجنبيات أتين من صربيا، إيطاليا، اليونان، اليابان، أوكرانيا، واليونان، إلى جانب عدد محدود من المصريات، أما الراقصون فعلى النقيض، معظمهم من مصر، ويقول أحمد نبيل، إن "المصريين لا ينظرون إلى الباليه كفن، ولا يأخذوننا على محمل الجد".
في خضم اقتصاد متداع كهذا لا يستطيع أحمد نبيل الاعتماد على أجور الفرقة لمواجهة تكاليف الحياة، فهو يدير أيضاً داراً لتعليم الباليه تجتذب فتيات من أسر ميسورة.
ويقوم راقصون آخرون بتعليم الباليه أو يعملون في وظائف نهارية أخرى معظمها حكومي، ولكن رغم المشكلات المالية فإن زوجة أحمد نبيل سعيدة بالعمل في مصر، وتعتقد أن الفرص فيها أكبر لتقدم نوع الرقص الذي تحبه.
وتأسست فرقة باليه القاهرة عام 1958، لكن فن الرقص الكلاسيكي الراقي هذا كثيراً ما واجه عراقيل من قبل مجتمع تزايدت مقاومته لتأثيرات الثقافة الغربية خلال الخمسين عاماً الماضية، ليصبح الباليه حكراً على نخبة ثقافية متناقصة.
وعلى الجانب السياسي أيضاً واجه الباليه عوامل أجبرته على البقاء مغموراً من البداية، فالفرقة القومية أسستها الحكومة لتعزيز الروابط مع الاتحاد السوفيتي أكبر حليف للبلاد في ذلك الوقت.
وفي تسعينيات القرن الماضي، أحيت حكومة حسني مبارك نشاط الباليه في مصر كجزء من مشروع حركه أصحاب الأموال لاستعادة المجد الثقافي للبلاد، وتم بناء مجمع دار الأوبرا بدعم ياباني.
وكان الباليه أحد أدوات الهجوم السياسي بعد وصول الإخوان المسلمين للسلطة بعد ثورة 2011 التي أطاحت بمبارك، حيث طالب النواب الإسلاميون في البرلمان بوقف تمويل الدولة للفرقة، ووصفه أحد النواب بأنه "فن العري".
مدام أرمينيا، هي مديرة الفرقة، وتشرف على التدريبات، وهي إيطالية وأرملة الدكتور عبدالمنعم كامل، رئيس دار الأوبرا الراحل، وأحد رواد فن الباليه في مصر، والذي أعاد بناء الفرقة في تسعينيات القرن الماضي، وكان أستاذاً للكثير من راقصيها حتى توفي عام 2013.
وترى أرمينيا أن "للباليه مكاناً في المجتمع المصري"، وتقول إن "راقصات الفرقة الأجنبيات اللاتي فر الكثير منهن إبان ثورة 2011، عُدن، لكن الفرقة الآن، شأنها شأن مصر بأكملها، تعاني من الإجراءات التقشفية التي تفرضها الحكومة لمعالجة الضرر الذي لحق باقتصاد البلاد.
تحرير: أوميد عبدالكريم إبراهيم
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً